بعد مقتل لاجئة سودانية.. كيف تُترك اللاجئات في مصر بلا حماية؟

أسماء صيام قُتلت داخل شقتها بعد تعرضها للاغتصاب، وطفلتها كانت شاهدة على الجريمة، بينما تمنع إجراءات الإقامة اللاجئات من تقديم بلاغات أو الوصول إلى العدالة.
Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

في منتصف مايو الماضي، عُثر على أسماء منصور صيام، وهي لاجئة سودانية تقيم في مدينة السادس من أكتوبر، مقتولة داخل شقتها، وقد تبيّن لاحقًا أنها تعرضت للاغتصاب قبل أن تُقتل بطريقة وصفت بأنها شديدة الوحشية. وفقًا لإفادة إحدى قريباتها لـ”زاوية ثالثة”، اشترطت عدم ذكر اسمها، فقد بدأت أسماء صباح يوم الحادثة كالمعتاد، إذ اصطحبت ابنتها “لارين” إلى الحضانة، ثم توجهت إلى أحد المتاجر المجاورة لشراء حاجيات منزلية. وبعد عودتها، استقبلت شخصًا طرق باب شقتها، وظنت في البداية أنه أحد أقاربها، فرحبت به وأدخلته إلى المنزل.

توضح قريبتها أن الاستقبال الحسن للأقارب أمر مألوف في الثقافة السودانية، لا سيما إذا كان الزائر من أهل البيت أو من الأقارب المقربين. وتقول: “ما إن دخلت إلى المطبخ لتحضير شيء من الضيافة، وكانت لا تزال ترتدي العباءة التي خرجت بها صباحًا، حتى باغتها الزائر بمحاولة تحرش، ثم اعتدى عليها بالضرب، قبل أن يغتصبها ويقتلها بعنف بالغ”. وتؤكد أن الجثة عُثر عليها لاحقًا مغطاة بـ”المصلاية” – سجادة الصلاة – في غرفة النوم.

مع تأخر أسماء عن استلام ابنتها من الحضانة، أبدت المشرفة هناك قلقًا، ما دفعها إلى الاتصال بوالد الطفلة. وحين أُبلغ بعدم حضور زوجته، طلب من الحاضنة الانتظار قليلًا، وتوجه بنفسه إلى الحضانة لاستلام ابنته. وعند وصوله إلى المنزل، جلس للحظات ثم سمع صراخ طفلته التي سبقته بالدخول إلى الشقة، لتكتشف والدتها غارقة في دمائها، ومغطاة بسجادة الصلاة.

تقول قريبة الضحية إن الشرطة وصلت بعد تلقي البلاغ، لكنها اعتدت على زوج أسماء وشقيقها بالضرب، دون تقديم مبرر لذلك، على حد تعبيرها. وعلى الرغم من القبض على المتهم، تشير إلى أن السلطات لم تعلن أي تفاصيل عن التحقيق، ولم تفصح عن هوية الجاني. وتضيف: “كل ما رأيناه هو لحظة إحضار المتهم، الذي يُدعى (ي.م)، إلى مسرح الجريمة لتمثيلها، دون أن يُسمح لنا بدخول الشقة أو أخذ بعض الحاجات الأساسية للطفلة، حتى بعد انتهاء إجراءات التمثيل”.

(شهادة وفاة أسماء/ خاص زاوية ثالثة)
(شهادة وفاة أسماء/ خاص زاوية ثالثة)

وتأكيدًا لنفي أي تهمة أو شائعة عن الضحية تقول قريبتها: “لاحقًا، انتشرت شائعات عبر صفحة “أنباء أكتوبر” تتضمن أقوالًا منسوبة إلى الجاني، حاول من خلالها تشويه سمعة الضحية، بادعاءات لا تتوافق مع أخلاقها وسلوكها المعروفين لدى الجميع من احترام وأدب وخلق رفيع، كل هذا كذب وافتراء. وتتابع: “الطفلة التي شاهدت والدتها جثة مضرجة بالدماء تمر الآن بأزمة نفسية حادة، تعاني من تبول لا إرادي نتيجة الصدمة، وتعيش في حالة رعب دائم، تردد باستمرار أن “المجرم سيأتي ليقتلها كما فعل مع والدتها”.

