قانون الإيجار القديم يهدد آلاف العيادات والصيدليات بالإغلاق

البرلمان المصري يقر قانون الإيجار القديم بمواد مثيرة للجدل تمس الأمن الاجتماعي والخدمات الصحية، وسط تحذيرات من نواب ونقابات مهنية ومنظمات حقوقية من مخاطر إخلاء ملايين المستأجرين وتهديد استقرار آلاف العيادات والصيدليات.
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

أقرّ مجلس النواب المصري، في جلسته العامة يوم الأربعاء 2 يوليو، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، أغلب مواد مشروع قانون الإيجار القديم الذي قدمته الحكومة ودافعت عنه، مع تعديل وحيد طال المادة الثامنة. وينص التعديل على أنه لا يجوز إخلاء المستأجر الأصلي من العين المؤجرة قبل مرور عام على الأقل من توفير سكن بديل يختاره بنفسه، وذلك إذا لم يتم التوافق مع المالك خلال المدة الانتقالية.

وبحسب النص المعتمد للمادة الثامنة: “مع عدم الإخلال بحكم المادتين (2) و(7) من هذا القانون، يحق لكل مستأجر، أو من امتد إليه عقد الإيجار وفقًا للقانونين 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981، وقبل انتهاء المدة المحددة بالعقود وفقًا للمادة (2)، أن يتقدم بطلب للحصول على وحدة سكنية أو غير سكنية، سواء بالإيجار أو التمليك، من بين الوحدات المتاحة لدى الدولة. ويُرفق الطلب بإق��ار بالإخلاء والتسليم فور صدور قرار التخصيص واستلام الوحدة البديلة، وتُمنح الأولوية في التخصيص للفئات الأولى بالرعاية، وعلى رأسهم المستأجر الأصلي وزوجته ووالداه ممن امتد منهم إليه عقد الإيجار.”

وقد أثار مشروع القانون موجة من الجدل داخل البرلمان وخارجه، وواجه رفضًا صريحًا من عدد من الأحزاب والنواب الذين اعتبروا أن القانون يهدد الاستقرار الاجتماعي لشريحة واسعة من المستأجرين، خصوصًا في القطاعات الخدمية كالصحة والتعليم. وخلال الجلسة العامة الأخيرة، أعلن نواب أحزاب العدل والتجمع والمصري الديمقراطي الاجتماعي انسحابهم من التصويت على مواد القانون، احتجاجًا على تمريره دون أخذ ملاحظاتهم بعين الاعتبار.

وضمت قائمة المنسحبين النواب: ضياء الدين داود، أحمد الشرقاوي، عبد المنعم إمام، أحمد فرغلي، محمد عبد العليم داود، عاطف مغاوري، نبيل عسكر، هاني خضر، أحمد بلال، خالد الحداد، مارسيل سمير، يوسف الحسيني، إيهاب منصور، مها عبد الناصر، أحمد دراج، سحر بشير معتوق، ضحى عاصي، زينب السلايمي، سلمى مراد، علاء عصام، سناء السعيد، ريهام عبد النبي، وسميرة الجزار.

وتنص المادة الأولى من القانون، كما أقرت دون تعديل، على أن “تسري أحكام هذا القانون على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى، وكذلك الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، وذلك وفقًا لأحكام القانونين رقم 49 لسنة 1977، و136 لسنة 1981، بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر”.

أما المادة الثانية، التي حظيت بجدل واسع، فقد نصت على أن “تنتهي عقود إيجار الأماكن الخاضعة لأحكام هذا القانون لغرض السكنى بانقضاء مدة سبع سنوات من تاريخ العمل به، وتنتهي عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى بانقضاء خمس سنوات من تاريخ العمل به، ما لم يتم الاتفاق على الإنهاء قبل ذلك”.

كما وافق المجلس على نص المادة (5) من مشروع قانون الإيجار القديم، والتي تنص على أنه: “اعتبارًا من موعد استحقاق الأجرة الشهرية التالية لتاريخ العمل بهذا القانون، تكون القيمة الإيجارية القانونية للأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى خمسة أمثال القيمة الإيجارية القانونية السارية”. وبذلك، يرتفع الإيجار الشهري القانوني لهذه الوحدات المؤجرة لغير أغراض السكن (مثل العيادات، والمكاتب، والمحال التجارية) إلى خمسة أضعاف القيمة الحالية، ابتداءً من أول شهر يُستحق بعد صدور القانون رسميًا ونشره بالجريدة الرسمية.

