أصوات الاستغاثة تعلو في طرابلس: المصريون بين الحرب والتجاهل الرسمي

طلاب وعمال مصريون عالقون في طرابلس وسط اشتباكات دامية، يواجهون القذائف والانفجارات دون ممر آمن، بينما تقتصر استجابة السفارة المصرية على مطالبات بالبقاء في المنازل.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

في مساء الإثنين الماضي، فوجئ محمود العشري، الطالب في السنة الأولى بكلية الطب البشري بجامعة طرابلس الحكومية، بهدوء غير معتاد يخيم على الحي السكني الذي يقطنه وعدد من الطلاب المصريين في العاصمة الليبية. لم يطل هذا السكون، إذ سرعان ما دوّت أصوات الرصاص الحي وانفجارات القذائف والصواريخ في أرجاء الحي، تزامنًا مع انتشار كثيف لآليات عسكرية وسيارات دفع رباعي في الشوارع المحيطة، لتتحول المنطقة إلى مسرح لاشتباكات عنيفة، علق الطلاب في قلبها، رغم أنهم لا صلة لهم بها. بعض شرفات السكن الطلابي وجدرانه تضررت جراء نيران متبادلة لم تستثنِ أحدًا.

التحق محمود بالجامعة الليبية مطلع العام الدراسي 2024-2025، بعد أن حصل على مجموع 72% في الثانوية العامة، وهو ما لم يؤهله للالتحاق بكليات الطب في الجامعات الخاصة داخل مصر. وبسبب غلق أبواب الدراسة في روسيا وأوكرانيا والسودان، اختار ليبيا دون أن يتوقع عودة المواجهات العسكرية إلى شوارعها. وحين اندلعت الاشتباكات، خيم الذعر على محمود وزملائه، فلجأوا إلى السكن وأمضوا ثلاثة أيام محاصرين داخله، دون القدرة على الخروج حتى لشراء المواد الغذائية الأساسية.

عبر مواقع التواصل الاجتماعي، علم الطلاب لاحقًا بقرار جامعة طرابلس تعليق الدراسة والامتحانات وإيقاف العمل الإداري حتى إشعار آخر. وفي الوقت نفسه، دعت وزارة الخارجية المصرية الجالية المصرية في طرابلس للتواصل مع أرقام الطوارئ الخاصة بالسفارة، إلا أن الطلاب واجهوا صعوبات في التواصل، إذ ظلت الخطوط مشغولة لساعات طويلة، وعندما أجابهم موظفون بالسفارة، أبلغوهم بالبقاء داخل مساكنهم وعدم مغادرتها.

يقول محمود في حديثه إلى زاوية ثالثة: “نحن نحو 100 طالب مصري في جامعة طرابلس، بينما مئات آخرون موزعون بين جامعات ليبيا المختلفة، خصوصًا جامعتي طرابلس وأفريقيا. ما عشناه كان تجربة مرعبة لا تزال آثارها قائمة. أحد زملائنا أصيب داخل السكن، وتوفي عامل مصري في الشارع بسبب قذيفة، والشوارع لم تعد آمنة، لدرجة أننا نتجنب حمل هواتفنا أو أي مقتنيات ثمينة، خشية تعرضنا للسرقة من قبل عناصر ميليشياوية تبرر ذلك بعبارات مثل: أنتم لستم من البلد ولا يجوز أن تمتلكوا ما لا نملكه”.

ويطالب محمود وزارة الخارجية المصرية بالتدخل العاجل لإجلاء الطلاب الراغبين في العودة إلى مصر، أسوة بالرياضيين الذين أُعيدوا بالفعل قبل تفاقم الوضع، مضيفًا: “نخشى أن تخرج الأمور عن السيطرة، خصوصًا مع تصاعد التظاهرات المطالبة برحيل حكومة عبد الحميد الدبيبة، والتي شهدت سقوط قتلى بالفعل”.