أزمة الطفلة النفسية لا تتوقف عند القلق العام فقط، بل تطورت إلى سلوكيات مؤلمة. فهي ترفض الذهاب إلى الحمام ليلًا مهما كانت حاجتها، وتفضل التبول في ملابسها على أن تذهب وحدها. أما في النهار، فلا تدخل الحمام إلا وأنا واقفة بجانبها، خوفًا من أن يظهر “المجرم” فجأة كما تتخيل، بحسب وصفها.

 

نوصي للقراءة: تقليص دعم المفوضية يهدد حياة اللاجئين في مصر

لاجئات في مصر يواجهن العنف الجنسي بلا حماية

الاعتداء الجنسي على اللاجئات في مصر لا يزال ظاهرة مقلقة، إذ تتعرض عشرات النساء من طالبات اللجوء واللاجئات لانتهاكات جنسية وجسدية متكررة، وثّقتها منظمات حقوقية، أبرزها “هيومن رايتس ووتش”. ففي تقرير صدر عن المنظمة، تم توثيق 11 حادثة عنف جنسي وقعت بين عامي 2016 و2022، استهدفت سبع لاجئات وطالبات لجوء من السودان واليمن، من بينهن طفلة تبلغ من العمر 11 عامًا. وأفادت جميع النساء الست، بمن فيهن امرأة ترانس (عابرة النوع الاجتماعي)، بأنهن تعرضن للاغتصاب على يد رجال، فيما ذكرت أربع منهن أنهن تعرضن للاعتداء في أكثر من مناسبة. وأفادت والدة الطفلة بأن رجلًا اغتصب ابنتها داخل مصر.

تتفق العديد من اللاجئات في مصر، وفقًا لشهادات جمعتها “زاوية ثالثة”، على ضعف الاستجابة القانونية لهذه الانتهاكات، ويؤكدن عدم قدرتهن على اتخاذ إجراءات قانونية ضد الجناة. وتشمل الأسباب الشائعة لهذا العجز: غياب تصاريح الإقامة، والخوف من التعرض للترحيل أو المضايقات الأمنية، إلى جانب امتناع بعض أقسام الشرطة عن تحرير محاضر رسمية. وقد أكدت “هيومن رايتس ووتش” هذه العقبات، إذ ذكرت ثلاث لاجئات أن الشرطة رفضت تسجيل بلاغاتهن، بينما أشارت ثلاث أخريات إلى تعرضهن للترهيب بدرجة منعتهم من الإبلاغ أصلًا. وذكرت إحدى النساء أن شرطيًا تحرش بها جنسيًا أثناء محاولتها تقديم بلاغ عن حادثة اغتصاب.

في السياق نفسه، أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عام 2023 شهد زيادة بنسبة 50% في البلاغات المتعلقة بالعنف الجنسي المرتبط بالنزاعات مقارنة بعام 2022، وكانت النساء والفتيات يشكلن 95% من الحالات التي تم التحقق منها. وفي مصر أفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن نحو 8 ملايين امرأة وفتاة يتعرضن للعنف سنويًا، في ظل غياب تشريع واضح يجرّم العنف الأسري ويكفل سرية بيانات الضحايا.

 

نوصي للقراءة: حماية أم قيود؟ انتقادات واسعة لقانون اللجوء المصري الجديد

واقع مأساوي

تحدثت زاوية ثالثة مع عدد من اللاجئات أكدن تعرضهن لوقائع اعتداءات جنسية خلال السنوات الماضية، في غياب للعدالة القانونية، تقول مريم (لاجئة سورية، 32 عامًا) تعيش في حي عين شمس بمحافظة القاهرة: “كنت أعيش مع زوجي وأطفالي في شقة صغيرة بالدور الأرضي. مالك العقار رجل مسن، وكان يبدو محترمًا، في أحد الأيام، صعدت إلى سطح البناية لنشر الغسيل، ففوجئت به ينتظرني على السلم، اقترب مني وحاول لمسي بطريقة غير لائقة، دفعته وصرخت، لكنه لم يتراجع، بل قال لي: “إن تحدثتِ، ستُطردين من الشقة ولن تجدي مأوى.”