وعقب إقرار هذه المواد وقبل الانتهاء من التصويب على كافة مواد القانون، أعلن نواب من أحزاب العدل، والتجمع، والمصري الديمقراطي الاجتماعي انسحابهم من الجلسة العامة، اعتراضًا على ما وصفوه بـ”عدم التوازن في التشريع، وغياب الحماية الاجتماعية للمستأجرين”.

وفي بيان قال النواب المنسحبون وعددهم 24 نائبًا:”انطلاقًا من مسؤوليتنا الوطنية والدستورية، ووفاءً بالقسم الذي أقسمناه لحماية مصالح الشعب ورعاية حقوقه، بذلنا منذ اللحظة الأولى كل جهد مخلص في مناقشات مشروع القانون، سواء في اللجان النوعية أو تحت قبة البرلمان، بهدف تقديم تشريع عادل يحفظ حقوق الملاك دون الإضرار بحقوق المستأجرين”.

وأضاف البيان أن النواب سعوا إلى استثناء المستأجر الأصلي وأسرته من إنهاء العلاقة الإيجارية، حفاظًا على الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي، وقدموا العديد من البدائل والمقترحات المتوازنة، غير أن الحكومة رفضت التجاوب، وأصرت على تمرير المادة الثانية بصيغتها الراهنة، ما اعتبره النواب “تجاهلًا متعمدًا للاعتبارات الاجتماعية والإنسانية”.

 

نوصي للقراءة: أحلام الإسكان الاجتماعي في مصر: وحدات لا تُسلَّم وأموال لا تعود

القانون يهدد استقرار المجتمع

أثار مشروع قانون الإيجار القديم موجة واسعة من الغضب والاستنكار خلال الأسابيع الأخيرة، في ظل تحذيرات من آثاره الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة على ملايين المواطنين. وطالبت عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية، بتعديل مواد القانون بما يضمن العدالة ويحمي الأسر المستقرة منذ عقود في وحدات خاضعة لهذا النظام.

وفي ذروة هذا الجدل، ألقت قوات الأمن القبض على المحامي أيمن عصام، من محافظة الإسكندرية، أثناء توجهه لحضور اجتماع تأسيسي لـ”رابطة مستأجري الإيجار القديم”. وظهر عصام مساء يوم 21 يونيو، بعد يومين من اختفائه، أمام نيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة الجديدة.

وفي جلستها المنعقدة يوم الإثنين 30 يونيو، قررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه لمدة 15 يومًا على ذمة القضية رقم 4881 لسنة 2025، بحسب ما أفاد به محامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أحد أعضاء هيئة الدفاع عنه.

وكان عصام، المحامي بالنقض والمستشار القانوني لرابطة مستأجري الإيجار القديم، قد شارك مع عدد من ممثلي المستأجرين في جلسات الحوار المجتمعي التي نظمها مجلس النواب لمناقشة مشروع القانون، حيث أعلن رفضه لصيغة المشروع الحالية، وطالب بحذف المادة الخاصة بتحرير العلاقة الإيجارية بعد فترة انتقالية، والاكتفاء بزيادة القيمة الإيجارية فقط، بما يتسق مع أحكام المحكمة الدستورية ولا يؤدي إلى طرد غير مباشر للمستأجرين.

وفي تطور لاحق، أخلت نيابة أمن الدولة العليا، اليوم 2 يوليو، سبيل المحامي أيمن عصام، بعد عشرة أيام من توقيفه.

من جهته، ينتقد الباحث في سياسات الإسكان والعمران يحيى شوكت إقرار مشروع قانون الإيجار القديم من البرلمان، واصفًا إياه بأنه “غير عادل للسكان”، ومحذرًا من أنه “سيفضي إلى أزمة سكن جديدة تهدد مئات الآلاف من الأسر خلال السنوات القليلة المقبلة”، وهي المخاوف التي سبق أن عبّرت عنها أحزاب معارضة ومنظمات حقوقية وخبراء مستقلون.

