نقص الأدوية يضاعف معاناة مرضى السرطان والفشل الكلوي

خالد عبد الغفار طالب المرضى بـ”شكر الدولة” قبل تقديم الشكاوى، في فيديو أثار غضبًا واسعًا. قال فيه: “مش الدولة اللي عملت دا؟ ما سمعتش شكر.. دي أصول!
Picture of رشا عمار

رشا عمار

تواجه مديحة إبراهيم (46 عامًا)، مريضة سرطان الثدي، معاناة مزدوجة بين المرض وكلفة العلاج الباهظة، حيث تضطر للاستدانة شهريًا لشراء الإبر الطبية الخاصة بجهاز البورت كاث، الذي يُستخدم لحقن العلاج الكيميائي. المستشفيات الحكومية لا توفر هذه الإبر بجودة مناسبة، ما يعرضها لمضاعفات خطيرة مثل الحروق والتهابات الأوردة، بينما يبلغ سعر الإبرة الأصلية في الصيدليات الخاصة ما بين 350 إلى 500 جنيه، وهو مبلغ يفوق إمكانياتها في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.

ورغم تلقيها العلاج في مستشفى حكومي، قريبة من منزلها بمنطقة مصر القديمة، فإن ندرة الأدوية الجيدة وارتفاع أسعارها يجعل رحلتها مع المرض أكثر قسوة. تحتاج منى إلى أكثر من 1000 جنيه شهريًا فقط للإبر، بخلاف الأدوية الأخرى التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني في الفترة الأخيرة. وبسبب دخل زوجها المحدود، تجد نفسها مجبرة على الاستدانة، إما من الأقارب أو الجيران، لضمان استمرار علاجها، في وقت تتحول فيه المستلزمات الطبية إلى عبء إضافي على مرضى السرطان الذين يكافحون من أجل الحياة.

وتعاني مصر، في الفترة الأخيرة، أزمة كبرى تتعلق باختفاء عشرات الأصناف الدوائية المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة، نتيجة ارتفاع سعر الدولار، تجاوزت نحو ألف صنف، أبرزها أدوية ارتفاع ضغط الدم، السكري، أمراض القلب، المرارة، الغدة الدرقية، الكلى، واضطرابات المعدة، بالإضافة إلى أدوية حمى البحر الأبيض المتوسط، السرطان، نقاط الأنف للرضع والبالغين، وأدوية البرد وأمراض النساء. وتشير تقديرات رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، جمال الليثي، في تصريحات إعلامية خلال فبراير الماضي، إ��ى أن نقص الأدوية في السوق يتراوح بين 30% و40%، من بينها 15% من الأدوية التي لا تتوفر لها بدائل.

وتعليقًا على الأزمة تقول -عضو لجنة الصحة بمجلس النواب- إيرين سعيد إلى زاوية ثالثة، أن توفير الدواء هو الركيزة الأساسية في منظومة الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة، مشيرة إلى أن التشخيص دون علاج لا جدوى منه، حيث يمثل نقص الأدوية والمستلزمات الطبية عائقًا أمام اكتمال الخدمات الصحية، مما يهدر جهود المنظومة الطبية بأكملها، متسائلة: “ما فائدة الكشف دون علاج؟”

وتضيف إيرين في حديثها معنا:” أن الفترة الأخيرة شهدت أزمات حادة في توفير المستلزمات الطبية، مما أدى إلى زيادة قوائم الانتظار، رغم الجهود الرئاسية لمواجهتها، موضحة أن المستشفيات الحكومية، بعد أن حققت تقدمًا في هذا الملف، تعرضت لانتكاسة جديدة بسبب أزمة الدولار وصعوبة استيراد المستلزمات الطبية. وأصبح تحويل المرضى بين المستشفيات لحل أزمة نقص المستلزمات أمرًا شائعًا، ما يرهق المرضى وأسرهم. وأكدت النائبة على ضرورة إعادة النظر في سياسات هيئة الشراء الموحد، وكذلك تطوير آليات الشراء المباشر، أو توفير مخزون استراتيجي من المستلزمات الحيوية والأدوية، خاصة تلك التي تعالج الأمراض المزمنة.