وتتابع: “عدت إلى الشقة خائفة، ولم أخبر زوجي خوفًا من وقوع مشكلة تؤدي لطردنا، خاصة أن إيجار الشقة منخفض ولا نملك خيارًا آخر، منذ تلك الحادثة، لم أعد أخرج بمفردي، وأحرص دائمًا على ارتداء ملابس متعددة حتى داخل البناية. مؤكدة: “لم أبلغ الشرطة، لأني أعلم أننا كلاجئين لا نملك حماية حقيقية، ولا أريد أن أخسر المأوى الوحيد الذي نحتمي فيه، أعيش منذ ذلك الحين بخوف دائم وقلق مستمر، وأشعر أنني فقدت جزءًا من كرامتي في تلك اللحظة.

لا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لآمنة (لاجئة سودانية، 27 عامًا) تعيش في منطقة فيصل بمحافظة الجيزة، تقول إلى زاوية ثالثة: “كنت أسير في شارع جانبي لشراء بعض الحاجيات، حين اقترب مني شاب على دراجة نارية وتحرش بي لفظيًا وجسديًا، ثم لاذ بالفرار، حاولت اللحاق به لكن دون جدوى، وقررت التوجه إلى قسم الشرطة. حين سردت ما حدث، سألني الضابط: “هل هناك شهود؟ هل لديكِ رقم الدراجة؟”، فأجبت بالنفي. قال لي: “إذًا لا يمكننا فعل شيء، الشارع أمامك، غيّري طريقك واهتمي بملابسك.” مضيفة: “شعرت بالإهانة مرتين، مرة من المعتدي ومرة من رجل الأمن الذي كان يفترض أن يحميني. غادرت القسم باكية، وقررت ألا أخرج وحدي مجددًا، هربت من بلادي بسبب العنف والدمار، وهنا لا أشعر بالحماية الكافية، لا من القانون ولا من الناس، أصبحت أشعر أن كوني لاجئة يعني أنني بلا صوت، وبلا حق.

وعن تجربتها تروي لنا نجلاء (لاجئة يمنية، 24 عامًا) تعيش بمنطقة الهرم بالجيزة: ” أخبرتني جارتي عن فرصة عمل في مكتب صغير، فتوجهت إليه آملة أن يتم قبولي، استقبلني رجل أربعيني، وطلب مني أوراقي، فأخبرته أنني لاجئة وأوراق الإقامة لا تزال قيد الإجراءات، ابتسم وقال بنبرة غريبة: “إذًا أنتِ بحاجة شديدة للعمل، ومستعدة لأي شيء؟”، وتضيف: “فهمت نواياه فورًا، وغادرت المكان بسرعة وأنا أشعر بالاشمئزاز والخوف. بعد أيام، رأيته في الشارع يلاحقني بكلمات مهينة، فكرت في إبلاغ الشرطة، لكن زميلتي قالت لي: “لا فائدة، سيقولون إنك لا تملكين إقامة رسمية، وربما يُعاملونك كمتهمة لا كضحية.”

أما فاطمة (لاجئة من جنوب السودان، 30 عامًا) تقيم بأحد أحياء الجيزة (تحفظت على ذكر مكان إقامتها) تقول لنا: ” كنت أعمل نادلة في مطعم بمنطقة شعبية، المدير كان يتعامل معي بلطافة مبالغ فيها، وكنت أتحمّل تعليقاته خوفًا من فقدان مصدر رزقي. في أحد الأيام، طلب مني تنظيف مكتبه بعد انتهاء العمل، وحين دخلت، أغلق الباب وحاول التحرش بي، صرخت ودفعته، وسمع بعض الزملاء صراخي. قرروا دعمي، وذهبت معهم إلى قسم الشرطة، لكن التحقيق تحول إلى استجواب مهين، حيث سألني الضابط: “ماذا كنت ترتدين؟ لماذا ذهبتِ إلى المكتب بمفردك؟” وتضيف: “أشعرتني الأسئلة بالذنب، وكأنني أنا المخطئة. بعد أيام، أبلغني صاحب المطعم أنني “أحدثت مشاكل” وتم فصلي. حاولت إيجاد عمل آخر، لكنهم جميعًا يعرفون بعضهم، وأصبحت “الفتاة التي تشتكي”.