ويوضح شوكت في حديثه لزاوية ثالثة، أن القانون “تجاوز حكم المحكمة الدستورية العليا الذي أقر بجواز رفع القيمة الإيجارية بشكل تدريجي دون أن يمس حق السكان في الاستقرار”، مضيفًا أن المشروع الحالي “يقترح حلولًا غير واقعية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، تقوم على إخلاء وتهجير المستأجرين إلى مساكن بديلة قد لا تناسب قدراتهم المادية أو احتياجاتهم النفسية، بما يحمل في طياته خطر التشريد والإفقار”.

ويضيف أن الأفضل كان الوصول إلى “حل مربح للطرفين”، يقوم على توجيه مخصصات بناء المساكن البديلة لدعم الإيجارات الأعلى لغير القادرين، بما يضمن الحفاظ على مساكنهم ودفع مقابل عادل للملاك، وهو ما طالب به كثير من المالكين أنفسهم.

كما يحذر شوكت من التأثيرات الأوسع للقانون، مشيرًا إلى أنه “سيفضي إلى زعزعة آلاف الأنشطة التجارية والاجتماعية الصغيرة”، ما سينعكس على إعادة تشكيل التركيبة الاجتماعية لعدد كبير من الأحياء داخل المدن، وقد يؤدي – بحسب قوله – إلى “اندثار نسبة غير قليلة من هذه الأنشطة الصغيرة التي تُعد عصب الحياة في الأحياء الشعبية والقديمة”.

 

نوصي للقراءة: مشروع تعديل قانون الإيجار القديم يهدد 6 ملايين مواطن بالإخلاء


قانون الإيجار القديم يهدد الخدمة الصحية 

رغم أن القانون يمنح فترة انتقالية تمتد لخمس سنوات قبل إنهاء عقود الإيجار للوحدات غير السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين، يرى العديد من الأطباء والصيادلة أن هذه المهلة غير كافية، مؤكدين أن تطبيق القانون بصيغته الحالية قد يُفضي إلى إغلاق آلاف العيادات والصيدليات المنتشرة في مختلف أنحاء الجمهورية، خاصة في المناطق الشعبية والتجارية القديمة، دون تقديم بدائل مناسبة أو ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة الصحية للمواطنين.

وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعد الجدل حول مواد مشروع القانون، وتحديدًا ما يتعلق بتأثيره على المنشآت الخدمية، حيث عبّر مهنيون صحيون عن خشيتهم من أن يؤدي الإخلاء المرتقب إلى زعزعة استقرار مراكز طبية تعمل منذ عقود، وتربطها علاقة ثقة طويلة بالمجتمعات المحلية التي تعتمد عليها في الحصول على خدمات الرعاية الأساسية.

وكان الدكتور أسامة عبد الحي، نقيب الأطباء ورئيس اتحاد نقابات المهن الطبية – الذي يضم الأطباء البشريين، وأطباء الأسنان، والصيادلة، والأطباء البيطريين – قد وجّه خطابًا رسميًا إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، أعلن فيه التحفظ الكامل على مشروع قانون الإيجار القديم المُقدَّم من الحكومة، لا سيما فيما يتعلق بالأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكن، مثل العيادات الطبية والصيدليات.

وأوضح عبد الحي أن المادة الثانية من مشروع القانون – التي تنص على إنهاء عقود الإيجار بعد خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون –  تمثل خطرًا مباشرًا على استقرار القطاع الصحي، لا سيما في المناطق الشعبية والقرى، حيث تعتمد شريحة واسعة من المواطنين على تلك العيادات والصيدليات لتلقّي خدماتهم الصحية.

وأشار في خطابه إلى أن نقل العيادة أو الصيدلية إلى مقر جديد يتطلب إجراءات تراخيص طويلة ومعقدة، فضلًا عن كونه عبئًا ماديًا ونفسيًا على الأطباء والصيادلة، وقد يؤدي إلى فقدان الثقة التي بنوها مع مرضاهم عبر سنوات.

كما عبّر عبد الحي عن رفض النقابة واتحاد المهن الطبية” للمادة الخامسة، التي تنص على زيادة القيمة الإيجارية إلى خمسة أضعاف القيمة الحالية، مشيرًا إلى أن هذه الوحدات خضعت بالفعل لسلسلة من الزيادات القانونية السابقة، من بينها ما نص عليه القانون رقم 6 لسنة 1997، على خلاف الوحدات السكنية.

