قبل عامين التحق مايكل سمير (اسم مستعار)، ببرنامج العلاج من الإدمان في وحدة خفض الضرر بمستشفى الطب النفسي في العباسية، ليتمكن من التعافي من إدمان مخدر الهيروين ويستطيع ممارسة حياته الطبيعية وأداء مهامه الوظيفة، بعد رحلة معاناة طويلة ومحاولات مضنية للتعافي من الإدمان منذ عام 2008، وكآلاف غيره من الملتحقين بالبرنامج، قام بالتوقيع على موافقته على تناول عقار “ميثادون”، أحد بدائل الأفيون المستخدمة في علاج إدمان الهيروين والمورفين بمصر، والذي ساعده على التخلص من الأعراض الجسدية والنفسية للانسحاب من إدمان المخدرات، وكانت جرعات الدواء اليومية أو المنزلية، تصرف له من المستشفى، وفق نسب محسوبة بدقة، طبقًا لاحتياجات الجسم ومؤشراته الحيوية ومدة التحاقه بالبرنامج.
وفي مطلع أبريل المنقضي تفاجئ هو والمرضى الملتحقين بوحدة خفض الضرر في مستشفى العباسية، بإبلاغهم بقرار وقف صرف دواء “ميثادون” المستورد لهم، وأنه سيتم استبداله بالميثادون المصري، والذي قيل لهم أنه دواء جديد من إنتاج شركة إيبيكو للأدوية، ولم يسمعوا به من قبل، ولا يعرفون ما هي التركيبة الدوائية الخاصة به، ثم تفاجئوا بخفض الجرعات الدوائية الخاصة بهم بشكل كبير وبطريقة غير علمية، مما جعلهم يقعون فريسة لأعراض الانسحاب الشديدة التي تهدد حياة مريض الإدمان نتيجة انخفاض المؤشرات الحيوية للجسم وتجعله عرضة للانتحار، بحسب ما يحكي مايكل.
يقول إلى زاوية ثالثة: “كنت أحصل على جرعة منزلية يومية قدرها 11 سم من دواء ميثادون المستورد المعترف به عالميًا، ثم وجدت نفسي مضطرًا لأخذ الدواء المصري المسمي “ميثادينثي” الذي لا أعرف إذا كان قد خضع لتجارب سريرية كافية، ثم تفاجئت بخفض جرعتي منه إلى 8 سم يوميًا، ولم أشعر بتأثير لدرجة أنني تناولت جرعتين في يوم واحد، ثم أخذوا يخفضون الجرعات الدوائية بشكل يومي حتى وصلت جرعتي إلى 2 سم، وأجبروني على الحضور بشكل يومي إلى مستشفى العباسية لأخذ جرعتي، بينما أنا مقيم في مدينة 6 أكتوبر، فعانيت من أعراض إنسحاب شديدة تمثلت في ضيق التنفس والصداع الشديد والآلام في الجسم، والبكاء وانخفاض ضغط الدم”.
تحت ضغط أعراض الانسحاب، وقع مايكل في لحظة انتكاسة، تعاطى فيها المخدر مرة واحدة. ورغم ذلك، يقول إنه لم يشعر بأي أثر يُذكر أو حالة “نشوة” كما في السابق. لكن ما يقلقه أكثر أن معظم زملائه في برنامج خفض الضرر بمحافظة القاهرة عادوا أيضًا لتعاطي المخدرات، ما تسبب لهم في أزمات عائلية واجتماعية، وصلت إلى حد الطلاق، القطيعة مع الأهل، الفصل من العمل، أو التورط في سلوكيات عنيفة وجرائم، وفق روايته. وتداول الملتحقون بالبرنامج أنباء عن حالات وفاة بسبب أعراض الانسحاب بعد وقف صرف الميثادون المستورد، دون تأكيد رسمي.
مايكل يروي لـ”زاوية ثالثة” أن الاعتصام الذي نظمه مع زملائه داخل المستشفى للمطالبة بحل الأزمة، قوبل بتهديدات صريحة من موظفين وعميد شرطة أُحضر إليهم، لإجبارهم على التراجع.
وفي خضم الأزمة، تفاجأ المشاركون في البرنامج بخضوعهم لتحاليل مخدرات مفاجئة. كل من ظهرت نتيجته إيجابية جرى فصله فورًا من البرنامج، دون النظر إلى ظروف الانسحاب أو أسباب الانتكاسة. لاحقًا، وتحديدًا مطلع مايو الجاري، أُعيد قبول المفصولين بعد إبلاغهم بأن وزارة الصحة وفرت شحنة جديدة من دواء الميثادون على نفقتها، لكن بجرعات منخفضة تراوحت بين 1 و3 سنتيجرام يوميًا، وهي كميات، بحسب المرضى، لم تكن كافية لتخفيف أعراض الانسحاب الجسدية والنفسية القاسية التي استمرت معهم.
طُوّر عقار الميثادون في ألمانيا أواخر ثلاثينيات القرن الماضي على يد العالِمين غوستاف إيرهارت وماكس بوكمول، واعتمد لاحقًا في الولايات المتحدة عام 1947 كمسكن للألم. ومنذ ستينيات القرن العشرين، أصبح يُستخدم بشكل واسع في برامج علاج الإدمان، خاصة لعلاج اضطراب تعاطي المواد الأفيونية (Opioid Use Disorder).