 

نوصي للقراءة: مصر: مشروع قانون اللجوء يثير عداءً رقميًا منسقًا ضد اللاجئين

ما نصّ عليه القانون

توضح هالة دومة، المحامية والباحثة القانونية، ورئيسة مكتب “حرية” للمحاماة والاستشارات القانونية، في حديث إلى “زاوية ثالثة”، أن الحقوق القانونية تختلف باختلاف طبيعة الاعتداء، سواء كان جنسيًا أو جسديًا، بل وحتى داخل تصنيف “الاعتداء الجنسي” نفسه، إذ تختلف الإجراءات القانونية إذا وقع الفعل عبر الإنترنت أو بشكل مباشر، نظرًا لأن كل واقعة تُصنَّف كجريمة مستقلة في القانون المصري، وتخضع لمسار قانوني مختلف.

وتشير هالة إلى أن بعض الجرائم لا يمكن فتح تحقيق فيها إلا بناءً على شكوى يتقدم بها المجني عليه شخصيًا، وهو ما يمثل عائقًا كبيرًا أمام اللاجئين أو المقيمين من دون أوراق رسمية، حيث لا يملكون القدرة على التوجه إلى النيابة العامة أو أقسام الشرطة لتقديم البلاغ، ما يؤدي فعليًا إلى حرمانهم من حق التقاضي. وتضيف أن بعض الاعتداءات، مثل الضرب أو الاعتداء في الأماكن العامة، يمكن نظريًا الإبلاغ عنها من طرف ثالث أو من أحد الشهود، حتى لو لم يكن المجني عليه حاضرًا، إلا أن التطبيق العملي مختلف، إذ تميل العديد من جهات تلقي البلاغات إلى عدم التعامل بجدية مع مثل هذه الشكاوى وتصر على حضور المجني عليه بنفسه.

وتلفت إلى أن الخطر الأكبر يواجه الضحايا الذين لا يحملون أوراقًا قانونية، إذ يصبحون عرضة للاحتجاز أو الترحيل فور الإبلاغ عن الجريمة، ما يضعهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما السكوت عن الجريمة، أو المجازفة بالإبلاغ ومواجهة تبعات قانونية قد تكون قاسية. وتؤكد دومة أن الأصل في القانون المصري يقضي بوجوب التحقيق في أي جريمة تقع داخل البلاد، بغض النظر عن الوضع القانوني للمجني عليه، سواء كان لاجئًا مسجلاً أو شخصًا لم يستكمل إجراءات الإقامة. غير أن الممارسة الفعلية تشير إلى أن غياب الوضع القانوني المستقر غالبًا ما يُضعف فرص الضحايا في فتح تحقيقات رسمية أو الوصول إلى العدالة.

في السياق ترى لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “أن النساء والفتيات اللاجئات في مصر لا يعيشن أوضاعًا هشة ويتعرضن لخطر العنف الجنسي فحسب، ولكن يبدو أيضا أن السلطات لا تهتم بحمايتهن أو التحقيق في الحوادث، أو تقديم المغتصبين إلى العدالة. عدم اهتمام السلطات الواضح بهذه القضايا يترك اللاجئات بلا ملاذ للعدالة”.

ويشير التقرير الصادر عن المنظمة إلى أن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في مصر مشكلة مت��شية في السنوات الأخيرة، إذ تقاعست الحكومة إلى حد كبير عن وضع وتنفيذ سياسات وأنظمة تحقيق مناسبة أو سنّ التشريعات اللازمة لمعالجة المشكلة. في العام 2017، أفاد استطلاع أجرته “مؤسسة تومسون رويترز” أن القاهرة، حيث يعيش أكثر من ثلث اللاجئين في مصر بحسب “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، أخطر مدينة في العالم بالنسبة للنساء.

