امتنع المحامون اليوم الثلاثاء، عن التعامل مع ” الخزينة” في جميع محافظات مصر لمدة يوم واحد، اعتراضًا على زيادة رسوم الخدمات المميكنة، وذلك امتثالا لقرار النقابة العامة، في خطوة تصعيدية أعقبت احتجاجات أمام مقار النقابات الفرعية أمس الإثنين.
ونظّمت نقابات المحامين الفرعية في مختلف محافظات مصر، أمس الإثنين، وقفات احتجاجية أمام مقار المحاكم على اختلاف درجاتها، تعبيرًا عن رفضها لقرار رؤساء محاكم الاستئناف بزيادة الرسوم القضائية والمقابل النقدي نظير الخدمات المقدمة من المحاكم.
وشارك في الوقفات الاحتجاجية محامون من عدد من النقابات الفرعية، بينها الشرقية، جنوب الجيزة بمحكمة الصف، جنوب القليوبية، شمال الجيزة، دمياط، جنوب الجيزة بمحكمة 6 أكتوبر، شرق طنطا، جنوب الدقهلية، والوادي الجديد، احتجاجًا على القرار الذي وصفوه بأنه يشكل عبئًا إضافيًا على المتقاضين ويؤثر على حق التقاضي.
تأتي الخطوات التصعيدية امتثالاً لقرارات الاجتماع المشترك بين أعضاء مجلس النقابة العامة ونقباء الفرعيات، برئاسة النقيب العام عبد الحليم علام، وذلك لمواجهة القرار الصادر من مجلس رؤساء محاكم الاستئناف بفرض رسوم تحت مسمى مقابل خدمات مميكنة. وواجه قرار زيادة رسوم التقاضي في المحاكم المصرية اعتراضات واسعة من قبل المحامين والحقوقيين، إذ وصفوها بالمخالفة للدستور والقانون.
ونبهت النقابات الفرعية على كافة أعضائها بضرورة الالتزام بكافة قرارات النقابة العامة الصادرة عن الاجتماع المشترك بين مجلس النقابة العامة ونقباء الفرعيات بشأن أزمة الرسوم القضائية، والمشاركة في تنفيذ القرارات تعبيراً عن الرفض التام لفرض الرسوم غير القانونية.
نوصي للقراءة: في طريق العودة أُغلق الوطن: شهادات عن التيه القسري لمحامين حقوقيين مصريين

رسوم التقاضي تهدد العدالة
قالت عزيزة الطويل، المحامية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن المحامين فوجئوا مع مطلع شهر أبريل الجاري، عقب عطلة عيد الفطر، بإصدار عدد من محاكم الاستئناف بيانات رسمية تقضي بمضاعفة رسوم “الخدمات المميكنة” بنسب بلغت نحو 500%.
وأوضحت الطويل، في حديث إلى “زاوية ثالثة”، أن هذه الزيادات أضافت عبئًا ماليًا ضخمًا يقيد قدرة المواطنين على اللجوء إلى القضاء، مشيرة إلى أن الرسوم التي كانت تتراوح سابقًا بين 100 و200 جنيه، ارتفعت في بعض الحالات إلى قرابة 5000 جنيه، الأمر الذي دفع المحامين إلى الوقوع بين خيارين: إما الإخلال بواجبهم المهني بعدم تقديم “الحافظة” — وهي المستندات الداعمة لدعاوى الموكلين — أو تحميل موكليهم أعباء مالية قد تثنيهم عن استكمال إجراءات التقاضي.
وأضافت أن الأسابيع الماضية شهدت حالة من الارتباك داخل أروقة المحاكم، مع رفض بعض الدوائر القضائية استلام الدعاوى غير مكتملة المستندات، مما أدى إلى تعطيل المحامين عن أداء واجباتهم وأعاق سير العدالة.
وأشارت الطويل إلى أن نقابة المحامين، لمواجهة هذا الوضع، اتجهت إلى التصعيد بقرار الامتناع عن سداد الرسوم القضائية في أيام محددة، ما دفع بعض رؤساء محاكم الاستئناف إلى خفض جزء من الزيادة، غير أن الرسوم ظلت مرتفعة بنحو ملحوظ، خاصة في ظل تصاعد معدلات التضخم وانخفاض دخول المواطنين. وشددت على أن الغالبية الساحقة من المواطنين الذين يلجأون إلى القضاء لا يملكون سوى حقهم الدستوري في التقاضي، وهو ما صار مهددًا بفعل هذه الرسوم الباهظة، بما ينعكس على الحق في الدفاع.