صورة حصلت عليها زاوية ثالثة، تظهر أعيرة نارية اخترقت شرفة السكن الطلابي

اندلعت اشتباكات مسلحة في العاصمة الليبية طرابلس، الإثنين الماضي، بين قوات “اللواء 444 قتال” التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، وقوات “جهاز الردع” بقيادة عبد الرؤوف كارة، التابعة للمجلس الرئاسي منذ عام 2018. وتفجّرت المواجهات بعد يوم واحد من مقتل القائد الميداني عبد الغني الككلي، المعروف بـ”غنيوة”، خلال اجتماع رسمي في مقر “اللواء 444”.

على مدار يومين، تصاعدت وتيرة العنف بشكل غير مسبوق، وأفادت وسائل إعلام محلية باستقالة سبعة وزراء من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس. وفي مساء الجمعة، شهدت المدينة ليلة دامية، أطلقت خلالها الميليشيات الموالية لحكومة عبد الحميد الدبيبة الرصاص الحي على المتظاهرين المطالبين برحيله، كما رُصدت محاولات لدهسهم بمركبات عسكرية.

ووفقًا لبيان صادر عن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أسفرت المواجهات عن سقوط 53 ضحية من المدنيين، بينهم مواطنان من مصر ونيجيريا، إلى جانب أربع نساء ليبيات، كما عُثر على عشر جثث متفحمة لم تُحدّد هويتهم. وسُجّل أيضًا إصابة 40 شخصًا بجروح متفاوتة، نُقل بعضهم إلى العناية المركزة بمرافق صحية عامة وخاصة، بينما لا يزال 20 شخصًا في عداد المفقودين منذ 12 إلى 14 مايو 2025.

 

نوصي للقراءة: طلاب مصر المغتربون: أحلام ضائعة في أوكرانيا، تائهة في السودان

إصابة طلاب مصريين

في الثانية صباحًا بعد منتصف ليلة الأربعاء كان هاني سعيد، الذي يدرس بقسم هندسة النفط في إحدى الجامعات الأهلية بالعاصمة الليبية طرابلس، نائمًا في غرفته داخل السكن الطلابي بمنطقة السراج، حين أيقظه صوت إطلاق وابل من الرصاص، أعقبه صوت تحطم زجاج وصراخ، فركض مسرعًا تجاه مصر الصوت؛ ليكتشف أن زميليه في السكن “أحمد” و”خالد” اللذان يقيمان في الغرفة المطلة على الشارع، قد أصيبا بعدما اخترقت أعيرة نارية نافذة حجرتهما وحطمت الزجاج، فاخترقت شظايا منه ذراعيهما، مسببة لهما جروحًا قطعية سببت لهما نزيفًا استمر 8 ساعات، حتى نجح زملائهما في إحضار طبيب ليبي إلى السكن، قام بتقطيب جراحهما، بعد أن خذلهم الهلال الأحمر، الذي اتصل به الطلاب، طالبين المساعدة، بحسب ما يروي هاني إلى زاوية ثالثة.

يقول: “اتصلنا بالسفارة المصرية في ليبيا وقت حدوث الإصابة، وقال لنا الموظف إنه طالما أن أحدًا لم يمت فلا بأس، وأنه يتوجب علينا الانتظار لحين فتح المطار، وسيتمكن حينها من يرغب في العودة إلى مصر، من المغادرة، لأن الإجلاء في الوقت الحالي يمثل خطرًا على حياتنا، وحين تواصلنا مع وزارة الخارجية المصرية أخبرنا المسؤول أن الاشتباكات قد قلت حدتها، لكننا نشعر بالرعب هنا ونريد العودة إلى مصر قبل أن تحدث لنا كارثة، حاولنا تقديم استغاثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكننا تلقينا تهديدات من أشخاص موالين للمليشيات”.

