يثير مشروع تعديل قانون الأندية الرياضية موجة من الاعتراض داخل الأوساط الرياضية، خصوصًا من بعض الأندية الكبرى التي ترى في التعديلات المقترحة تهديدًا لصلاحياتها الإدارية وتقليصًا لدور جمعياتها العمومية. ويأتي في قلب الجدل المقترح الخاص بإنشاء “جهاز وطني للرياضة” برئاسة وزير الشباب والرياضة، وهو ما يعتبره منتقدو المشروع خطوة للوراء تمهد لعودة الهيمنة الحكومية على القطاع الرياضي، في تكرار لتجربة “المجلس القومي للرياضة” التي جرى تجاوزها في السابق. وبينما تؤكد الحكومة أن الغرض من التعديلات هو تطوير البنية التشريعية وتحقيق الحوكمة، يرى آخرون أن مشروع القانون يفتح الباب أمام تدخل مباشر في عمل الهيئات الرياضية، ويُثير مخاوف من خصخصة مرتقبة لأندية الجماهير دون ضمانات واضحة.
تعود بداية الأزمة إلى مارس الماضي، حينما طرحت الحكومة المصرية تعديلات جديدة على قانون الأندية الرياضية، وهو القانون الذي من المنتظر أن يُعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والأندية، ويضع إطارًا جديدًا للتعامل مع الخصخصة والاستثمار الرياضي. غير أن القانون الجديد لم يمر بهدوء، بل أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الرياضية والنيابية على السواء، نظرًا لما تضمنه من مواد يرى البعض أنها تهدد استقرار الأندية الجماهيرية وتفتح الباب لتدخل حكومي مرفوض دوليًا.
منذ الكشف عن مسودة التعديلات، أبدت العديد من الأندية والمحللين الرياضيين استياءهم مما وصفوه بـ”الطرح المفاجئ” للقانون دون إجراء حوار مجتمعي حقيقي. واعتبر نقاد وإعلاميون رياضيون تحدثوا إلى زاوية ثالثة أن تجاهل التشاور مع القامات الرياضية والإعلامية يعد تراجعًا عن سابقة جرت أثناء إعداد القانون الساري حاليًا منذ عام 2017، حينما دُعي ممثلون عن الأندية والإعلاميين لحضور جلسات استماع داخل البرلمان. واصفين المشهد الحالي بأنه “مرتبك وغامض”، مؤكدين في الوقت ذاته أن الحكومة لم تُصدر حتى الآن موافقة رسمية على مشروع القانون، في حين بدأت لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب في إرسال استفسارات للجهات المعنية حول بعض بنوده الخلافية.
ينص مشروع قانون الرياضة الجديد على أن “تكون مدة مجلس إدارة الهيئات الرياضية أربع سنوات من تاريخ انتخابه، أما بالنسبة للاتحادات الرياضية فتُحدد المدة بأربع سنوات أو حتى نهاية الدورة الأولمبية، أيهما أقرب. ولا يجوز لذات مجلس الإدارة الترشح لأكثر من دورتين متتاليتين”.
وبحسب ما ورد في تقارير إعلامية، فإن التعديل المزمع سيتم تطبيقه بأثر رجعي فور إقراره رسميًا، ما يعني أن المجالس الحالية التي أكملت ولايتين لن يكون لها الحق في الترشح مجددًا. ويأتي في مقدمة المتأثرين بهذا التعديل محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي، الذي شغل المنصب لدورتين متتاليتين، مما يجعله غير مؤهل للترشح مرة أخرى. كما سيتأثر عدد كبير من أعضاء مجلس إدارة الأهلي الحالي بهذا التعديل، إذ لن يتمكنوا من خوض الانتخابات المقبلة، باستثناء ثلاثة أعضاء فقط لم يستوفوا شرط الدورتين حتى الآن.