وبيّنت الطويل أن النقابة قررت تصعيد خطواتها الاحتجاجية، إذ نُظّمت بالأمس وقفات أمام المحاكم، واليوم بدأ المحامون في الامتناع عن سداد الرسوم في جميع خزائن المحاكم الابتدائية والكُلية، بعدما كان الامتناع قاصرًا على محاكم الاستئناف خلال الأسبوعين الماضيين. كما لفتت إلى أن عددًا من المحامين اتجهوا إلى المسار القضائي، عبر تقديم طعون أمام محاكم القضاء الإداري لإلغاء الزيادات باعتبارها قيدًا جسيمًا على ممارسة حق التقاضي.
وفي السياق ذاته، تقدم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في 10 أبريل الجاري بطعن أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، طالب فيه بإلغاء القرار الصادر عن المستشار رئيس محكمة استئناف القاهرة بزيادة المقابل النقدي نظير عدد من الخدمات القضائية.
وبيّن المركز، عبر الطعن الذي قدمه المحامون مالك عدلي، وخالد الجمال، وسامح سمير، ووائل غالي، أن القرار المطعون فيه فرض زيادات على 33 خدمة قضائية، من بينها عرائض التجديد من الشطب، والتعجيل من الوقف، والتجديد من النقض، وتصحيح شكل الاستئناف، وإدخال الخصوم، ومراجعة حوافظ المستندات، وإجراءات الإعلان وإعادة الإعلان، واستخراج الصور الرسمية للأحكام وتقارير الخبراء.
وأكد المركز أن فرض هذه الرسوم تم دون أي سند قانوني، إذ اشترط سداد مبالغ مالية مقابل الخدمات لضمان استكمال إجراءات التقاضي، في انتهاك صريح للمادة (68) من الدستور، التي تنص على أن “التقاضي حق مصون ومكفول للكافة”. كما أشار إلى أن قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 لا يخوّل رئيس المحكمة سلطة فرض رسوم جديدة أو تعديلها.
واعتبر المركز أن القرار يمثل مخالفة قانونية واضحة، ويحمّل المتقاضين أعباء إضافية لا مبرر لها، بما يقوّض مبدأ العدالة الناجزة والمساواة أمام القضاء.

نوصي للقراءة: رفع رسوم التقاضي في مصر.. دعوى قضائية تتهم الحكومة بـ«الغدر»
رسوم بلا سند دستوري
قال ياسر سعد، المحامي بالنقض، إن أصل الأزمة الراهنة في ملف الرسوم القضائية يرتبط بكيان غير قانوني يُعرف باسم “مجلس محاكم الاستئناف”، أُنشئ عام 2008 بعد اتفاق عدد من رؤساء محاكم الاستئناف على تشكيله، وبدأ منذ ذلك الحين في إصدار قرارات تتعلق بالشؤون العامة للمحاكم، من بينها فرض رسوم إضافية على الخدمات القضائية، رغم افتقاره لأي سند قانوني. وأشار إلى أن القضاء الإداري سبق أن قضى في 2 ديسمبر 2008، في الدعوى رقم 5351 لسنة 62 ق، بوقف تنفيذ قرار إنشاء هذا المجلس، معتبرًا أنه لا يتمتع بأي صفة شرعية.
وأوضح سعد أن رئيس كل محكمة استئناف يملك صلاحيات إدارة المحاكم الواقعة ضمن ولايته، سواء كانت ابتدائية أو استئنافية، وله اتخاذ القرارات المرتبطة بتسيير العمل داخل نطاق اختصاصه فقط، غير أن “مجلس محاكم الاستئناف” تجاوز هذه الصلاحيات وتدخل في قرارات تنظيمية عامة تمسّ جميع المحاكم، الأمر الذي رفضته محاكم القضاء الإداري في أحكامها، مؤكدة أن هذا الكيان لا يختلف في طبيعته عن “نادي القضاة”، أي أنه مجرد كيان خدمي لا يتمتع بسلطة تنفيذية أو تشريعية.
ولفت سعد إلى أن بعض المحاكم كانت تفرض رسومًا رمزية في وقت سابق تحت ذريعة تطوير مرافقها، لكن ذلك شكّل مخالفة دستورية، لأن النصوص القانونية تُلزم بضرورة صدور قانون صريح لفرض أي رسوم أو ضرائب.