صورة حصلت عليها زاوية ثالثة، تظهر إصابة أحد الطلاب داخل السكن، بعد اختراق أعيرة نارية لزجاج غرفته
صورة حصلت عليها زاوية ثالثة، تظهر إصابة أحد الطلاب داخل السكن، بعد اختراق أعيرة نارية لزجاج غرفته

ويضيف: “معظم السفارات الأجنبية أخلت رعاياها من طرابلس، ماعدا السفارة المصرية التي سارعت بإجلاء لاعبي كرة القدم، وتركت بقية المصريين، وحتى السفارة التركية أخلت كل رعاياها صباح الجمعة، رغم كونها الداعم الرئيسي للمليشيات، وهذا ينذر بأن هناك كارثة ستحدث، وحتى الليبيين من أهالي طرابلس قد نزحت أعداد كبيرة منهم لأماكن خارج طرابلس وتركوا بيوتهم”.

ارتكزت خطة الإجلاء على نقل الرياضيين المصريين إلى مدينة مصراتة الليبية الآمنة نسبيًا، كونها بعيدة عن بؤرة الاشتباكات في طرابلس، ثم إعادتهم جوًا إلى مصر. وبحلول مساء 14 مايو 2025، وصلت الدفعة الأولى من البعثة الرياضية المصرية إلى مطار القاهرة الدولي سالمة، يتقدمها الكابتن حسام البدري المدير الفني لأهلي طرابلس. ضمّت هذه الدفعة أفراد الطاقم الفني المصري المتواجدين في مصراتة، وهم حسام البدري نفسه ومعاونوه هادي خشبة وأحمد أيوب وهادي السعيد. استقلّت هذه المجموعة طائرة خاصة من مطار مصراتة إلى القاهرة، حيث وصلت في تمام الساعة الحادية عشرة ليلًا (بتوقيت القاهرة) يوم الأربعاء 14 مايو.

أما الدفعة الثانية فشملت بقية الرياضيين المصريين الذين كانوا لا يزالون في طرابلس وقتها، وكان مقررًا انتقالهم برًا من العاصمة إلى مصراتة في حماية وتأمين كاملين تمهيدًا لعودتهم جوًا إلى القاهرة، تألفت هذه المجموعة من خمسة أفراد تقريبًا، على رأسهم نجم الأهلي المعار محمود عبد المنعم “كهربا” (لاعب نادي الاتحاد الليبي حاليًا). ضمت أيضًا أحمد عصمت (مدرب الأحمال في نادي المدينة الليبي) الذي كان أحد مطلقي نداءات الاستغاثة، وأحمد شفيق (لاعب الكرة الطائرة في نادي السويحلي الليبي). وبحلول 15 مايو، اكتملت عملية إجلاء هذه المجموعة الثانية وعودتهم إلى أرض الوطن. وبذلك نجحت السلطات المصرية في إعادة كافة رعاياها من الرياضيين الذين كانوا في مواقع الخطر بليبيا خلال أيام قليلة من اندلاع الأزمة.

 

ويوضح الطالب الجامعي أن الدراسة توقفت في الوقت الراهن، وتم استهداف إحدى الجامعات، وفي الوقت نفسه هناك مئات الطلاب المصريين، يقيمون في مناطق أبو سليم والسراج وصلاح الدين وحي دمشق وشارع الجمهورية، بالعاصمة الليبية طرابلس، بحكم قربها من الجامعات التي يدرسون بها، إلاّ أنها أصبحت مناطق غير آمنة بحكم الاشتباكات والتوترات الأمنية الراهنة، مُبينًا أن العديد من الطلاب يشعرون بالخطر على حياتهم، إذ تعرض طالب مصري يدرس طب كلية الأسنان في جامعة التحدي الأهلية للسرقة بالإكراه واعتداءً بسلاح أبيض، وأنه حتى قبل اندلاع الاشتباكات كان الطلاب يخشون الخروج من البيوت خلال ساعات الليل، لوجود مسلحين يختطفون الأشخاص ويطلبون فدية مالية.

وكان مطار معيتيقة، المنفذ الجوي الرئيسي للعاصمة طرابلس، والذي يخدّم آلاف المسافرين يوميًا، قد تعرض للإغلاق نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة في المنطقة المحيطة به، منذ إندلاع الأحداث الأخيرة، إلا أن الرحلات الجوية، استؤنفت في المطار ابتداءً من الساعة العاشرة من مساء الخميس.