من جهته يؤكد علي عوف -رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية- في تصريح مع زاوية ثالثة أن كافة الأدوية الناقصة تم توفيرها منذ شهور، فيما تتواصل الجهود الحكومية لمنع تكرار الأزمة مجددًا، وحول أسباب الأزمة يقول عوف إنها تعود بشكل أساسي إلى إصرار العديد من الأطباء على كتابة الاسم التجاري للدواء بدلًا من الاسم العلمي، كما يتمسك المرضى بالحصول على علامات تجارية محددة، رغم توافر بدائل فعالة في الصيدليات المصرية. ويؤدي هذا السلوك إلى تفاقم المشكلة، رغم أن معظم الأدوية التي تعاني من نقص في السوق لها بدائل متاحة.

ويشدد عوف في حديثه معنا على أن جميع الأدوية التي تشهد نقصًا لها بدائل، ومؤخرًا باتت جميع الأدوية متوفرة، مشيرًا إلى أن الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية ومراكز التأمين الصحي ملزمون بكتابة الاسم العلمي فقط عند وصف العلاج، حيث يتم صرف الدواء المتاح أو بديله في حال عدم توافره، مؤكدًا أن أدوية التأمين الصحي ليست أقل جودة من غيرها. ويضيف أن تغيير عادات الأطباء والمرضى يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تقليل حدة الأزمة.

 

نوصي للقراءة: كيف تحولت تجارة الأدوية منتهية الصلاحية إلى سوق مربحة؟

الفقر والمرض ونقص الدواء: معاناة مضاعفة

تحدثت زاوية ثالثة مع عدد من المواطنين يواجهون معاناة مستمرة في توفير الأدوية، خاصة ما يتعلق بمرضى السرطان والفشل الكلوي. تقول نهى محمود (52 عامًا)، من محافظة الجيزة، مريضة سرطان الدم، إنها تعيش في دوامة من العجز المالي بسبب الارتفاع المستمر في أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية. وتخضع نهى لجلسات علاج كيميائي منتظمة في أحد المستشفيات الحكومية، لكنها تواجه أزمة حادة في الحصول على الأدوية الضرورية، التي أصبحت إما نادرة أو بأسعار تفوق قدرتها المادية نظرًا لعدم توافرها ضمن العلاج المجاني على نفقة الدولة مؤخرًا.

توضح في حديثها مع زاوية ثالثة إنها تحتاج إلى حقن خاصة لمنع تجلط الدم أثناء العلاج، لكن المستشفى لا يوفرها، مما يجبرها على شرائها من الصيدليات الخارجية بسعر يصل إلى 600 جنيه للحقنة الواحدة، وهو مبلغ تعجز عن تدبيره شهريًا. ولم تكن مشكلتها تقتصر على الأدوية فقط، فحتى القفازات الطبية، والكمامات، والمحاليل المعقمة، التي تُعد ضرورية لمنع العدوى أثناء الجلسات، أصبحت غير متوفرة في المستشفى، وعليها شراؤها بنفسها. كل شهر، تجد نفسها أمام خيارين: إما الديون أو تأجيل العلاج، وهو ما قد يُعرض حياتها للخطر. ومع غياب أي دعم حكومي فعال لتوفير هذه المستلزمات بأسعار معقولة، تشعر نهى، مثل كثيرين غيرها، بأن المرض ليس هو العائق الوحيد في طريق شفائها، بل أيضًا الأزمة الاقتصادية التي جعلت العلاج رفاهية لا يستطيع تحملها سوى القادرون.

ومن مرضى السرطان إلى مرضى الفشل الكلوي لا تختلف المعاناة كثيرًا. يحكي حسن عبد الله (52 عامًا) من محافظة سوهاج، في حديث مع زاوية ثالثة إنه يستيقظ كل ثلاثة أيام فجرًا ليبدأ رحلة البحث عن جلسة غسيل كلوي في مستشفى حكومي تتوافر به محاليل الغسيل الكلوي. لم يكن الأمر بهذه الصعوبة من قبل، لكنه الآن يضطر للتنقل بين المستشفيات لأن المحاليل أصبحت شحيحة، وأحيانًا يبلغه الأطباء قبل الجلسة بعدم توفرها، مما يضعه أمام خيارين أحلاهما مر: إما تأجيل الغسيل وتعريض حياته للخطر، أو شراء المحاليل من الخارج بأسعار تفوق طاقته. حسن، الذي كان عاملًا بسيطًا قبل المرض، بات يعتمد على مساعدات أقاربه، لكن الديون تتراكم عليه شهرًا بعد شهر.