وأكد أن تطبيق هذه الزيادة سيؤدي حتمًا إلى إغلاق آلاف العيادات والصيدليات، خاصة في المناطق الريفية والعشوائية، أو اضطرار الأطباء إلى رفع أسعار الكشف الطبي، ما يعني تحميل المريض أعباء إضافية في ظل أوضاع اقتصادية خانقة.

وفي إشارة إلى حجم التأثير المحتمل، كشف عبد الحي أن هناك نحو 21 ألف عيادة مؤجرة من إجمالي 99 ألفًا، ونحو 30 ألف صيدلية مؤجرة من أصل 90 ألف صيدلية على مستوى الجمهورية. كما تحفظ الاتحاد على المادة السادسة التي تنص على زيادة سنوية بنسبة 15% من آخر قيمة إيجارية، مطالبًا بالاكتفاء بالنسبة المنصوص عليها حاليًا في القانون، وهي 10% فقط.

واختتم عبد الحي خطابه بالتشديد على رفض النقابة والاتحاد للمشروع بصيغته الحالية، مؤكدًا أن حكم المحكمة الدستورية الذي استند إليه المشروع اقتصر فقط على عدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية للوحدات السكنية، دون أن يمتد إلى الأماكن غير السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين.

  في السياق، يقول الدكتور محمد بدوي، طبيب الأسنان وعضو مجلس نقابة أطباء الأسنان سابقًا، إن قانون الإيجار القديم يُعد من الملفات شديدة التعقيد، ولا يمكن النظر إليه فقط من زاوية انخفاض القيمة الإيجارية الحالية، دون مراجعة الشروط التي تم التعاقد بموجبها سابقًا، خاصة خلال فترات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات.

ويوضح بدوي في حديثه لزاوية ثالثة، أن العديد من الأطباء دفعوا في ذلك الوقت مبالغ كبيرة مقابل “خلو الرجل”، وصلت في بعض الأحيان إلى ما يفوق قيمة شراء وحدة سكنية في مناطق حديثة مثل مدينة نصر آنذاك. وأضاف: “كان فتح عيادة في وسط البلد مثلاً يتطلب دفع خلو يُعادل أو يزيد عن شراء شقة كاملة في منطقة جديدة، وبالتالي يمكن القول إن المستأجرين قد سددوا فعليًا ثمن الوحدة، بينما يُعد الإيجار بمثابة بدل رمزي للصيانة فقط”.

ويشير إلى أن معظم المستأجرين اليوم، خصوصًا الأطباء، هم من يتحملون تكلفة الصيانة كاملة، دون مساهمة من المالك، ما يطرح تساؤلات حول عدالة مضاعفة القيمة الإيجارية في ظل هذه الأعباء. ويؤكد أن تحريك القيمة الإيجارية بشكل مفاجئ وكبير سيؤثر سلبًا على الخدمات الطبية، خاصة في العيادات الموجودة في المناطق الشعبية، حيث تنخفض أسعار الكشف لتتناسب مع القدرة الاقتصادية للمواطنين. وقال: “ارتفاع الإيجارات سيضطر الأطباء إلى رفع أسعار الكشوفات والخدمات الطبية، ما سيضر بالمرضى من محدودي الدخل، لا سيما في المناطق التي لا تزال توفر خدمات بأسعار معقولة”.

كما يحذر عضو مجلس نقابة أطباء الأسنان سابقًا، من أن تطبيق الإخلاء بعد خمس سنوات، وفقًا للتعديل الجديد، سيهدد استقرار العيادات والمنشآت الصحية، مشيرًا إلى أن تأسيس منشأة طبية يتطلب استثمارات ضخمة وتجهيزات مكلفة، وتحتاج إلى فترة طويلة لتحقيق العائد منها.

ويضيف أن قانون المنشآت الطبية يمنح استثناء فقط للعيادات والمنشآت الصحية القائمة في المباني غير الإدارية أو التجارية، وبالتالي فإن فقدان العقود القديمة سيُعرض هذه المنشآت لخطر فقدان تراخيصها، خاصة في الأحياء القديمة التي تندر فيها العقارات المؤهلة للحصول على تراخيص جديدة.