ويُدرج الميثادون ضمن قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، لما له من دور فعّال في تخفيف أعراض الانسحاب الناتجة عن التوقف المفاجئ عن المواد الأفيونية، سواء كعلاج داعم طويل الأمد أو لتيسير مرحلة الانسحاب في الفترات القصيرة. ويُخضع استخدامه في حالات الإدمان لرقابة طبية صارمة في معظم دول العالم، نظرًا لحساسيته وتأثيره المباشر على النظام العصبي.
وفي مراجعة ع��مية أعدتها مؤسسة “كوكرين” عام 2009، وُجد أن الميثادون يُعد من أكثر العلاجات فعالية في تثبيت المرضى داخل برامج العلاج، كما يسهم في تقليل – أو إيقاف – تعاطي الهيروين على المدى الطويل.
نوصي للقراءة: تحليل المخدرات: وسيلة للفصل التعسفي ومأساة الموظفين في مصر
مافيا السوق السوداء لـ”الميثادون”
بعد 25 عامًا من الإدمان ومحاولات متكررة للعلاج، التحق هاني محمد (اسم مستعار) في عام 2013 ببرنامج خفض الضرر بمستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية (المعروف باسم “المطار”)، بهدف التعافي من إدمان الهيروين. تلقى العلاج عبر بدائل أفيونية مثل “الميثادون” و”البوبرينورفين”، تحت إشراف طبي، ما ساعده على تقليل أعراض الانسحاب واستعادة استقراره العائلي والمهني.
لكن في شتاء العام الماضي، اكتشف هاني أن العقار العلاجي نفسه بدأ يتحول إلى سلعة في سوق سوداء، تُدار عبر بعض المرضى داخل وحدات خفض الضرر. وأوضح لـ”زاوية ثالثة” أن عدداً من هؤلاء المرضى يبيعون جرعات الدواء المخصصة لهم إلى متعاطين آخرين، وأن كميات من الميثادون ظهرت داخل أوكار معروفة لبيع المخدرات (المعروفة شعبيًا بـ”الدواليب”) في منطقتي عين شمس وإمبابة.
تفاقمت المفارقة حين حاول صديق له، مهدد بفقدان أحد أطرافه بسبب تعاطي الهيروين، الالتحاق بالبرنامج ذاته، لكنه ظل عالقًا على قوائم الانتظار، ما اضطره إلى اللجوء إلى السوق السوداء لشراء الميثادون. خلال تلك الفترة، يقول هاني إنه اكتشف أن أحد زملائه في وحدة خفض الضرر يبيع حصته من الدواء، وقد باع جرعة قدرها 50 سم للصديق مقابل 3500 جنيه.
هاني أبلغ الطبيب المعالج — الذي يشغل منصبًا إداريًا في المستشفى — عن الواقعة، وقدم له معلومات تفصيلية عن الصفقة التي شاهدها بعينه، لكن الطبيب تجاهل البلاغ، واتهمه باختلاق القصة لأسباب شخصية، رغم أن جرعة الميثادون موضوع البلاغ كانت معروضة للبيع داخل المستشفى، بحسب روايته.
يقول هاني لـ”زاوية ثالثة” إنه لاحظ خلال الشتاء الماضي تضاعف أعداد الملتحقين ببرنامج خفض الضرر في مستشفى المطار، إذ ارتفع عدد المشاركين من نحو 200 شخص إلى ما بين 700 و800، بينهم عدد كبير من أصحاب السوابق الجنائية، وبعضهم — بحسب روايته — كان يبيع كامل جرعته أو نصفها إلى تجار المخدرات.
ويضيف أن سعر السنتيمتر الواحد من دواء الميثادون في السوق السوداء، خلال تلك الفترة، كان يتراوح بين 100 و200 جنيه. ويعتقد أن التوسع المفاجئ في عدد المرضى صاحبه تساهل غير معتاد في شروط القبول، إذ سُمح للعديد من المرضى الجدد بالالتحاق بالبرنامج دون المرور بنفس الفحوصات والتحاليل الطبية الصارمة التي خضع لها هو وزملاؤه القدامى عند انضمامهم.
يتابع هاني:
“في العادة لا تسمح المستشفى بصرف أكثر من 35 سم من الميثادون كمجموع للجرعات المجمعة. وبما أن جرعتي اليومية كانت 10 سم، حددها الأطباء وفقًا لحالتي، فقد كان مسموحًا لي فقط بالحصول على دواء يكفيني لأربعة أيام كحد أقصى. كنت أضطر للحضور في اليوم الرابع، مما تسبب لي في خسارة فرص عمل. وحين تعذر حضوري، كنت أشتري من السوق السوداء. في أحد الأيام، رأيت ممرضة تحمل وصفات طبية تكفي مرضى لمدد تصل إلى شهر أو 40 يومًا. لاحقًا، أخبرني زميل في البرنامج أن قريبته التي تعمل في المستشفى يمكنها تدبير كميات إضافية لي، مقابل الدفع”.