في آخر مرة، اضطر إلى دفع نصف راتبه الشهري فقط لتأمين جلسة غسيل واحدة، بينما كان يتصبب عرقًا في المستشفى المزدحم، ينتظر دوره الذي قد لا يأتي إذا نفدت المحاليل قبل أن يصل إليه. بينما يجلس منهكًا على أحد المقاعد، ينظر بحسرة إلى مرضى آخرين خرجوا للتو من الجلسة وقد تمكنوا من الحصول على نصيبهم، متسائلًا إن كان هو الآخر سيحصل على فرصته أم لا.

وبالنسبة لسعاد (42 عامًا من محافظة البحيرة) محافظة البحيرة تبدو المعاناة أكبر، إذا تعتمد على بعض الأدوية المثبتة لنسبة الفوسفور في الدم وأخرى تحمي جهازها المناعي، لكنها لم تعد تجدها في الصيدليات الحكومية، وأصبحت مضطرة إلى شرائها من السوق السوداء بأسعار تصل إلى خمسة أضعاف سعرها الأصلي. تقول سعاد في حديثها مع زاوية ثالثة إنها لم تكن سعاد تملك هذه الرفاهية، فبدأت بتقليل الجرعات، مما تسبب في تدهور حالتها سريعًا، لدرجة أنها لم تعد قادرة على مغادرة المنزل إلا بصعوبة.

في إحدى زياراتها الأخيرة للمستشفى، جلست في الممر تنتظر طبيبها المعتاد، لكنها لم تعد تملك الأمل نفسه، فقد أصبحت على يقين بأن العلاج الأساسي لها بات رفاهية لا يمكنها تحملها. وبينما كانت تنظر إلى زوجها الذي يحاول جاهدًا البحث عن طريقة لشراء أدويتها، شعرت بغصة في قلبها، متسائلة: “هل يُعقل أن يكون الدواء أصعب من المرض نفسه؟”.

أثار مقطع فيديو لوزير الصحة خالد عبد الغفار، جدلًا واسعًا بعدما ظهر وهو يرد على شكوى أحد المرضى في مستشفى بشأن تأخره عدة ساعات عن موعد دخوله غرفة الغسيل الكلوي، موضحًا أن التأخير يعود إلى ضرورة تعقيم الأجهزة بين الحالات. إلا أن الجدل تصاعد بسبب حديث الوزير عن ضرورة تقديم المرضى “الشكر” للدولة أولًا على تطوير المنظومة الصحية قبل التقدم بأي شكوى، حيث قال: “أنا مستغرب جدًا، مش الدولة هي اللي عملت المكان الجميل دا على حساب الدولة؟ وحتى الآن لم أسمع كلمة شكر على تنفيذ الدولة لهذا الكلام (المنظومة)”. وأضاف: “الأول قل متشكرين على المبنى الجميل والأجهزة المتوفرة، لكن لدينا بعض الطلبات، وهذه تسمى الأصول، وهذا حقكم علينا”. كما تابع قائلًا: “قدمنا أجهزة جديدة وطاقمًا طبيًا جديدًا، والآن يقول أحد الأشخاص إنه تأخر ساعة، هل في كل مرة تتأخر ساعة؟”. وأثار الفيديو موجة واسعة من الانتقادات على مواقع التواصل، حيث اعتبر البعض أن الوزير ركز على طلب الامتنان بدلًا من التعامل مع الشكاوى بجدية، مما أثار استياء الكثيرين.

نوصي للقراءة: نقص الأدوية النفسية في مصر: صراع يومي من أجل البقاء

كارثة تواجه قطاع الدواء بمصر

يقول محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء في حديث مع زاوية ثالثة، إن الأزمة المتفاقمة منذ 2023 واستمرت في 2024 بسبب عدم استقرار أسعار الصرف لا تزال مستمرة، وتأثيرها أصبح كارثيًا على قطاعي الدواء والمستلزمات الطبية، لأن معظم هذه المنتجات يتم استيرادها من الخارج، ما جعل الأزمة تتفاقم مع تذبذب سعر الدولار.

المشكلة الأكبر، وفق فؤاد، كانت في الدواء لأنه مسعَّر جبريًا، أما المستلزمات الطبية فهي تُباع في السوق الحر، لكن بعد ظهور هيئة الشراء الموحد، لم يعد بإمكان أي جهة شراء المستلزمات الطبية بشكل مباشر، بل أصبح الأمر مرهونًا بالهيئة. وهنا بدأت المشاكل، حيث تراكمت الديون على الهيئة لصالح الشركات الموردة، ولم تتمكن الشركات من تحصيل مستحقاتها، ما جعلها عاجزة عن استيراد مستلزمات جديدة أو حتى توفير الحد الأدنى من المخزون الاستراتيجي.