نوصي للقراءة: تداخل المصالح: الأندية الرياضية المصرية كساحة للصراعات السياسية
ما أبرز المواد الخلافية؟
يتركز الجدل الدائر حول مشروع القانون المقترح في ثلاث نقاط أساسية. أولها يتعلق بإنشاء “الجهاز الوطني للرياضة”، وهو كيان يرى العديد من الخبراء أنه يُعيد إنتاج نموذج “المجلس القومي للرياضة” الذي جرى حله سابقًا، ما يثير المخاوف من عودة التدخل الحكومي في شؤون الاتحادات الرياضية، بما قد يُخالف قواعد الهيئات الدولية مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) واللجنة الأولمبية الدولية، التي ترفض التدخل الحكومي في إدارة الهيئات الرياضية المستقلة.
النقطة الثانية تتعلق بملف الخصخصة، حيث لم تحدد المسودة التشريعية المقترحة آلية تنفيذ الخصخصة بوضوح؛ فلا يزال غامضًا ما إذا كان المقصود طرح أسهم الأندية في البورصة أو فتح الباب أمام دخول القطاع الخاص في الإدارة. هذا الغموض أثار اعتراض أندية جماهيرية مثل الإسماعيلي والمصري، التي تخشى أن تؤدي تلك التعديلات إلى تهديد هويتها التاريخية وتحويلها إلى كيانات استثمارية تُدار وفق منطق الربح، في وقت تحظى فيه أندية الشركات بدعم مالي أوسع، مما قد يُكرس التفاوت بين الأندية القديمة والصاعدة.
أما المادة الثالثة الخلافية، فتتعلق بإعادة العمل بـ”بند الثمان سنوات”، حيث ينص المشروع على ألا تتجاوز مدة عضوية مجالس الإدارات دورتين متتاليتين. ويعتبر منتقدو البند أن العودة إليه تفتقر إلى مبررات واضحة، خاصة أنه سبق إلغاؤه في تعديلات سابقة، مطالبين الحكومة بتقديم دراسة تُبرر إعادة تفعيله وتوضيح أثره على استقرار الإدارة الرياضية في الأندية.
من جهته أعلن النادي الأهلي، في بيان رسمي، الأربعاء، أنه وجّه خطابًا إلى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، يطلب فيه تمكينه من الاطلاع على مشروع تعديلات قانون الرياضة المقترح، والدعوة إلى فتح حوار مجتمعي واسع بشأنه، وأكد النادي أن الهدف من هذه الخطوة هو ضمان اتساق التعديلات المقترحة مع نصوص الدستور المصري، ومعايير الشفافية والمشاركة، وكذلك مع الميثاق الأوليمبي والمعايير الدولية المعتمدة. وشدد الأهلي في خطابه على أهمية تعزيز مبادئ المشاركة وتقدير دور الجمعيات العمومية في المؤسسات الرياضية، معتبرًا أن إشراك الأندية والجهات المعنية في مناقشة التعديلات يمثّل ركيزة أساسية لتعزيز موقع مصر الريادي في صياغة التشريعات الرياضية الحديثة.
وأوضح النادي في خطابه أن التعديلات المقترحة، التي رُفعت إلى مجلس الوزراء من قبل وزير الشباب والرياضة، لم تُعرض حتى الآن على الأندية أو الهيئات الرياضية، ما يثير تساؤلات حول أسباب هذا الغياب غير المبرر للشفافية، رغم ما تحرص عليه الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، من التزام راسخ بمبدأ الشفافية في صناعة القرار. وأشار البيان إلى أن النادي سبق أن تواصل مع الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، منذ أيام، مطالبًا بإتاحة التعديلات للاطلاع وتقديم ملاحظاته ومقترحاته، بما يخدم المصلحة العليا للرياضة الوطنية ويسهم في تطوير بيئتها القانونية بشكل متوازن وشامل.
وكان مدبولي شدد، ظهر الأربعاء، على أن مشروع قانون الرياضة الجديد لا يستهدف شخصًا بعينه أو كيانًا رياضيًا محددًا، بل يأتي في إطار رؤية تشريعية تستهدف الاستدامة والتطوير، قائلاً إن “القانون يتم تعديله ليظل صالحًا لعشرين أو ثلاثين عامًا، وليس ليوم أو يومين”، وخلال مؤتمر صحفي أعقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، أوضح مدبولي أن الحكومة وافقت بشكل مبدئي على مشروع القانون، مع توجيه الجهات المعنية إلى إعادة دراسة ومراجعة بعض مواده بالتعاون مع خبراء قانونيين متخصصين، بما يضمن دقة الصياغة ووضوح الأهداف، مؤكدًا أن الدولة لا تُدار بالأشخاص بل بالمؤسسات، وأن ما يهم الحكومة هو بناء منظومة رياضية قوية ومنضبطة تُحسن إدارة هذا المرفق الحيوي بما يخدم الصالح العام.