وسبق أن أعلنت وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، في صباح الثلاثاء، انتهاء العملية العسكرية في طرابلس، بنجاح، غير أن الاشتباكات المسلحة، تجددت في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء، بعدد من أحياء وسط المدينة والمناطق الجنوبية والشرقية منها، وفي اليوم نفسه، أعلنت الوزارة، بدء تنفيذ وقف إطلاق النار في جميع محاور التوتر داخل العاصمة، وأصدر المجلس الرئاسي الليبى قرارًا بوقف شامل لإطلاق النار في طرابلس، وتجميد قرارات حكومة الوحدة الوطنية ذات الطابع العسكري والأمني، ليُخيّم هدوء حذر على العاصمة الليبية، بدده وقوع اشتباكات بين عدد من المتظاهرين وقوات الأمن عند مبنى رئاسة الوزراء، مساء الجمعة الماضية.

 

نوصي للقراءة: هل تستعد الجامعات المصرية لمستقبل بلا طلاب دراسات عليا؟

استغاثات أهالي الطلبة

لم يجد أولياء أمور الطلاب والطالبات المصريين  في جامعات طرابلس وأفريقيا والرفاق والتحدي الطبية الأهلية، – الذين أغرتهم الأوضاع المستقرة نسبيًا، للدراسة الجامعية في العاصمة الليبية أمامهم -، حلًا سوى اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة منهم لإيصال صوت أبناءهم وبناتهم، ومناشدة وزارة الخارجية والجهات المعنية بالتدخل لإجلائهم من ليبيا وإعادتهم إلى مصر، خوفًا على سلامتهم، مطالبين بفتح باب التحويل للطلاب المصريون في ليبيا، للجامعات المصرية، أسوة بزملائهم الذين عادوا من روسيا وأوكرانيا والسودان.

 وتلقت زاوية ثالثة استغاثات العديد من الأهالي من بينهم والدتي الطالبة زهراء أيمن وابن خالتها الطالب عمر وليد، اللذان يدرسان في الفرقة الأولى بكلية طب الأسنان، في جامعة التحدي الطبية الأهلية بطرابلس، واللتان تحدثتا إلى زاوية ثالثة، موثقتين فصولًا من المعاناة التي يعيشها 11 طالب و5 طالبات، جميعهم مصريون ينتمون إلى محافظات، داخل سكنهم الطلابي في العاصمة الليبية؛ منذ نشبت الاشتباكات الأسبوع الماضي؛ إذ تروي شيرين إبراهيم، والدة الطالب عمر وليد، إلى زاوية ثالثة، والتي تواصلنا معها، الجمعة، أنها فقدت الاتصال بابنها وابن شقيقتها بعد انقطاع التيار الكهربائي وشبكة الإنترنت في طرابلس، وأنهما كانا قد أكدا لها قبل الانقطاع أن الطعام والماء نفذا لديهما، وأن الطلاب محاصرون في المنزل وسط الاشتباكات، مستنكرة أن يتم إجلاء الرياضيون المصريون وحدهم من ليبيا، مطالبة بإعادتهم إلى مصر وإلحاقهم بجامعات مصرية، لا سيما أن جامعتهم تعرضت لاقتحام مسلح وتمركز لآليات عسكرية، مساء الأحد، وسط توقف للدراسة.

فيما تقول شيماء إبراهيم، والدة زهراء، إلى زاوية ثالثة: “حين اتصلنا بزهراء وعمر في صباح الإثنين كانت هناك أصوات إطلاق نار تأتي من بعيد، وقيل لهما إنها تدريبات عسكرية، لذا لم يهتم الطلاب بالأمر، لكن بحلول المساء اتصلا بنا أنا وأختي وكانا يصرخان وفي حالة إنهيار عصبي بسبب أصوات الإشتباكات العنيفة التي كانت من حولهم، واعتلاء قناص لسطح السكن الطلابي، الواقع في حي السدرة، ونزوله على الدرج، وسط حالة من الرعب شعر بها أولادنا، وظلت الاشتباكات والتوترات على مدار ثلاثة أيام، لذا لم يستطيعوا الخروج لشراء الطعام أو الماء، واضطروا إلى شرب الماء المالح، وعقب ذلك انقطع التيار الكهربائي وشبكة الإنترنت خلال ساعات المساء وحتى طلوع الفجر”.