ويعتقد هاني أن هناك شبكة فساد داخل عدد من مستشفيات الصحة النفسية في القاهرة، متورطة في تهريب كميات من الميثادون خارج النظام الرسمي. ووفق شهادته، فقد سهل بعض العاملين في تلك المستشفيات التحاق أشخاص من مصحات خاصة غير مرخصة — بعضهم مسجل خطر في قضايا مخدرات ويواصل بيع “الكريستال” — ببرنامج خفض الضرر، بهدف الحصول على جرعات الدواء وإعادة بيعها لتلك المصحات مقابل أجر.
ويزعم هاني أن مسؤولين — لم يسمّهم — استغلوا مواقعهم للحصول على كميات كبيرة من الدواء لصالح مستشفيات خاصة لعلاج الإدمان يملكونها أو يديرونها، دون أي رقابة طبية أو محاسبة قانونية.
في ثاني أيام عيد الفطر الماضي، فوجئ هاني وزملاؤه في وحدة خفض الضرر بمستشفى المطار بوقف صرف حصصهم من دواء الميثادون. أُبلغوا أن الكميات المتوفرة في المخازن انتهت صلاحيتها، دون أن يتم الإعلان مسبقًا عن ذلك. يقول هاني لـ”زاوية ثالثة”: “كان أمرًا غريبًا، أن يُكتشف فجأة انتهاء صلاحية دواء حيوي مثل هذا. طلبنا صرفه على مسؤوليتنا الشخصية، لأن انتهاء الصلاحية لا يعني فساد الدواء، بل انخفاض فعاليته فقط. لكن الأطباء رفضوا بشكل قاطع”.
بدلاً من الميثادون، طُبّق بروتوكول علاجي بديل بشكل مفاجئ، تضمن صرف مسكنات “باراسيتامول” ومضادات اكتئاب، ما أدى إلى دخول المرضى — بحسب شهاداتهم — في نوبات انسحاب حادة، وصلت إلى أعراض أقوى من انسحاب المخدرات نفسها، وظهور ميول انتحارية لدى بعضهم. “أحد الموظفين أخبرنا أن نتصرف بأنفسنا لحين انتهاء الأزمة، فاضطر كثيرون للعودة إلى التعاطي”، يضيف هاني.
ويصف أعراض الانسحاب بقوله: “أشعر وكأن الكهرباء تسري في جسدي. أصبحت غير قادر على التحدث، عصبي طوال الوقت، وفكرت مرارًا في الانتحار”. وخلال 20 يومًا من الانقطاع القسري عن الميثادون، فقد هاني وظيفته، وتسبب في حادث مروري، واضطر لبيع جهاز الحاسوب الذي يعتمد عليه في عمله، ودخل في خلافات حادة مع زوجته كادت تنتهي بالطلاق. كما أنفق نحو 20 ألف جنيه على شراء مسكنات خاضعة للرقابة (جدول)، مثل المورفين، من السوق السوداء.
خلال الأزمة، أخبره مرضى آخرون من معارفه في وحدات خفض الضرر عن وقوع حالات وفاة نتيجة التوقف المفاجئ عن الدواء، من دون أن يتم الإعلان عنها رسميًا. ويوضح أن أحد الضحايا كان زميله في وحدة المطار، وتوفي داخل مقر عمله، لكن أسرته فضّلت التكتم على أسباب الوفاة خوفًا من الوصمة الاجتماعية، ولم يصدر أي تعليق من المستشفى حول الحادثة.
بمرور الوقت، لاحظ هاني انخفاض أعداد المرضى في الوحدة، لتقترب من العدد الأصلي قبل الزيادة التي وقعت شتاء العام الماضي. وبعد 20 يومًا من توقف صرف الدواء، أُبلغ مع زملائه بعودة الميثادون المستورد، لكن بجرعات مخفضة للغاية. فبدلًا من حصوله على 10 سم يوميًا كما في السابق، بات يتلقى 1 سم فقط من المحلول الفموي.
يقول هاني إن هذا التخفيض أبقاه في دائرة من أعراض الانسحاب الجسدي المستمرة، محمّلًا سوء الإدارة وشبهات الفساد مسؤولية ما جرى له ولزملائه، ومطالبًا بمحاسبة المتورطين قبل أن تُطوى الأزمة بلا مساءلة.
نوصي للقراءة: الشابو في مصر: تهديد أمني واجتماعي يتفاقم وسط عجز حكومي

شكاوى للأمم المتحدة
في أبريل الماضي، تقدم عدد من المرضى، من بينهم مايكل وهاني، بشكاوى واستغاثات إلى جهات دولية ومحلية، يتهمون فيها غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ووزيرة التضامن الاجتماعي المصرية السابقة، بتضليل المجتمع الدولي بشأن واقع برنامج الميثادون في مصر.
وبحسب ما وثّقته الشكاوى التي حصلت “زاوية ثالثة” على نسخ منها، فإن والي تحدثت في الدورة الـ68 للجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، التي عُقدت في فيينا في 14 مارس 2025، عن “نجاح تجربة الميثادون في مصر”، وذلك قبل أسبوعين فقط من وقف صرف الدواء بشكل مفاجئ، ودون تحذير أو بدائل. وقال المرضى إن تصريحاتها تجاهلت نداءات الاستغاثة والشكاوى التي وردت بالفعل قبل تاريخ الجلسة.