ويختتم قائلاً: “إما أن يقبل الطبيب رفعًا مبالغًا فيه من المالك، أو يضطر للانتقال إلى مكان آخر، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل الشروط الجديدة، وغياب البدائل المناسبة في المناطق القديمة. كثير من المنشآت الطبية لن تتمكن من الاستمرار أو تجديد تراخيصها، وهذا يشكل خطرًا على المنظومة الصحية برمتها”.    

 

نوصي للقراءة: سكان العمرانية يواجهون قرارات إزالة دون إخطار رسمي أو بدائل سكنية

الفقراء يدفعون الثمن   

تنص المادة 18 من الدستور المصري على أنه:”لكل مواطن الحق فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل……وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون.”

من جهته، يرى محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، أن مشروع قانون الإيجار القديم يشكل “قنبلة موقوتة” قد تنفجر في وجه الجميع، لما يمثله من تهديد مباشر للسلم الاجتماعي، خاصة في ما يتعلق باستقرار منظومة الرعاية الصحية الأولية في المناطق الشعبية والفقيرة.

يقول فؤاد في تصريح إلى زاوية ثالثة، إن العيادات الطبية والصيدليات في هذه المناطق تمثل الملاذ الأول للمواطنين محدودي الدخل، الذين يعتمدون على قرب المكان وبناء الثقة مع الطبيب أو الصيدلي، وهو ما سيكون مهددًا تمامًا حال تطبيق القانون بصيغته الحالية.

ويوضح أن المادة الثانية من مشروع القانون، التي تنص على انتهاء عقود الإيجار بعد خمس سنوات لغير السكني، تعني عمليًا إغلاق آلاف الصيدليات والعيادات الصغيرة، متسائلًا: “كيف نغلق صيدليات بسيطة في أحياء فقيرة وهي تُعد منافذ صحية حيوية؟”

ويضيف أن مصر تضم نحو 88 ألف صيدلية، تعاني نسبة كبيرة منها من ركود اقتصادي حاد منذ عام 2020، نتيجة لتراجع إنفاق المواطنين على الصحة والدواء، مشيرًا إلى أن “الكثير من الصيدليات لم تعد قادرة على تغطية رواتب العاملين، وبعضها أُجبر على الإغلاق بالفعل”.

ويؤكد فؤاد أن الصيدليات في المناطق الشعبية تقدم خدمات دوائية أساسية، ويلجأ إليها المواطنون ممن لا يملكون تكلفة الكشف الطبي، مضيفًا: “هذه الثقة بين الصيدلي والمريض هي ما يضمن للمواطن حقه في الرعاية، وإذا أُجبر الصيدلي على ترك موقعه بسبب ارتفاع الإيجار، فلن يجد المواطن الدواء ولا من يرشد إليه”.

ويلفت المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء إلى أن نقل صيدلية أو منشأة صحية ليس أمرًا بسيطًا، بل يخضع لإجراءات تنظيمية معقدة، مشددًا على أن تطبيق القانون بهذا الشكل “سيدفع كثيرًا من الصيدليات إلى مغادرة أماكنها، ما يُضعف قدرة المواطنين على الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية”.

ويختتم فؤاد تصريحه بالقول:”القانون بهذا الشكل لا يضر فقط أصحاب العيادات والصيدليات، بل هو تعسف مباشر ضد المواطنين ويُقوّض حقهم في الحصول على الرعاية الصحية بسهولة وكُلفة مناسبة. إنه تهديد حقيقي للأمن الصحي في البلاد”.

أقر البرلمان المصري مشروع قانون الإيجار القديم ولم يُعدل سوى المادة الثامنة فقط، رغم تحذيرات نقابات مهنية، وأحزاب معارضة ومنظمات حقوقية وخبراء في العمران، الذين شددوا على ضرورة الوصول إلى حلول تراعي الطرفين المالك والمستأجر، ليصل القانون إلى محطته الأخيرة وينتظر القانون تصديق رئيس الجمهورية حتى يدخل حيز التنفيذ رسميًا. 

ورغم أن الحكومة – التي تقدمت بمشروع القانون ودافعت عنه – تقول إن القانون يسعى لتحقيق “التوازن”، فإن الواقع يشي بأن الكفة قد رُجّحت لصالح فئة بعينها، دون تمكين حقيقي للفئات المتضررة أو توفير بدائل. 

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search