وتضيف الأم: “الخوف دفع الأولاد إلى البقاء في المنزل رغم توقف الاشتباكات، فعاشوا على قليل من الجبن والخبز ومعلبات التونة، حتى نفذ طعامهم والماء لديهم، وتكاد أموالهم تنفذ ولا يستطيعون تلقي أي حوالات مالية من الأهل في الظروف الأمنية الراهنة، وفي مساء الجمعة تجدد إطلاق النار من حولهم، فاضطروا للانبطاح أرضًا داخل الصالة، خوفًا من وصول الرصاص إليهم وأصيب طلاب مصريون في سكن آخر، وحين تواصل أولادنا مع السفارة المصرية قالوا لهم التزموا البيوت، ونخشى أن يصيبهم مكروه”.

استغاثة مقدمة من أهالي الطلاب المصريين في جامعة التحدي بطرابلس، موجهة إلى وزير التعليم العالي، حصلت زاوية ثالثة على نسخة منها 
استغاثة مقدمة من أهالي الطلاب المصريين في جامعة التحدي بطرابلس، موجهة إلى وزير التعليم العالي، حصلت زاوية ثالثة على نسخة منها

 

وأطلقت بلدية سوق الجمعة في طرابلس، السبت، دعوة للعصيان المدني، مطالبة بوقف عمل كافة المؤسسات والإدارات العامة، وداعية باقي المدن إلى الانضمام للحراك الشعبي، احتجاجًا على مقتل مواطنين برصاص القوات الموالية لحكومة عبد الحميد الدبيبة، وللمطالبة برحيلها، وتضامنت معها في الدعوة بلديات الزاوية، تاجوراء، وورشفانة، داعيةً إلى مظاهرات حاشدة في ميدان الشهداء ومناطق متفرقة من طرابلس، ضد حكومة الدبيبة، كما دعا حراك شباب الزاوية، بالتحرك تجاه العاصمة، بدعم من مدن الساحل الغربي، بهدف إسقاط الحكومة.

وذكرت وسائل إعلامية عربية، الأحد، أن عددًا من الطرق أقفلت في طرابلس، وأغلقت محلات تجارية أبوابها في معظم أحياء سوق الجمعة، وأن عددًا من فروع المصارف التجارية لم تباشر العمل اليوم، من بينها «الوحدة» و«المتوسط» و«مصرف التجارة والتنمية».

 

نوصي للقراءة: وسط الركام والقصف والجوع.. مصريون عالقون في غزة منذ عام ونصف

عمال مصريون تحت خط النار

في سبتمبر من العام الماضي، سافر محمد الشبراوي، إلى ليبيا عبر المنافذ الحدودية البرية، بعدما دفع مبلغًا قدره نحو 40 ألف جنيه مصري لمكاتب سمسرة وتوريد عمالة، ليعمل في شركة أغذية بعد أن يأس من إيجاد فرصة عمل تدر عليه دخلًا كافيًا لتوفير حياة كريمة لأسرته، بعدما فقد وظيفته في إحدى دول الخليج، وخصصت له الشركة التي يعمل بها، سكنًا مع عدد من العمال المصريين والسودانيين بمنطقة أبو سليم في طرابلس، إلا أنهم تفاجئوا في يوم الاثنين الماضي، بحدوث إطلاق نار كثيف واشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة تدور في الشوارع المحيطة بالسكن.

كان محمد وزملائه يشعرون بالفزع وظنوا أنهم سيقتلون خلال حرب الشوارع، رغم اختبائهم داخل السكن، وحين لجأوا إلى إدارة الشركة التي يعملون بها، قامت بتوفير سكن آخر لهم في منطقة السراج بطرابلس، كونها بعيدة نسبيًا عن مناطق الاشتباكات، وساعدهم مواطنون ليبيون على الخروج من السكن والانتقال إلى منطقة السراج وسط أجواء عنيفة وانفلات أمني.