وكشف مدبولي عن اجتماعه صباح الأربعاء مع وزير الشباب والرياضة، الدكتور أشرف صبحي، لمناقشة ما أُثير مؤخرًا من جدل واسع حول مشروع القانون على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن الحكومة تستمع لكل الآراء وتسعى لتطوير البيئة الرياضية بقوانين تحقق التوازن بين الاستقلالية والرقابة.
وردًا على بيان الأهلي، أصدرت وزارة الشباب والرياضة توضيحًا على لسان المتحدث الرسمي، محمد الشاذلي، يوم الخميس 17 أبريل، أكد فيه أن التعديلات لم تُستكمل بعد، وأن القانون لا يزال في طور الإعداد والصياغة. وقال: “منذ تولي الوزير أشرف صبحي مسؤولية الوزارة عام 2018، نعمل على تطوير القانون الحالي رقم 71 لسنة 2017 بإضافة ما يلزمه من تحديث، لكنه قانون جيد في مجمله”.
وأضاف أن الحوار المجتمعي بشأن التعديلات سيُعقد بعد الانتهاء من الصياغة، بمشاركة مجلس النواب بوصفه الجهة الوحيدة المخولة بإصدار التشريعات. وأشار إلى أن بعض الأندية خالفت البروتوكول المتبع حين خاطبت رئاسة الوزراء وطرحت بيانات للرأي العام قبل ورود ردود رسمية، مشيرًا إلى أن مخاطبة نحو 1200 نادٍ بشأن مشروع القانون أمر صعب إداريًا.
وأكد الشاذلي أن الوزارة سبق أن نظّمت جلسات استماع في فترات سابقة، حضرها ممثلون عن الأهلي واتحادات وأندية أخرى، لمناقشة بعض البنود المطروحة، من بينها بند الثمان سنوات. وأشار إلى أن ما يُطرح حاليًا من اعتراضات لا يمثل نهجًا مؤسسيًا ناضجًا، مضيفًا: “لا يحق لأي مجلس إدارة تطوعي فرض شروط مسبقة بشأن مدة عمله، فالفصل النهائي سيكون للبرلمان”.
وحول موقف اللجنة الأولمبية الدولية، أوضح الشاذلي أن الوزير التقى مؤخرًا رئيس اللجنة أثناء مشاركته في اجتماعات “أنوكا” في الجزائر يومي 14 و15 أبريل، وأن اللقاء شهد ترحيبًا بالتعديلات، مع طلب عقد جلسة مشتركة فور إرسال نسخة مترجمة من مشروع القانون إلى اللجنة.
وفي ختام تصريحاته، أكد الشاذلي أن الوزارة “ليست ضد أحد”، وأن القانون الجديد سيتوافق مع الميثاق الأولمبي والدستور المصري على حد سواء، مشددًا على أن الأمور لم تُحسم بعد، سواء بشأن مدة ولايات المجالس أو باقي البنود، وأنه لا يزال هناك مجال للنقاش والتوافق.
عن الجهاز الوطني للرياضة: نعود للخلف
يؤكد -الإعلامي والمحلل الرياضي- أمير عبد الحليم أن التعديلات المقترحة على قانون الرياضة تُطرح في مناخ يغيب عنه التشاور الحقيقي مع أصحاب الخبرة، وهو ما يُعد تراجعًا عن النهج الذي تم اتباعه عند إعداد القانون الحالي. ويوضح أن القانون الساري الآن جرت مناقشته في جلسات موسعة داخل مجلس النواب، ودُعي لها عدد من الإعلاميين الرياضيين والشخصيات العامة وممثلي الأندية الجماهيرية، مشيرًا إلى أنه كان من بين المشاركين الذين استُمع إلى آرائهم آنذاك.