تقع العديد من مجتمعات اللاجئين في القاهرة والجيزة في أحياء فقيرة ومناطق ترتفع فيها معدلات الجريمة، يؤدي هذا إلى تفاقم المخاطر التي تتعرض لها النساء والفتيات اللاجئات، اللواتي يبدو أن المهاجمين يستهدفونهن بناء على ضعفهن الفعلي أو المتصوَّر المرتبط بالفقر والوضع القانوني، وفق ما يرصده التقرير ذاته.

وترى (هيومن رايتس وواتش) أنه يتوجب على السلطات المصرية أداء واجباتها القانونية بموجب القانون المحلي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإجراء تحقيق شامل في جميع مزاعم الاغتصاب، يشمل ذلك ملء محضر المعلومات الأولي، وهو مستند مكتوب تعده الشرطة عند تلقي معلومات أولية أو ادعاء بحدوث جريمة، وهي الخطوة الأولى لضمان الوصول إلى العدالة.

 

نوصي للقراءة: تحرير الخرطوم يدفع اللاجئين السودانيين في مصر نحو العودة الطوعية

ضعف الحماية القانونية وإشكاليات الإقامة

يرى حليم حنيش، الاستشاري بمنصة اللاجئين، أن أبرز التحديات التي تواجه اللاجئين في مصر تتعلق بضعف الحماية القانونية، خاصة في ظل التعقيدات الإجرائية المرتبطة بالحصول على تصريح إقامة. ويوضح في حديثه إلى “زاوية ثالثة”: “عند التوجه إلى قسم الشرطة لتقديم بلاغ، يُطلب عادة إبراز بطاقة هوية. أما بالنسبة للاجئين، فإن تصريح الإقامة هو الوثيقة الوحيدة التي تثبت وضعهم القانوني وتحتوي على بياناتهم الرسمية”.

ويضيف: “نواجه أزمة ممتدة منذ سنوات تتعلق بصعوبة إصدار أو تجديد تصاريح الإقامة. هذا الوضع يُقيد بشكل مباشر قدرة اللاجئين على ممارسة حقوقهم القانونية. فإذا تعرض أحدهم لانتهاك، ولم يكن يحمل إقامة سارية، لا يمكنه التوجه إلى الشرطة، ما يجعله في وضع قانوني ضعيف”.

يشير حنيش إلى أن “الكثير من عناصر الأمن لا يعترفون بوثائق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، سواء كانت البطاقة الصفراء أو الزرقاء أو حتى إذن السفر. وغالبًا ما يُشترط وجود إقامة رسمية إلى جانب بطاقة المفوضية، مما يعطل قدرة اللاجئ على تقديم أي بلاغ”.

ويتابع: “رصدنا في المنصة العديد من حالات القبض على لاجئين يحملون وثائق صادرة عن المفوضية، بل وكان بعضهم لديه مواعيد رسمية سارية معها، ورغم ذلك تم احتجازهم”.

في حالات الاعتداء أو الانتهاكات الجسدية، تصبح الإجراءات القانونية أكثر تعقيدًا. يقول حنيش: “في بعض الأحيان، نضطر لإرسال المحامي نفسه إلى قسم الشرطة، ليحاول من خلال صفته القانونية تقديم البلاغ بالنيابة عن الضحية، خاصة في حالات لا يُشترط فيها حضور المجني عليه أو توفر إقامة سارية. ولكن حتى إصدار توكيل رسمي غالبًا ما يُقابل بعقبات لا يمكن تجاوزها، نظرًا لعدم امتلاك الضحية للوثائق المطلوبة”.

ويؤكد حنيش أن هذا الخوف من التوجه إلى الشرطة لا يقتصر على اللاجئين، بل يشمل المواطنين المصريين أيضًا، لكنه يتفاقم لدى اللاجئين بسبب هشاشة أوضاعهم القانونية. ويضيف: “بعض أقسام الشرطة ترفض تحرير محاضر للاجئين إذا لم تكن لديهم إقامة سارية. وهو سلوك غير قانوني، لكنه يُمارس في الواقع”.