يقول إلى زاوية ثالثة:

“كنا نقيم في منطقة أبو سليم معقل سيطرة عبد الغني الككلي وقواته، التي انطلقت منها الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة، ولم نكن آمنين داخل السكن، إذ أن هناك مدنيين أصيبوا أو قتلوا داخل منازلهم بعد طالتهم القذائف بالخطأ، وحين انتقلنا إلى منطقة السراج أصبحنا نسمع أصوات الانفجارات عن بعد، ورغم توقف الاشتباكات بعد نحو يومين فإن الأوضاع ليست مستقرة، تزامنًا مع المظاهرات في ميدان الشهداء بطرابلس، المطالبة باستقالة الحكومة الوطنية”.

ويدعو محمد الخارجية المصرية للاهتمام بأوضاع العمال المصريين في ليبيا كما اهتمت بالرياضيين المصريين وقامت بإعادتهم إلى مصر، موضحًا أنه والعديد من العمال المصريين يواجهون مشكلة أخذ إدارات الشركات لجوازات سفرهم كضمان في حال أخلوا بالاتفاقيات المالية أو قاموا بتبديد عهدة لديهم من الشركات، إضافة لكون غالبية العمال المصريين الذين دخلوا إلى ليبيا عبر المنافذ البرية لا تمنح لهم إقامة شرعية داخل البلاد، لذا تصبح مصائرهم معلقة بيد أصحاب الأعمال.

حالة الرعب نفسها يعيشها رضا خالد، العامل المصري بإحدى شركات الكهرباء الخاصة، المقيم بمنطقة أبو سليم في طرابلس، في سكن عمالي مع عدد العمال المصريين والسودانيين، إذ وجدوا أنفسهم عالقين وسط الاشتباكات العنيفة مدة يومين، الأمر الذي جعلهم يختبئون داخل السكن، ولكن بحلول نهاية اليوم الثاني كان المؤن الغذائية قد نفذت لديهم، ودفعهم الشعور بالجوع إلى الخروج، للبحث عن طعام يشترونه، لكن الحي بدا كأنه مسكون بالأشباح.

يقول إلى زاوية ثالثة:

” كنا نشعر بالجوع ولم نأكل شيئًا يوم الأربعاء الماضي، وحين خرجنا لشراء طعام كانت جميع المحلات التجارية والمخابز مغلقة، وأشفقت علينا جارة ليبية فقدمت لنا طعامًا من بيتها، وبعد توقف الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة كانت هناك تظاهرات في ساحة الشهداء، إلا أنه في مساء الجمعة حدثت أعمال عنف وتم قطع شبكة الإنترنت، ففقدنا الاتصال بالعالم الخارجي وسمعنا أصوات إطلاق النار من حولنا بمنطقة أبو سليم، وقضينا الليلة في بيوتنا ونحن نشعر بالرعب”.

ويتفق رضا في الرأي مع محمد الذي يرى أن وزارة الخارجية المصرية لم تعط الاهتمام نفسه الذي أعطته لسلامة الرياضيين المصريين والذين قامت بإعادتهم إلى مصر على وجه السرعة، إلى العمال المصريين الذين يعملون في ليبيا، إلاّ أنه على النقيض من محمد يرغب في التأني في قرار العودة إلى مصر آملًا أن تهدأ الاضطرابات في طرابلس، لارتباطه بالتزامات مادية تتعلق باستعدادات الزواج.

و لقى عامل مصري حتفه، في 14 مايو الجاري، متأثرًا بإصابته بقذيفة سقطت على مدينة جنزور الساحلية شمال غرب ليبيا، في العاصمة الليبية طرابلس، بحسب ما أكد، علي السيد، ممثل الجالية المصرية في ليبيا وممثل الاتحاد العام للمصريين في الخارج، في تصريحات إعلامية، وطبقًا لمصدر من الجالية المصرية في ليبيا، تحدث إلى زاوية ثالثة، فإن عاملًا مصريًا يدعى علاء عادل الجزار، قد لقى حتفه إثر تلقيه إصابة بالرصاص الحي، بالقرب من الكوبري الحديدي سابقًا، أثناء عمله بمشروع الطريق الدائري الثالث، في طرابلس.