وفي شكوى فردية تقدم بها أحد الملتحقين بالبرنامج إلى مكتب الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة، أوضح أن حياته، وحياة مرضى آخرين، تعرّضت للخطر بسبب تعليق برنامج الميثادون بشكل غير آمن ودون إشراف طبي، رغم أنه يُدار رسميًا بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات. وأشارت الشكوى إلى أن هذا القرار أدى إلى أعراض انسحاب حادة، صدمات نفسية، وزيادة خطر الوفاة.
ووصفت الشكوى ما حدث بأنه قد يرقى إلى “سوء سلوك أو إهمال أو إساءة استخدام للسلطة”، مطالبة بفتح تحقيق أممي مستقل في الواقعة، ومعتبرة أن تصريحات غادة والي العامة ومسؤوليتها المباشرة عن البرنامج قد تضعها في موقع المساءلة.
وفي السياق نفسه، حصلت “زاوية ثالثة” على نسخة من شكوى جماعية رسمية، أُرسلت في 27 أبريل إلى أربع جهات هي: مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR)، مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (UNODC)، منظمة الصحة العالمية الإقليمية لشرق المتوسط، والمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر. حملت الشكوى عنوانًا واضحًا: “الإنهاء المفاجئ لبرنامج علاج الميثادون في مصر ينتهك حقوق الإنسان”.
وقالت الشكوى: “نحن المرضى والعائلات والمدافعون المتضررون من برنامج علاج الميثادون، نقدم هذه الشكوى العاجلة ضد وزارة الصحة المصرية بسبب الإنهاء المفاجئ للبرنامج، وما تبعه من خفض قسري للجرعات، وتحاليل مفاجئة، وفصل تعسفي للمرضى، في غياب أي مبرر طبي أو قانوني. هذه الممارسات تنتهك القانون المصري والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وأخلاقيات مهنة الطب”.
وأضافت الوثيقة أن ما حدث يمثل تناقضًا صارخًا: فبعد أن قدمت مصر البرنامج في مؤتمر فيينا باعتباره تجربة ناجحة، بدأت المستشفيات الحكومية، مثل مستشفى العباسية، في خفض الجرعات دون إشعار مسبق أو تقييم طبي فردي. كما خضع المرضى لاختبارات مخدرات غير معلنة، وتم فصل من جاءت نتائجهم إيجابية، رغم أن بعض النتائج قد تكون ناتجة عن أعراض انسحاب حادة.
واعتبرت الشكوى أن هذا التناقض بين الخطاب الرسمي والممارسة الفعلية، قد يعكس قرارات غير مهنية أو ذات طابع سياسي، تتطلب تحقيقًا عاجلًا على المستوى الدولي.
فيما تواصلت “زاوية ثالثة” مع د. غادة والي، بصفتها المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والمديرة العامة لمكتب الأمم المتحدة في فيينا، وذلك للتعليق على أزمة الميثادون في وحدات خفض الضرر، والرد على الشكاوى التي قدمها بعض المرضى، إلاّ أن المسؤولة الأممية والوزيرة السابقة كانت لا تزال خارج البلاد وقتئذٍ، وأجابت باقتضاب مؤكدة أن برنامج العلاج بالميثادون يتبع وزارة الصحة والسكان في مصر، نافيةً أن يكون المكتب التابع للأمم المتحدة هو المسؤول عن البرنامج وصرف الدواء.
وكان تقرير صادر عن الهيئة العامة للاستعلامات، في مصر، خلال فبراير عام 2024، وزيرة التضامن الاجتماعي عرضًا عامًا لأنشطة الصندوق، بما في ذلك استكمال ومراجعة مسودة الخطة الوطنية لخفض الطلب على المخدرات (2024-2028) بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، لافتًا إلى أن المسح الوطني الشامل حول التعاطي والإدمان إلى انخفاض المعدلات خلال عام 2020 مقارنة بعام 2015.
وطبقًا للأمم المتحدة فإن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ساهم مع وزارة الصحة والسكان المصرية، على إطلاق العلاج بمحفزات الأفيون في مصر، كجزء من المشروع الإقليمي “خدمات الوقاية والعلاج والرعاية لفيروس نقص المناعة البشرية والإيدز في السجون”، الممول من ألمانيا، واتبع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة نهجًا شاملًا لدعم توفير مصر لبرنامج العلاج بالعقاقير (OAT)، بما في ذلك بناء القدرات والتدريب على أحدث أساليب تطبيقه، والنهج الشامل اللازم للكوادر الطبية والاجتماعية المعنية.