ويقول عبد الحليم في حديثه إلى زاوية ثالثة إن وزير الشباب والرياضة استجاب حينها لبعض المقترحات التي تم عرضها، ما أسهم في خروج قانون متوازن. أما في النسخة الحالية من التعديلات، فلا توجد أي دعوة للنقاش أو تبادل الآراء، مما يجعلها تفتقر إلى الحد الأدنى من الحوار المجتمعي، ويعتبر ذلك أول عقبة حقيقية تواجه مشروع تعديل القانون.
ويُبدي عبد الحليم تحفظه الشديد على مقترح إنشاء “الجهاز الوطني للرياضة”، مؤكدًا أن هذا الكيان الجديد لا يحمل مبررات واضحة لإنشائه، خاصة في ظل تشابهه الشديد في المهام مع “المجلس القومي للرياضة” الذي تم إلغاؤه سابقًا. ويخشى أن يُعيد الجهاز المقترح شبح التدخل الحكومي في الشأن الرياضي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تجميد الاتحادات المصرية من قبل الجهات الدولية، كما حدث سابقًا. ويقول: “حتى وإن تغير الاسم، فإن المهام المتشابهة تعني أننا بصدد خطوة إلى الوراء، والمخاوف من تدخل الحكومة في عمل الاتحادات مشروعة، وقد تكون سببًا رئيسيًا لرفض الأندية هذا الطرح.”
وعن أكثر البنود إثارة للجدل، يشير عبد الحليم إلى ملف خصخصة الأندية، الذي يراه غامضًا في تفاصيله، ويقول إن غياب الشفافية في تحديد طبيعة الطرح يُثير المخاوف، خاصة لدى الأندية الجماهيرية الكبرى. ويتساءل: “هل سنرى طرحًا للأسهم في البورصة؟ وهل ستُمنح الأغلبية لمن يمتلك النسبة الأكبر؟ أم أن الإدارة ستظل بيد مجالس منتخبة؟”
ويرى الإعلامي والمحلل الرياضي المصري أن القلق في هذه النقطة مشروع تمامًا، خاصة أن الأندية الجماهيرية تعاني ماديًا، وتحتاج لضخ استثمارات، لكن دون أن تفقد هويتها أو تصبح رهينة في يد رأس المال. ويضرب مثالًا بأندية مثل الإسماعيلي والمصري والزمالك، التي تمر بأزمات مالية حادة، في مقابل تصاعد نفوذ أندية الشركات. ويؤكد أن الاستثمار الرياضي بات ضرورة، لكنه يحتاج إلى ضوابط وتشريعات واضحة تضمن التوازن بين التمويل والحفاظ على الانتماء الجماهيري.
ويعلق عبد الحليم على مقترح إعادة العمل ببند الحد الأقصى لثمان سنوات في مناصب الأندية والاتحادات، مشيرًا إلى أن العودة لهذا البند دون توضيح مبرراتها تُثير علامات استفهام عديدة. ويقول: “إذا كنا قد ألغيناه سابقًا، فمن المنطقي أن نفهم لماذا نُعيده الآن. ما المكاسب التي ستتحقق؟ وهل تمت دراسة هذه العودة بشكل مؤسسي أم أنها مجرد اجتهاد غير محسوب؟”
ويضيف أن مثل هذه الأسئلة المشروعة لم تجد إجابة حتى الآن، لأن الحكومة لم تفتح حوارًا حقيقيًا مع العاملين في الوسط الرياضي والإعلامي، وهو ما يزيد من حالة الغموض والارتباك حول التعديلات المقترحة.
ويلفت عبد الحليم إلى أن المشهد التشريعي ما زال ضبابيًا، حيث لم تُعلن الحكومة بشكل رسمي موافقتها على التعديلات، بينما يطلب مجلس النواب إيضاحات حول عدد من البنود. ويشير إلى أن “هيئة المستشارين” في المجلس بدأت بالفعل في توجيه تساؤلات فنية وقانونية حول بعض المواد، ويصف هذا الأمر بأنه طبيعي ومتوقع، في ظل وجود العديد من البنود التي تفتقر إلى الشفافية أو التفاصيل. مؤكدًا أن: “تعديل قانون الرياضة أمر في غاية الأهمية، لكنه لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة المنفردة. مشيرًا: “نحن نتحدث عن ملف يمس الرأي العام والمزاج الشعبي، ويحتاج إلى مشاركة مجتمعية حقيقية قبل اتخاذ أي قرار مصيري.”