هذا الوضع أدى إلى أزمة كبيرة، لدرجة أن رئيس الوزراء عقد اجتماعين لحل المشكلة، وتم الاتفاق على صرف 5 مليارات جنيه لسداد جزء من المديونيات. وبعد استقالة اللواء طبيب بهاء الدين زيدان، رئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي، وتولي مسؤول جديد، تقرر قبل أسبوعين فقط صرف 2 مليار جنيه إضافية للشركات. ومع ذلك، لا تزال الأزمة قائمة، خاصة في المستلزمات الطبية الضرورية للعمليات الجراحية الحرجة.

وتضم سوق الدواء المصرية نحو 17 ألف مستحضر دوائي تُنتَج من خلال حوالي 170 مصنعًا. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار حوالي 400 صنف دوائي، بنسبة 20 إلى 30% للأدوية المخصصة لعلاج الأمراض المزمنة، وبنسبة تتراوح بين 30 ��50% للأدوية غير الأساسية والموسمية، إلا أن مبيعات الأدوية في مصر بلغت نحو 215 مليار جنيه خلال عام 2024، مقارنة بـ 154.7 مليار جنيه في 2023، مما يعكس زيادة تقدر بحوالي 40%، وفقًا لتقديرات رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، علي عوف. كما توقع في تصريحات سابقة أن تقوم هيئة الدواء المصرية برفع أسعار نحو 1000 مستحضر دوائي فقط خلال عام 2025.

بالنسبة لأعداد الصيادلة، فتُقدَّر بنحو 213 ألف صيدلي يعملون داخل 80 ألف صيدلية على مستوى الجمهورية. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن معدل أعداد الصيادلة بالنسبة لعدد السكان في مصر يبلغ صيدليًا لكل 438 مواطنًا، بينما يتراوح المعدل العالمي بين صيدلي لكل 1100-1600 فرد، أو ما يعادل 23 صيدليًا لكل 10,000 مواطن. أما بالنسبة للصيدليات، فهناك صيدلية لكل 1261 مواطنًا في مصر، مقارنة بالمعدل العالمي الذي يتراوح بين صيدلية لكل 3500 – 5000 فرد.

 

نوصي للقراءة: حقنة قاتلة.. كيف تحولت المضادات الحيوية إلى خطر يهدد حياة المصريين؟


توقف العمليات الجراحية ونقص الأجهزة

يقول فؤاد في حديثه معنا: “بسبب نقص المستلزمات الطبية، توقفت بعض أنواع القسطرة القلبية، وتأثرت عمليات تركيب الدعامات، كما تعطلت جراحات المفاصل والعظام بالكامل، لعدم توفر المسامير والمفاصل الصناعية، حتى عمليات زراعة الكلى والكبد تأثرت بشدة بسبب نقص الأدوات الجراحية والأدوية المصاحبة لها.”

ويتابع: “الأزمة طالت أيضًا أجهزة السمع للأطفال، حيث أصبح هناك نقص حاد في السماعات الطبية وقطع الغيار اللازمة لها، مما دفع وزارة التربية والتعليم للسماح للأطفال الذين يعانون من فقدان السمع بعدم الذهاب إلى المدارس بسبب عدم قدرتهم على التواصل. حتى ذوو الاحتياجات الخاصة الذين يعتمدون على الكراسي المتحركة واجهوا صعوبة كبيرة بسبب نقص قطع الغيار، ما أدى إلى مأساة حقيقية للكثيرين وأثر على حياتهم بشكل مباشر.

ويشير فؤاد في حديثه معنا إلى أن الأزمة لم تقتصر على المستلزمات الطبية فقط، بل امتدت إلى الأدوية، حيث لا تزال هناك أزمة في بعض الأصناف الدوائية الأساسية. الحكومة حاولت مواجهة الأزمة بإعلان توفير الأدوية الاستراتيجية والحيوية في صيدليات الإسعاف 24 ساعة، لكن المشكلة أن هذه الصيدليات محدودة العدد وموجودة فقط في بعض المدن الكبرى، مما يعني أن مريضًا في مطروح أو أسوان أو الفيوم قد لا يجد دواءه بسهولة، وهو أمر غير مقبول.