وبحسب تقديرات لمنظمة الدولية للهجرة لعام 2022، فإنه يوجد 144,543 مهاجراً مصرياً في ليبيا، وهو ما يمثل 21% من إجمالي عدد المهاجرين في البلاد وثاني أكبر حصة بين جميع الجنسيات بعد النيجيريين.

 

نوصي للقراءة: أحلام الهجرة: مسارات خطرة يقطعها أطفال من الريف المصري

تشكيل غرفة عمليات

دعت وزارة الخارجية المصرية جميع الأطراف إلى التزام أقصى درجات ضبط النفس، وإعلاء مصالح الشعب الليبي والحفاظ على مقدراته وممتلكاته، في بيان لها، نشرته في 17 مايو الجاري، مؤكدة على أهمية قيام المواطنين المصريين المتواجدين في ليبيا بتوخي أقصى درجات الحذر والتزام منازلهم لحين استجلاء الأوضاع، واستمرار التواصل مع السفارة المصرية في طرابلس وغرفة العمليات التي شكلتها وزارة الخارجية والمصريين في الخارج لتلقي أية استفسارات أو طلبات. 

ويُبيّن السفير صلاح عبد الصادق، مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية والمصريين في الخارج سابقًا، إلى زاوية ثالثة، أنه تم تشكيل وزارة الخارجية المصرية لغرفة عمليات، تعمل على مدار الساعة، منذ اندلاع الأحداث، لبحث تطورات الأوضاع ومتابعة تداعياتها على أبناء الجالية المصرية في ليبيا، والتباحث بشأن الإجراءات التي سيتم اتباعها للحفاظ على سلامتهم، بالتنسيق مع أجهزة الدولة، مشيرًا إلى احتمالية أن تتدخل السلطات المصرية لإجلائهم حال خرجت الأمور عن السيطرة، كما قامت بإعادة آلاف الطلاب المصريين الذين كانوا يدرسون في الجامعات الأوكرانية والطلاب المصريين الذين كانوا في الجامعات السودانية.

ويوضح مساعد الوزير السابق أن هناك أعداد كبيرة من الشباب المصريين الذين يعملون في ليبيا أو يدرسون بها، وأن هناك أسر بأكملها تعيش هناك لارتباطها بعلاقات زواج ومصاهرة، أو لقيام رب الأسرة العامل في ليبيا باستقدام أسرته للعيش معه، لافتًا إلى أن غالبية المصريين يعيشون في المناطق الشرقية من ليبيا، التي يوجد تمثيل دبلوماسي بينها وبين مصر، إلا أن المناطق الغربية الواقعة تحت سيطرة حكومة عبد الحميد الدبيبة، منتهية الصلاحية، والميليشيات التي يدين معظمها بالولاء للدبيبة، عمدت إلى جذب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة المصرية للعمل في تلك المناطق، عبر تقديم أجور عالية.

فيما يرى السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة ومساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الموقف في ليبيا لن يتجه للتهدئة إلا إذا تم تقديم تنازلات من رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، عبر انسحابه وتشكيل حكومة مؤقتة، أما إذا أصر على البقاء وحشد المليشيات الموالية له سيتصاعد الموقف، مبينًا أن المعاناة التي يعيشها المصريين في ليبيا، منذ اندلاع الاشتباكات لا تنفصل عن معاناة سكان طرابلس بشكل عام، لذا دعاهم بيان وزارة الخارجية بالبقاء في منازلهم خلال فترة الاضطرابات وأخذ الحذر، وذلك لحين اتضاح ما ستسفر عنه الأمور، خلال الأيام المقبلة، مؤكدًا أن الأوضاع الملتهبة إذا استمرت فإن السلطات المصرية ستتدخل لإعادة المصريين الراغبين في العودة، الذين تعد حياتهم في خطر.