نوصي للقراءة: نقص الأدوية النفسية في مصر: صراع يومي من أجل البقاء
علاج الإدمان ببدائل الأفيونات
في 1 مارس 2023، بدء برنامج علاج الإدمان ببدائل الأفيونات (الميثادون) في مصر في مستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية (المطار)، التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، ويحصل المرضى على العلاج اليومي داخل وحدات خفض الضرر بالمستشفى الأقرب لهم، بالتزامن مع التزامهم بحضور الجلسات العلاجية، وخلال عام وصل عدد الوحدات إلى 13 وحدة في 10 محافظات وهي (القاهرة، الإسكندرية، سوهاج، الشرقية، المنيا، أسيوط، القليوبية، الغربية، الدقهلية، دمياط)، وتستعد الوزارة لافتتاح وحدات المرحلة الثانية في محافظات ( الجيزة، بورسعيد، المنوفية ، بني سويف)، وكانت وزارة الصحة والسكان قد أعلنت في يونيو 2024، عن استجابة 700 مريض للبرنامج، وتشير تقديرات غير رسمية إلى وصول أعداد الملتحقين بوحدات خفض الضرر إلى 8000 مريض إدمان.
ويكشف الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، لـ”زاوية ثالثة”، أن هناك نحو 170 ألف مريض إدمان يترددون سنويًا على مستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان الحكومية، البالغ عددها 34 مستشفى من بينها 11 مستشفى تابعة لصندوق مكافحة الإدمان، و 23 مستشفى بعضها تابع لوزارة الصحة والسكان والبعض الآخر يتبع القوات المسلحة، لافتًا إلى أن تلك المعدلات ثابتة إلى حد كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلا أنه خلال الفترة الأخيرة أصبح 40% من مرضى الإدمان المترددين على تلك المستشفيات من مدمني الشابو أو الكريستال ميث والآيس والاستروكس.
فيما يؤكد د. وائل فؤاد، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان والمدير السابق لمستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، أن برنامج العلاج ببدائل الأفيونات (الميثادون)، عالي التكلفة بشكل كبير، ولا يتناسب مع بلد مرهق اقتصاديًا ويعاني مشكلة نواقص الأدوية، مقدرًا تكلفته بملايين الجنيهات، لارتفاع ثمن الدواء بشكل كبير وكونه يتطلب وجود تجهيزات معينة في المستشفيات، معتبرًا أن العلاج بالميثادون يؤدي إلى تربية مدمن، وحين يتوقف المريض عن تناوله يعاني أعراضًا انسحابية، كما أن الإدمان مرض سلوكي قبل أن يكون بيولوجي، ويحتاج إلى برنامج علاجي سلوكي.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “اعتبر أن برنامج العلاج بالميثادون في مصر، وإدخال الأمانة العامة للصحة النفسية دواء آخر لعلاج الفصام يسمى “إنفيجا”، يبلغ سعر الامبول الواحد منه 4 آلاف جنيه، يمثل هدرًا للموارد يجب تجريمه، وبدلًا من تركيب أجهزة تكييف في مستشفى الخانكة، حين كنت مديرًا لها، فقد تم تجهيز وحدة خفض الضرر ولها مواصفات معينة، وبها سرير عناية مركزة، ولم يؤخذ رأينا كمختصين تنفيذيين، وحتى لو كان الميثادون منحة أجنبية فإنها لن تستمر للأبد، وقد نجحت الشركة الأجنبية المنتجة للدواء في خلق حاجة إليه في السوق المصري، وصنع مدمنين للمادة الفعالة، وكانت تقدم إغراءات للأطباء النفسيين وعُرضت علينا منحة تدريبية في فرنسا، وطلب مني مندوب الشركة الأوروبية خطاب توصية بالدواء ورفضت ذلك، وعقب ذلك جاءت لنا توجيهات بالتشجيع على العلاج بالميثادون والترويج له”.
ويضيف: “خلال شهر أبريل الماضي واجهت وحدات خفض الضرر في مستشفيات الصحة النفسية أزمة نقص شديد في الميثادون، عقب اكتشاف أن هناك 15 ألف عبوة ميثادون كانت في المخازن التابعة لوزارة الصحة، قد انتهت صلاحيتها، وواجه المرضى أعراض انسحاب عنيفة تشبه أعراض الانسحاب من الهيروين، وقيل إن هناك حالات وفاة حدثت نتيجة لذلك، لكن لم أستطع التأكد”، مبينًا أن الميثادون يجب ألاّ يستخدم سوى على نطاق ضيق لفترة محدودة ولفئة مرضى الإدمان الذين يعانون من أعراض انسحابية شديدة، وهم في الوقت نفسه قادرين على شرائه، بينما برنامج العلاج ببدائل الأفيونات في مصر كان مبنيًا على الاستمرار في تناول الميثادون ولم يكن مبنيًا على أي ديتوكس لإزالة السموم والفضلات من الجسم.
ويلف المدير السابق للخانكة أنه من المفترض بروتوكوليًا ألا يحصل المريض على جرعات الميثادون دون إشراف طبي، وألا يأخذ الجرعات معه إلى البيت، إلاّ أنه حين اكتشفت الأمانة العامة للصحة النفسية وجود كم هائل من عبوات الدواء التي شارفت صلاحيتها على الانتهاء، فقد لجأ بعض المسؤولين إلى توزيع جرعات كبيرة من الميثادون على المرضى ذوي السلوك الإدماني لتقليل حجم العبوات التي سيتم هدرها، مما أدى إلى ضخ مخدرات أفيونية وبيع كميات منها إلى بائعي المخدرات، قبيل الأزمة.