ويستطرد: “لذلك، لا يمكن القول إن اللجوء إلى المسار القانوني دائمًا مجدٍ. بل يصبح وجود محامٍ إلى جانب الضحية ضروريًا، لأن إجراءات مثل إصدار توكيل تصبح عديمة الجدوى في غياب الأوراق المطلوبة”.

ويستشهد بحادثة وقعت في مايو الماضي، حين أبلغت أسرة طفلة سودانية لاجئة عن اختفائها، إلا أن قسم الشرطة لم يتخذ أي إجراء ولم يفتح تحقيقًا، حتى عُثر لاحقًا على الفتاة مقتولة. ويعلق قائلًا: “هذه الواقعة المؤلمة توضح أن أقسام الشرطة ليست بيئة آمنة للاجئين، ولا توفر لهم الحد الأدنى من الحماية”.

ويختم حنيش بالتأكيد على أن هذا الواقع القانوني الهش يجعل من مجتمع اللاجئين هدفًا سهلًا للانتهاكات. ويقول: “البيئة المحيطة تدرك أن اللاجئين لا يملكون أدوات الحماية القانونية، مما يجعلهم عرضة للنصب والاعتداء، لأن المعتدين يدركون أن احتمالات ملاحقتهم القانونية شبه معدومة”. ويضيف: “نتلقى يوميًا شكاوى من لاجئين تعرّضوا لانتهاكات، خاصة في أماكن العمل، لكن من ينجح في الوصول إلينا أو إلى محامٍ لا يمثل أكثر من 10% من عدد الضحايا الفعلي. أما الباقون، فيلجأون إلى الصمت أو القبول بالأمر الواقع، لأنهم يعرفون أنه لا توجد حماية حقيقية متاحة لهم”.

حتى نهاية مارس 2025، بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر حوالي 942 ألف شخصًا، يمثلون أكثر من 60 جنسية مختلفة، وتتصدر الجنسية السودانية القائمة، تليها الجنسيات السورية، والإريترية، والإثيوبية، والجنوب سودانية، والصومالية، واليمنية، والعراقية. يعيش معظم هؤلاء اللاجئين في مناطق حضرية مثل القاهرة الكبرى والإسكندرية، حيث تعتمد الغالبية على المساعدات الإنسانية بسبب التحديات الاقتصادية وصعوبة الوصول إلى سوق العمل الرسمي.

تعرف منظمة الأمم المتحدة اللاجئ بأنه الشخص الذي اضطر إلى مغادرة بلده بسبب ظروف مثل الحرب أو العنف أو الاضطهاد، مع عدم قدرته على العودة أو خوفه من ذلك، وتحدد اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 اللاجئ بأنه “شخص يقيم خارج بلده الأصلي أو مكان إقامته المعتادة نتيجة خوف مبرر من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر أو الدين أو القومية أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة أو آراء سياسية، ولا يستطيع أو لا يرغب في اللجوء إلى حماية ذلك البلد أو العودة إليه بسبب هذا الخوف”.

وأخيرًا.. تجسد جريمة اغتصاب وقتل أسماء منصور صيام وجهًا مأساويًا لصورة أشمل من المعاناة، تعيشها آلاف اللاجئات في مصر، حيث يتحول اللجوء من ملاذ هروب إلى ساحة تهديد مستمر. في ظل غياب الحماية القانونية، وتخاذل بعض الأجهزة الأمنية، وانعدام آليات الإنصاف، تترسخ ثقافة الإفلات من العقاب، وتتحول أجساد النساء إلى مسرح لانتهاكات متكررة لا تجد من يوقفها، فتيات ونساء مثل مريم وآمنة ونجلاء وفاطمة لا يحملن فقط جراحًا شخصية، بل يصرخن باسم منظومة كاملة مهددة بانهيار أخلاقي، إن استمر التواطؤ والصمت.

Search