نوصي للقراءة: تهميش النساء في الرياضة: درس من أولمبياد باريس
أزمات أخرى
من جهته يؤكد الكاتب والناقد الرياضي هاني عبد النبي أن قانون الرياضة في نسخته الأولى التي أُقرت في الفترة (2014-2017) مثّل خطوة مبدئية مهمة رغم ما شابها من إشكاليات، خصوصًا فيما يتعلق بغياب منظومة تحكيم رياضي احترافية تتوافق مع الدستور المصري، موضحًا في حديث إلى زاوية ثالثة أن “الإشكالية الكبرى عند بداية التفكير في القانون الجديد كانت تتعلق بكيفية تأسيس منظومة تحكيم رياضي لا تتعارض مع القضاء العادي، وتكون في الوقت ذاته معترفًا بها دوليًا. قبل القانون، لم يكن هناك اعتراف بقرارات مراكز التحكيم المحلية، ما دفع الكثير من الأطراف للجوء إلى المحكمة الرياضية الدولية (CAS) لإلغاء قرارات داخلية مرتبطة بالشأن الرياضي المحلي، خاصة في كرة القدم”.
ويلفت عبد النبي إلى أنه “مع بداية تطبيق القانون في عهد الوزير خالد عبد العزيز، بدأت تظهر جدليات كبرى، منها بند الثمان سنوات ومركز التسوية والتحكيم التابع للجنة الأولمبية، والذي صدر لاحقًا حكم بعدم دستورية بعض قراراته، مما أدى إلى شبه تجميد لدوره، وأعاد النقاش مجددًا حول ضرورة تأسيس منظومة بديلة أكثر احترافية”.
ويضيف: “اليوم نواجه تحديًا كبيرًا في تعديل قانون الرياضة، وأبرز البنود المطروحة على طاولة النقاش هو إعادة هيكلة مركز التسوية والتحكيم الرياضي ليعمل وفق المعايير الدولية، خاصة وأن مصر تمتلك كفاءات قانونية ورياضية متميزة على الساحة الدولية، لم يتم استثمارها بالشكل الكافي. من غير المعقول أن شخصيات بحجم الدكتور نبيل العربي، عضو مجلس أمناء المحكمة الرياضية الدولية سابقًا، لم يُؤخذ برأيهم أثناء وضع القانون”.
ولفت عبد النبي إلى أهمية أن “يستعين وزير الرياضة الحالي الدكتور أشرف صبحي بخبراء من مركز القاهرة للتحكيم الدولي، بالإضافة إلى المحكمين الدوليين المصريين العاملين بالخارج، لتأسيس مركز تحكيم رياضي مصري معترف به وقادر على الفصل في النزاعات بشكل احترافي، بما ينعكس على تطوير المنظومة الرياضية بالكامل”.
تسعى العديد من الأندية الجماه��رية والشعبية خلال الفترة الأخيرة إلى تنسيق موقف موحد فيما بينها، تمهيدًا لإرسال خطاب رسمي إلى وزارة الشباب والرياضة تعبر فيه عن تحفظاتها على بعض التعديلات المقترحة في مشروع قانون الرياضة الجديد. وتعتبر هذه الأندية أن التعديلات تمثل تقليصًا واضحًا لصلاحياتها ومحاولة للسيطرة على إداراتها، في وقت تُستثنى فيه الأندية الخاصة وأندية الشركات من تلك التعديلات، مما يخلّ بمبدأ تكافؤ الفرص ويهدد مستقبل الأندية الجماهيرية. وبدأت شكاوى هذه الأندية تصل بالفعل إلى وزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحي، محذّرة من التداعيات المحتملة لهذه التعديلات على عدالة المنافسة.