وتظهر المعلومات أن هناك أسماءًا تجارية للميثادون، أبرزها: ميثادوز، دولوفين، ميثادون هيدروكلوريد إنتنسول (المملكة المتحدة)، ديسكيت (المملكة المتحدة)، وتعد Macarthys Lab T/A Martindale Phar إحدى الشركات المصنعة لخليط الميثادون (DTF)، ويقع مقرها في بريطانيا، وهناك شركة Hikma Pharmaceuticals (الأردن/الولايات المتحدة)، Mallinckrodt Pharmaceuticals (أيرلندا/الولايات المتحدة)، وشركة Mylan Institutional (الولايات المتحدة)، وشركة SpecGx LLC التابعة لـMallinckrodt (أيرلندا/الولايات المتحدة)، Roxane Laboratories (الولايات المتحدة).
وطبقًا لموقع Drugs.com، فإن تكلفة أقراص الميثادون الفموية بتركيز 10 ملغ حوالي 17 دولارًا أمريكيًا لوصفة تحتوي على 100 قرص، والأقراص الفموية بتركيز 5 ملغ أقراص فتبدأ من 14.78 دولارًا أمريكيًا لعبوة بها 100 قرص، أما تركيز الـ10 ملغ فيبلغ سعره نحو 16.88 دولارًا أمريكيًا لكل 100 قرص، أما محلول حقن الميثادون بتركيز 10 ملغ/مل، فيبدأ سعره من 143.03 دولارًا أمريكيًا لكل 20 مليلترًا، بينما تبدأ أسعار مركز ميثادون فموي، تركيز 10 ملغ/مل من 17.87 دولارًا أمريكيًا لـ 30 مليلترًا، وسعر محلول ميثادون فموي تركيز 5 ملغ/5 مل نحو 13.59 دولارًا أمريكيًا لـ 150 مليلترًا، ونحو 58.35 دولارًا أمريكيًا لعبوة 500 مليلتر.
نوصي للقراءة: من الاحتراق الوظيفي إلى الهجرة.. لماذا يترك الأطباء النفسيون مصر؟

استبدال المخدرات وإدمان الميثادون
من جهته يرى د. جمال فرويز، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، أن الإدمان مرض سلوكي مزمن ومرتد وقد يصبح قاتلًا، لذا فإنه من الخطأ الاعتماد على العلاج الدوائي وحجز المريض في مصحة لأكثر من أسبوعين؛ إذ يستغرق خروج المادة من الجسم مدة تتراوح بين 7 إلى 14 يوم، ويقتصر دور الأدوية على المساعدة على النوم وتحسين الحالة المزاجية ومنع النوبات التشنجية والحد من التوتر والقلق، موضحًا أن هناك 4 أنواع من الشخصيات يمكن أن تتجه بطبيعتها إلى الإدمان، وهي: السيكوباتية، الحدية، العصابية (الاكتئابية التوترية)، والسلبية الاعتمادية، وتختلف طريقة العلاج وفقًا للشخصية، وتزداد صعوبة علاج الشخصية السيكوباتية مقارنة بباقي الشخصيات، مؤكدًا أن العلاج النفسي هو الحلقة الأهم في علاج مريض الإدمان، ويستغرق عدة أشهر، وليس بالضرورة أن يحتجز المريض في مصحة، بل يمكن الاكتفاء بحضور الجلسات العلاجية وأخذ الأدوية بالمنزل.
ويعتبر فيروز أن استخدام الميثادون في علاج الإدمان، أثبت فشله كما فشل قبله العلاج بما عُرف بالثلاث حبات، مؤكدًا أنه بات يستقبل في عيادته مرضى أدمنوا دواء الميثادون الذي تناولوه للتخلص من إدمان الهيروين، رغم خلو الروشتة الخاصة به على أنه لا يسبب الإدمان، إلا أن المرضى يحدث لهم تعود إدماني للمادة الفعالة، لكون الدواء يحاول تعويض هرمون الإندورفين في المخ، – وهو مادة كيميائية تُفرز من الغدة النخامية وغدة ما تحت المهاد، وناقل عصبي ينقل الإشارات العصبية للدماغ والجهاز العصبي أيضًا، ويساعد في تسكين الألم والشعور بالراحة، مشيرًا إلى أن أعراض الإنسحاب من الميثادون تتضمن الصداع والآلام الجسدية واضطرابات الأكل والنوم والهياج والتوترية العالية والنوبات الاكتئابية، ويصاب من كان لهم تاريخ في أعراض انسحاب الهيروين بتشنجات صرعية وصداع شديد.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “حتى وقتٍ قريب كانت هناك صيدليات معينة تشتري دواء الميثادون المستورد من الخارج، وتبيعه إلى المرضى، ومع إحكام الرقابة عليها، لم يعد الدواء متوفرًا بها، إلا أنه تسرب إلى منافذ غير شرعية لا علاقة لها بالقطاع الطبي والدوائي، وهذا الدواء كان يستخدم في عدد من دول العالم المتقدمة إلا أنه أثبت فشله بمرور الوقت؛ فتوقف بعض الولايات الأمريكية عن إعطاءه لمرضى الإدمان، وكذلك فعلت كندا وسويسرا والدنمارك وهولندا وفنلندا، ولجأت إما للإحكام القانوني أو ترك الحرية للمدمنين في التعاطي أو العلاج”، مؤكدًا أن الميثادون علاج كاذب يؤخر فقط أعراض انسحاب الهيروين.