ويوضح الدبلوماسي المصري أن مصر افتتحت سفارة لها في العاصمة طرابلس عند تشكيل حكومة عبد الحميد الدبيبة، ولكن حدثت خلافات فظلت السفارة ما زالت تعمل على مستوى قائم بالأعمال بالإنابة، كما توجد قنصلية مصرية في بني غازي، وتسعى مصر مع أطراف عربية وأوروبية والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق للتهدئة والتوجه نحو الانتخابات في شرق وغرب ليبيا، لافتًا إلى أن الحكومة الليبية في حالة شلل بعد استقالة 7 وزراء، وأنه أصبح من الضروري تشكيل حكومة وحدة ليبية وتجنب سيناريو التقسيم لكون الموارد البترولية تتركز في الشرق بينما المصانع والأنشطة الاقتصادية تتركز في الغرب.

 

نوصي للقراءة: قوانين توريث الإناث معطلة بأعراف الذكور في ليبيا

تحركات برلمانية

عقب تصاعد الأحداث الأمنية في ليبيا، تقدم د. فريدي البياضي، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي للشئون الخارجية، الأحد، بسؤال برلماني عاجل إلى وزير الخارجية، طالب فيه بتوضيح الإجراءات المتخذة لحماية المواطنين المصريين المقيمين في ليبيا، والتحقق من صحة ما نُشر من أنباء تفيد بتعرض بعضهم لإصابات أو اعتقالات خلال الاشتباكات المسلحة الأخيرة في العاصمة طرابلس، متسائلًا عن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الخارجية لضمان سلامة المواطنين المصريين المقيمين في ليبيا، استنادًا إلى المادة 88 من الدستور المصري، التي تلزم الدولة بحماية حقوق المصريين المقيمين في الخارج وكفالة رعايتهم وحمايتهم.

وطالب النائب، وزير الخارجية بتوضيح الإجراءات العاجلة التي اتُخذت لتأمين حياة المصريين في المناطق المتوترة داخل ليبيا، والإعلان عن خطة الوزارة للتعامل مع أي تطورات، بما في ذلك الإجلاء إذا لزم الأمر، وبيان آليات التواصل المفعّلة حاليًا بين السفارة المصرية في طرابلس والجالية المصرية هناك، والإفصاح عن حقيقة ما تردد من أنباء صحفية ومرئية تفيد بتعرض بعض المواطنين المصريين لإصابات، بل وادعاءات باعتقال البعض الآخر خلال الأحداث الأخيرة، وما إذا كانت الوزارة قد تحققّت من صحة هذه المعلومات، وما تم اتخاذه من إجراءات بشأنها، وتحديد عدد المواطنين المصريين المتواجدين حاليًا في المناطق المتضررة، وخطة الوزارة لحمايتهم وضمان حقوقهم وسلامتهم.

وفي تصريحات إلى زاوية ثالثة أفاد النائب د. فريدي البياضي، أن ليبيا أصبحت مسرحًا لصراعات قوى أجنبية تشعل الأحداث من حين لآخر، وأن استقرار الأوضاع الأمنية بها أمر ضروري بالنسبة إلى مصر، مؤكدًا أن دور السلطات المصرية أن تتخذ خطوات لحماية حياة مواطنيها المتواجدين في ليبيا، و إعادتهم إلى مصر حال تطلب الأمر ذلك.

وتزامنًا مع اتساع رقعة العصيان المدني في طرابلس والاستقالات الجماعية التي ضربت حكومة عبد الحميد الدبيبة، فإن الأوضاع في العاصمة الليبية لا تزال على صفيح ساخنة، منذرةً باحتمالية تجدد الاشتباكات الدامية وتأزم الموقف، كما يرى دبلوماسيون وسياسيون وبرلمانيون، وفي تلك الأثناء يعيش أبناء الجالية المصرية أوضاعًا معيشية صعبة نتيجة الأحداث الراهنة، وسط مخاوف من تعرض حيواتهم للخطر، حال عاد الاقتتال في شوارع طرابلس مرة أخرى، ومناشدات من طلاب وعمال وأهالي لوزارة الخارجية المصرية، بإعادتهم إلى مصر.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search