وازدادت حالة الجدل حول القانون لاسيما بعداعتراض مستشاري وزارة العدل على عدد من مواده، والتي وصفوها بأنها تتعارض مع نصوص الدستور. من بين المواد المثيرة للجدل: المادة 18، والمادة 29، ومواد أخرى حتى المادة 92، بالإضافة إلى المادة 45 مكرر. وتسببت هذه الاعتراضات، إلى جانب طرح التعديلات بشكل مفاجئ دون حوار مجتمعي أو تنسيق مسبق مع الأندية وخبراء القانون، في حالة من الاستياء العارم داخل الوسط الرياضي، خاصة في ظل ما يعتبره كثيرون غيابًا للشفافية وتجاهلًا لآراء المعنيين بالقطاع الرياضي.
نوصي للقراءة: مشاهد لم نرها من جنازة أحمد رفعت
قضية الخصخصة والاستثمار في الأندية
وفيما يتعلق بالجدل الدائر حول الاستثمار والخصخصة في الأندية المصرية، يوضح هاني عبد النبي أن “الناس تخلط بين الاستثمار الرياضي وفكرة الخصخصة. لافتًا إلى أن القانون الحالي يتيح للأندية تأسيس شركات والاستثمار في أصولها، سواء من خلال البورصة أو عبر شركات تابعة، لكن لا يعني أبدًا بيع ��لأندية الكبرى أو التنازل عن اسمها”. مستشهدًا بحالات سابقة قائلاً: “النادي الأهلي على سبيل المثال، استثمر عبر شركات وفنادق منذ سنوات طويلة، منها فندق هيلتون رمسيس، وهذا مثبت في ميزانياته الرسمية. القانون حتى قبل التعديلات الأخيرة كان يسمح بذلك، لكن بشكل محدود. القانون الحالي أعطى دفعة جديدة للاستثمار، دون أن يفتح الباب أمام الخصخصة الكاملة”.
ويؤكد عبد النبي أن “الدكتور أشرف صبحي صرّح مؤخرًا بوضوح أن الخصخصة غير مطروحة، وأن الاستثمار الرياضي مشروع ومتاح، وهذا يتوافق مع توجه الدولة لدعم القطاع الرياضي من خلال كيانات اقتصادية قوية تحافظ على الطابع المؤسسي للأندية وتدعم المنتخبات الوطنية”.
تسعى مصر إلى جذب استثمارات جديدة في قطاع الرياضة تصل إلى 6 مليارات جنيه خلال العام الجاري، وفقٍا لتصريحات وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي، الذي أوضح أن الوزارة تتعاون مع البورصة المصرية لطرح شركات رياضية خلال الفترة المقبلة. وأشار صبحي، في تصريحات على هامش مشاركته في فعالية ضمن قمة “صوت مصر”، إلى إطلاق منصة للخدمات الرياضية بهدف تشجيع القطاع الخاص على تأسيس شركات رياضية داخل البلاد. مشيرًا إلى أن الحكومة تدرس أيضاً تعديل القوانين المنظمة للاستثمار في الرياضة، من بينها القانون الذي يمنع أعضاء مجالس إدارات الأندية من الاستثمار في شركات كرة القدم التابعة لأنديتهم، في خطوة تهدف إلى إزالة العقبات أمام تدفق رؤوس الأموال.
وبحسب صبحي، بلغت استثمارات قطاع الرياضة في مصر خلال السنوات الخمس الماضية نحو 54 مليار جنيه، منها 30 ملياراً تمثل استثمارات حكومية، بينما ساهم القطاع الخاص بـ24 مليار جنيه. وأكد الوزير أن الوزارة تعمل على تعزيز حضور مصر في تنظيم واستضافة الفعاليات الرياضية الدولية، موضحاً أن عدد الفعاليات بلغ 266 في عام 2023، مع توقعات ببلوغ قيمة هذا السوق نحو 510 ملايين دولار بحلول عام 2032، ما يمثل فرصة واعدة لاستقطاب المزيد من المستثمرين والشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال.