نوصي للقراءة: الصحة النفسية للعمال المصريين: 32 مادة للسلامة البدنية وصفر للنفسية
تغييرات إدارية بالأمانة
يُبيّن محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، وعضو مجلس الإدارة السابق بمستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، لـ”زاوية ثالثة”، أنه تلقى شكوى تزعم وقوع حالتي وفاة لاثنان من مرضى الإدمان في إحدى وحدات خفض الضرر، نتيجة وقف صرف “الميثادون” لهم، وهو دواء أفيوني اصطناعي يستخدم لعلاج الألم الشديد وعلاج إدمان المواد الأفيونية مثل: الهيروين، يعمل عن طريق تثبيط مستقبلات الألم وتقليل الرغبة في المخدر، وهو الأمر الذي لم تعلن عنه المستشفى، كما لم يُقدم صاحب الشكوى دليلًا ملموسًا يؤكد صحة وقوع حالتي الوفاة، ورغم حصول زاوية ثالثة”، على شهادات لمرضى ملتحقين بوحدات خفض الضرر، بمستشفيات الصحة النفسية في محافظة القاهرة، بشأن وقوع ضحايا للسحب غير الآمن لدواء “الميثادون”، إلاّ أننا لم نتمكن من إثبات صحة تلك الشهادات المتعلقة بوقوع وفيات، كما لم نرصد تقدم أيًا من ذوي مرضى الإدمان بشكاوى تتعلق بوفاة أيًا منهم نتيجة وقف صرف الدواء.
يقول لـ”زاوية ثالثة”: “أدخلت الوزيرة السابقة غادة والي “الميثادون” إلى مصر، كمنحة مجانية، ثم تحول الأمر إلى استيراده من إحدى شركات الأدوية الدولية، التي طلبت من الحكومة المصرية بيعه لصالحها، كما تفعل عادة الشركات الدولية، على أن يستمر ذلك طوال مدة التعاقد لسنة كاملة، وعقب ذلك يفترض أن تُطرح العلامة التجارية الخاصة بها في بلد التعاقد، والالتزام بقانون التسجيل بها، ولكون القانون المصري يلزم الشركات بالالتزام بتسعيرة محددة، وهذا الأمر يقلق الشركات، وعلمت من خلال دائرة معارفي في إدارات مستشفيات الصحة النفسية أنه ليس فقط دواء “الميثادون” الذي واجه أزمة في مستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان في مصر، ومن بينها: الخانكة، إذ أن هناك نقص في كثير من الأصناف الدوائية الأساسية وعلى رأسها الدواء المستخدم في جلسات الكهرباء، الأمر الذي أدى لتوقفها في المستشفيات”.
ويُرجح مدير المركز أن توقف صرف الميثادون خلال أبريل الماضي، جاء في إطار محاولة من الأمانة العامة للصحة النفسية ووزارة الصحة لإصلاح مشكلة وصول الدواء للسوق السوداء وأيادي بعض تجار المخدرات، نتيجة إعطاء تعليمات لمديري مستشفيات الصحة النفسية، بصرف جرعات أسبوعية من الدواء لمرضى الإدمان الملتحقين بوحدات خفض الضرر، الأمر الذي جعل بعضهم يبيع جزءًا من الجرعات، مضيفًا أنه تلقى معلومة تفيد بأن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات لفتت نظر وزارة الصحة لحدوث ذلك، رابطًا بين الأزمة الأخيرة وحدوث تغييرات في إدارة الأمانة.
وكانت الإدارة المركزية للأمانة العامة للصحة النفسية قد كشفت في 8 مايو الجاري عن استقالة أ.د. منن عبد المقصود، من منصب الأمين العام للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، – والذي شغلته منذ 17 أكتوبر عام 2017، مؤكدة أنها كانت ركيزةً أساسية في تطوير برامج الصحة النفسية وعلاج الإدمان، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع المؤسسات المعنية، بالإضافة إلى دعمها المستمر للبحث العلمي وبناء قدرات الكوادر العاملة في هذا المجال.
وفي 9 مايو الجاري أعلنت الأمانة تعيين د. وسام أبو الفتوح، رئيساً للإدارة المركزية للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، وتفيد المعلومات المتوفرة على الموقع الرسمي للأمانة أن وسام محمد أبو الفتوح إبراهيم، هي طبيبة اخصائية، عضوة بإدارة علاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان وإدارة مصالح المرضى بالأمانة، ومشرف إداري بفريق الدعم النفسي والخط الساخن للاستشارات النفسية، وأنها شغلت منصب رئيس قسم الإدمان بمستشفى الصحة النفسية ببنها خلال الفترة من (2013-2018) ومنصب رئيس لجنة حقوق المرضى بمستشفى الصحة النفسية في بنها من 2011 إلى 2018.