وأضاف أن الرسوم الحالية باتت تُثقل كاهل المتقاضين، إذ تجاوز رسم الورقة الواحدة في بعض المحاكم 30 جنيهًا، سواء كانت القضية تستوجب رسومًا أم كانت من الدعاوى المعفاة مثل قضايا الأسرة والعمال. ومع إدخال نظام “الورق المُميكن”، فُرضت رسوم إضافية تُحسب على كل ورقة تقدم إلى المحكمة، دون النظر إلى طبيعة الدعوى أو موضوعها، تحت مبرر تحديث النظام الإداري.
وأشار إلى أن ما يفاقم الأزمة هو ترك تحديد قيمة الرسوم لكل محكمة على حدة، وهو ما يُنذر بوقوع خلافات متكررة بين المحامين وموكليهم، ويفتح المجال لتمييز اقتصادي واضح بين المتقاضين. واختتم سعد حديثه بالقول: “هذا المسار سيؤدي في النهاية إلى تحويل ساحات القضاء إلى فضاءات حكر على الأغنياء، بينما يُحرم غير القادرين من ممارسة حقهم في التقاضي والدفاع عن أنفسهم، وهو أمر يناقض جوهر العدالة الاجتماعية ومبادئ الدستور”.
أعلن عمرو الخشاب، عضو مجلس نقابة المحامين، في تصريح إلى “زاوية ثالثة”، عن تنظيم مؤتمر صحفي موسّع يوم السبت 4 مايو 2025، بمقر النقابة العامة بشارع رمسيس، للإعلان عن الخطوات التصعيدية التالية ضد قرار زيادة الرسوم القضائية الذي أصدره رؤساء محاكم الاستئناف.

وأوضح أن المؤتمر يتضمن دعوة عامة لانعقاد جمعية عمومية شاملة للمحامين من مختلف المحافظات، بمقر النقابة بمنطقة وسط البلد، مؤكدًا أن مطلب النقابة الأساسي يتمثل في إلغاء القرار بالكامل، لا الاكتفاء بتعديله، واصفًا إياه بأنه “غير قانوني وغير دستوري” وينطوي على “تعسف واضح”.
وأشار الخشاب إلى أن النقابة توجّه نداءً عاجلًا إلى رئيس الجمهورية للتدخل، معتبرًا أن ما يجري يمثّل تغولًا من السلطة القضائية على اختصاصات السلطة التشريعية، الأمر الذي يستوجب موقفًا حاسمًا من رأس الدولة لحماية مبدأ الفصل بين السلطات، وضمان الحق الدستوري في التقاضي.
وكشف أن الجمعية العمومية المرتقبة ستبحث تصعيدات جديدة، من بينها الدعوة إلى إضراب عام للمحامين إذا استمر تجاهل المطالب، مشددًا على أن الاحتجاجات ستتواصل حتى صدور قرار رسمي بإلغاء الرسوم الجديدة بشكل كامل.
في السياق نفسه، وجّه حزب الوفد نداءً مماثلًا إلى رئيس الجمهورية للتدخل العاجل، منتقدًا الرسوم التي تم إقرارها تحت مسمى “مقابل خدمات مميكنة وتطوير”، معتبرًا إياها عبئًا غير مبرر على المواطنين، وخرقًا للحق في التقاضي. ودعا الحزب إلى إلغاء الرسوم بالكامل، مؤكدًا ضرورة إيجاد حلول تح��ظ استقلال القضاء دون المساس بحقوق المتقاضين.
من جانبه، تقدم النائب سليمان وهدان، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، اعتراضًا على الزيادات الأخيرة في رسوم رفع الدعاوى القضائية، محذرًا من أن هذه الزيادات تُمثل تهديدًا مباشرًا للحق الدستوري في التقاضي، ومطالبًا الحكومة بإيجاد بدائل تمويلية تحفظ هذا الحق.
وفي الاتجاه ذاته، دعا النائب أشرف أمين الحكومة إلى إلغاء الرسوم المفروضة من محاكم الاستئناف على عدد من الإجراءات القضائية، محذرًا من أن استمرار زيادات الرسوم تحت غطاء “التحول الإلكتروني” يُفرغ مبدأ التقاضي من مضمونه، ويضاعف الأعباء الاقتصادية على المواطنين.