ويوضح رئيس المركز المصري للحق في الدواء، أن مفهوم “الإتاحة” في قطاع الدواء يعني أن يكون العلاج متوفرًا في كل مكان وزمان يحتاجه المريض، وليس أن يضطر للسفر إلى محافظة أخرى للحصول عليه، لافتًا إلى أن هذه الأزمة تعكس مشكلة أعمق في التخطيط والإنتاج، حيث أن نقص الأدوية يعود إلى تأثر الصناعة الدوائية بالأزمة الاقتصادية، خاصة أنها صناعة مسعّرة جبريًا، ما يجعل الشركات مترددة في الإنتاج بكميات كبيرة خوفًا من الخسائر.

 

أدوية الأورام والهرمونات في السوق السوداء

أزمة الأدوية طالت حتى مرضى السرطان، ويشير محمود فؤاد في حديثه معنا، نقص أدوية العلاج الكيميائي في وقف جلسات العلاج لعدد كبير من المرضى، ويلفت إلى أن الحكومة أعلنت مؤخرًا عن استيراد 180 ألف حقنة من أحد أدوية الأورام، لكن لا أحد يعلم إلى متى ستكفي هذه الكمية، خاصة أن هناك أدوية أخرى ما زالت مفقودة، مثل أدوية الهرمونات الضرورية للنساء في حالات الحمل أو تأخر الإنجاب، والتي أصبحت تُباع بأسعار خيالية في السوق السوداء.

يذكر فؤاد على سبيل المثال، حقنة “جيناتور” التي تباع رسميًا بـ 245 جنيهًا لم تعد متوفرة في الصيدليات، لكنها موجودة في المستشفيات الخاصة بأسعار تتراوح بين 800 جنيه و3000 جنيه حسب مستوى المستشفى! هذه الفوضى أدت إلى ظهور سوق سوداء ضخمة للأدوية، حيث تستغل بعض الجهات نقص الأدوية في الصيدليات لبيعها بأسعار مضاعفة، وهو ما يهدد حياة المرضى الذين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف.

ويضيف فؤاد : “مرضى الفشل الكلوي لم يسلموا من الأزمة، حيث واجه قطاع الغسيل الكلوي نقصًا حادًا في الفلاتر والأجهزة والمواد الأساسية المستخدمة في الجلسات، ما أدى إلى توقف العديد من مراكز الغسيل الكلوي عن العمل. الوزارة حاولت التدخل عبر إطلاق رقم ساخن لمتابعة الأزمة، لكن الحقيقة أن المرضى عانوا لفترة طويلة من توقف الجلسات، مما عرض حياتهم للخطر”، مشيرًا إلى أن أجهزة الغسيل الكلوي تحتاج إلى صيانة دورية وتغيير قطع الغيار بانتظام لتجنب انتشار العدوى، خاصة فيروس سي، وهو ما جعل الأزمة أكثر خطورة، لأن استمرار نقص هذه المستلزمات يعني زيادة المخاطر الصحية للمصابين.

ويلفت في حديثه معنا إلى أن الدواء الذي لا يزال متوفرًا يعاني من مشكلة أخرى، وهي الارتفاع الجنوني في الأسعار. أبسط مثال: أقل روشتة لعلاج البرد تتكلف الآن 250 جنيهًا على الأقل، بعض المضادات الحيوية تجاوزت 300 جنيهًا! هذا يعني أن تكلفة علاج نزلة برد بسيطة قد تصل إلى 1000 جنيه، تشمل كشف الطبيب والأدوية، فما بالك بالأمراض المزمنة أو العمليات الجراحية؟ مؤكدًا أن الوضع الحالي لا يُحتمل، المرضى أصبحوا عاجزين عن تحمل تكاليف العلاج، والأزمة لا تزال تتفاقم دون حلول جذرية.

في ظل تفاقم أزمة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، تتزايد معاناة المرضى الذين أصبحوا عالقين بين ارتفاع الأسعار وغياب البدائل الفعالة. ورغم الجهود الحكومية والتصريحات المتفائلة حول توافر الأدوية، إلا أن الواقع يؤكد أن آلاف المرضى، خاصة المصابين بأمراض مزمنة مثل السرطان والفشل الكلوي، يواجهون تحديات يومية للحصول على العلاج اللازم. وبينما تظل الأسباب متعددة، من أزمة الدولار إلى السياسات الدوائية غير المرنة، يبقى الحل العاجل هو وضع استراتيجية شاملة تضمن توفر الأدوية بأسعار مناسبة، مع تشديد الرقابة على سوق الدواء لمنع استغلال المرضى. وحتى يتحقق ذلك، ستظل حياة كثيرين رهينة للأزمة، في انتظار علاج قد لا يأتي في الوقت المناسب.

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search