وحاولت “زاوية ثالثة” التواصل هاتفيًا مع أ.د. منن عبد المقصود، في محاولة للوقوف على أسباب تركها منصب الأمين العام للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، ومدى صحة ما أفادت به مصادر داخل مستشفيات الصحة النفسية ووحدات خفض الضرر، حول كون أزمة الميثادون الأخيرة كانت أحد أهم تلك الأسباب، إلّا أنها لم تجيب على أي من اتصالاتنا، فيما أفاد د. أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، أن المجلس ليس لديه علم بشأن تلك الأزمة ولم تصله أي شكاوى أو طلبات إحاطة متعلقة بهذا الدواء، إلاّ أن معلوماته تفيد بأن د. مِنَن عبد المقصود ربيع، كانت قد أبلغت برغبتها في عدم التجديد لها في دورة جديدة من منصبها وأنها تريد العودة إلى العمل الجامعي؛ إذ كانت تعمل أستاذة للطب النفسي بجامعة عين شمس، قبل توليها للأمانة.
نوصي للقراءة: من يتحكم في دواء المصريين؟ السوق السوداء تتصدر المشهد
إنتاج أول ميثادون مصري
أفاد عدد مرضى الإدمان الملتحقين بوحدات خفض الضرر في مستشفيات الصحة النفسية، ومصادر عاملة في قطاع الصحة النفسية، أنه خلال إبريل المنقضي، حصل المرضى على جرعات من دواء جديد يسمى “ميثادينسي” قيل لهم من الأطباء المشرفين عليهم، أنه “الميثادون المصري” الذي أنتجته شركة إيبيكو للأدوية، في حين لم تتوفر أي معلومات على مواقع وزارة الصحة والأمانة العامة للصحة النفسية أو موقع الشركة، أو أي من المواقع الطبية والإخبارية بشأن ذلك؛ فإن “زاوية ثالثة” حصلت على غلاف عبوة من الدواء الجديد المسمى “methdensy”، والذي كتب على عبوته أنه هيدروكلوريد الميثادون، وتركيزه 10 مجم/ مل، وهو من إنتاج شركة إيبيكو للأدوية، وغير مدرج في أسواق الدواء.

فيما أفادت مصادر لنا في إثنان وحدات خفض الضرر بمستشفيات الصحة النفسية في القاهرة، أن المستشفيات توقفت عن صرف الدواء المصري لهم، وباتت تصرف لهم أنواعًا من الميثادون المستورد، من إنتاج شركات مختلفة أبرزها: Hikma Pharmaceuticals (الأردن/الولايات المتحدة)، Mallinckrodt Pharmaceuticals الأمريكية، Molteni Farmaceutici S.p.A الإيطالية.
وتواصلت “زاوية ثالثة” هاتفيًا مع د. عاصم العقباوي، رئيس القطاع التجاري بشركة إيبيكو للأدوية، لسؤاله بشأن الدواء الجديد، وقد أكد لنا أن هيئة الدواء المصرية طلبت من الشركة، خلال الشهر الماضي، صناعة كمية محددة من دواء “ميثادون”، وقد نفذت الشركة المهمة المطلوبة منها، وسلمت الدواء إلى الهيئة، ليتم صرفه إلى فئة محددة من المرضى (مرضى الإدمان) تحت إشراف طبي، وذلك في إطار مبادرة رئاسية تخص الصحة النفسية وعلاج الإدمان، ليكون أول دواء ميثادون يتم صناعته محليًا.
وأشار العقباوي إلى أن الشركة لا تعرف إذا كانت الهيئة ستطلب منها مجددًا صناعته أم لا، لكن لا توجد لديها خطة لطرح هذا الدواء غير المتداول، والمخصص لفئة محدودة ويحتاج لإشراف طبي على تناول جرعاته، مؤكدًا أنه لا يوجد فارق في التركيبة الدوائية للميثادون المصري ونظيره المستورد.
وكانت د. مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، قد شهدت في نوفمبر الماضي، إطلاق مبادرة رئيس الجمهورية لدعم الصحة النفسية ” صحتك سعادة”، والتي تندرج تحت مبادرة ” 100 مليون صحة”، وذلك بحضور الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، والدكتورة إيمان كريم، المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، وهيرو مصطفى السفيرة الأمريكية بالقاهرة، ولفيف من السفراء والسادة الوزراء السابقين.
وفي وقتٍ يختلف فيه المتخصصون في الطب النفسي في مصر حول مدى جدوى برنامج علاج الإدمان ببدائل الأفيونات، والتكلفة المالية الضخمة لشراء دواء الميثادون؛ فإن معاناة آلاف من مرضى الإدمان مثل: مايكل وهاني، لا تزال مستمرة في ظل السحب غير الآمن للدواء البديل للأفيون من الجسم، كما يؤكد الشهود أن الدواء يعرف طريقه إلى السوق السوداء، فيما يعد هدرًا للموارد في بلد يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة ونقص في بعض الأصناف الدوائية والإمكانيات الطبية، ويُجمع الخبراء والمرضى على وجود أزمة شفافية معلومات وشبهات فساد عانت منها الأمانة العامة للصحة النفسية، خلال الفترة الأخيرة، يدفع ثمنها المرضى.