ويُذكر أن مجلس النقابة العامة للمحامين كان قد أعلن، في 8 مارس الماضي، رفضه الكامل لتلك القرارات، وهدّد بوقف التعامل مع خزائن المحاكم على مستوى الجمهورية كخطوة أولى، مؤكدًا أن موعد بدء الإجراء سيتم الإعلان عنه لاحقًا.
نوصي للقراءة: غياب الرقابة.. من يجرؤ على مساءلة لجان التحفّظ على الأموال؟
رسوم تكرّس التمييز الطبقي
وصل الخلاف القانوني بشأن زيادة رسوم التقاضي إلى ساحة القضاء، حيث تقدم عددٌ من المحامين بدعوى جنحة مباشرة ضد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ووزير العدل المستشار عدنان فنجري، إلى جانب رؤساء المحاكم الذين أصدروا قرارات الزيادة الأخيرة، موجهين إليهم تهمة “الغدر” وفقًا لما تنص عليه المادة (114) من قانون العقوبات المصري. وتنص هذه المادة تحديدًا على أنه: «كل موظف عام له شأن في تحصيل الضرائب أو الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقًا أو ما يزيد على المستحق، مع علمه بذلك، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن»، وهو ما استند إليه المحامون في دعواهم، معتبرين أن فرض الزيادات الجديدة في الرسوم القضائية يُمثّل تحصيلًا لمبالغ مالية تزيد عن الحدود القانونية والدستورية المستحقة.
في تصريحات سابقة أدلى بها عدد من القضاة والخبراء القانونيين لـ«زاوية ثالثة»، وصف المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض السابق، الزيادات الأخيرة في الرسوم القضائية بأنها “معيبة” وتشكل “انتهاكًا صارخًا” لمبادئ الدستور، خصوصًا المادة (97) التي تنص على أن “التقاضي حق مصون ومكفول للجميع، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي وتسهيل إجراءاتها”. واعتبر دربالة أن تلك الزيادات فرضت “حاجزًا ماليًا هائلًا” يحول دون وصول المواطنين إلى قاضيهم الطبيعي.
وأشار إلى أن القرارات تكرّس التمييز بين المواطنين على أساس القدرة المالية، في مخالفة صريحة للمادة (53) من الدستور، التي تنص على المساواة أمام القانون. وأكد أن هذه السياسة تُقصي قطاعًا واسعًا من المتقاضين بسبب التكلفة المرتفعة، وتحرمهم فعليًا من حقهم في اللجوء إلى القضاء. واعتبر أن التداعيات المجتمعية ستكون خطيرة، إذ قد يلجأ المواطنون إلى تجنّب القضاء والبحث عن بدائل خارجه، مطالبًا بالتراجع الفوري عن هذه الزيادات وتعزيز استقلال القضاء، بما يضمن أن يبقى حق التقاضي متاحًا للجميع، لا امتيازًا للطبقات المقتدرة فقط.
وفي السياق ذاته، قال ناصر أمين، رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، لـ«زاوية ثالثة»، إن هذه القرارات تمثل “انتهاكًا غير مسبوق” للدستور والقانون، لا سيما المبدأ القاطع الذي ينص على أنه “لا رسوم ولا ضرائب إلا بقانون”. واعتبر أن ما تقوم به وزارة العدل وبعض المحاكم والنيابات يمثل خرقًا لهذا المبدأ، مؤكدًا أن ما يُجمع من المواطنين بموجب هذه القرارات هو “جباية” تم تحصيلها “بالغدر”، وتشكل، بحسب وصفه، “جريمة قانونية واضحة”.
وأضاف أمين أن هذا التوجه ليس جديدًا، بل يندرج ضمن سياسة أوسع اتبعتها الدولة على مدار عقد كامل، تهدف إلى تقليص التزاماتها في تقديم الخدمات الأساسية، ومن ضمنها خدمات التقاضي. وأكد أن الدولة ملزمة، بموجب الدستور والمواثيق الدولية، بضمان وصول المواطنين إلى العدالة دون عوائق مادية. وكشف أن المركز بصدد إقامة جنحة مباشرة أمام المحاكم المصرية، يتهم فيها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ورؤساء المحاكم الموقّعين على هذه القرارات، بجريمة “الغدر” وفقًا للمادة (114) من قانون العقوبات، التي تعاقب بالسجن أو الأشغال الشاقة المؤقتة كل موظف عام يتعمد فرض رسوم غير مستحقة.