وفيما يتعلق بخصخصة الأندية، أوضح وزير الشباب والرياضة أن الأندية المصرية تمتلك طابعًا خاصًا، كونها ليست فقط رياضية، بل تمتد أدوارها إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما يجعل من الصعب خصخصتها بشكل كامل. ومع ذلك، أشار إلى إمكانية خصخصة شركات كرة القدم وشركات الإدارة المرتبطة بالأندية، ضمن خطة تهدف إلى رفع مساهمة الشركات الرياضية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 3%، مقارنة بنسبة 1.3% حاليًا، وذلك عبر تنشيط بيئة الاستثمار وتشجيع القطاع الخاص على الدخول بقوة في هذا المجال الحيوي.
نوصي للقراءة: صافرة إنذار: منظومة الطوارئ الطبية الرياضية في مصر تفشل في إنقاذ الأرواح
بند الثمان سنوات… معركة قديمة تتجدد
ويتطرق عبد النبي إلى ملف بند الثمان سنوات، معتبرًا أنه “واحد من أعقد القضايا المطروحة حاليًا في تعديلات القانون”، وقال: “نحن نعود بعد أكثر من 12 سنة لنفس النقاش الذي أُثير وقت رئاسة الكابتن حسن حمدي للنادي الأهلي، حين تم الضغط دوليًا لإلغاء هذا البند. واليوم نناقش عودته مرة أخرى”.
ويضيف: “السبب في إعادة النقاش حول هذا البند هو محاولات بعض رموز الرياضة الذين لم يحققوا إنجازات تُذكر في الأولمبياد الأخيرة للعودة مجددًا إلى المشهد الانتخابي، وفرض أنفسهم رغم الرفض الشعبي. وهو ما دفع الدولة لمحاولة إعادة فرض ضوابط قانونية للحد من هذه السيطرة، وتحقيق نوع من تداول المناصب”. موضحًا أن “هناك ضغوطًا حقيقية تمارس حاليًا على الدكتور حسن مصطفى، نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، لنقل وجهة النظر المصرية إلى الجهات الدولية، بهدف التوافق على تطبيق بند الثمان سنوات دون أن يتعارض مع الميثاق الأولمبي”.
وأشار إلى أن “الأهلي مؤخرًا طالب رسميًا وزارة الرياضة ورئيس الوزراء بالحصول على نسخة من مشروع تعديل القانون، في إطار حرصه على مناقشة هذا البند بشكل خاص، لما له من تأثير مباشر على مشهد الإدارة الرياضية في مصر”.
وأخيرًا يقول: “نحن أمام ثلاث قضايا أساسية تمثل جوهر تعديل قانون الرياضة: أولًا، منظومة التحكيم الرياضي وضرورة تأسيس مركز يتوافق مع المعايير الدولية؛ ثانيًا، ملف بند الثمان سنوات وأبعاده القانونية والسياسية؛ وثالثًا، الخلط الحاصل بين مفهومي الاستثمار الرياضي والخصخصة، والذي يحتاج إلى توضيح أكبر من الجهات المختصة، لمنع البلبلة وضمان استقرار المنظومة الرياضية خلال المرحلة المقبلة”.
في خضم هذا الجدل المتصاعد، يبدو أن مشروع تعديل قانون الأندية الرياضية قد تجاوز كونه نقاشًا تقنيًا حول بنود قانونية، ليصبح اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الدولة بمبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية، واحترام استقلالية الكيانات الرياضية. وبينما تؤكد الحكومة أن التعديلات تهدف إلى التطوير وتأسيس بيئة رياضية أكثر استدامة، ترى أطراف واسعة في الوسط الرياضي أن المسار الحالي يفتقر إلى التوازن المطلوب بين سلطة الدولة وحرية الجمعيات العمومية. وإذا لم يُفتح باب الحوار الجاد والمباشر مع الأندية والجهات المعنية، فإن القانون الجديد قد يتحول من فرصة للتحديث إلى مصدر لانقسام رياضي ومؤسسي، لا سيما في ظل المخاوف الدولية من التدخلات الحكومية المحتملة. مستقبل الرياضة المصرية اليوم على المحك، ويتوقف نجاح هذا التعديل على ضمان أن تُسمع كل الأصوات، لا أن يُفرض القرار من أعلى.