من يتحمل مسؤولية معاناة مرضى مركز هرمل للأورام بعد الخصخصة؟

“كل ما نريده هو معاملة آدمية للمرضى. لا أطيق الوقوف طويلًا في الشمس بعد جلسات الكيماوي.”
Picture of آية ياسر

آية ياسر

منذ مطلع مارس الماضي، بدأت تظهر ملامح أزمة جديدة في مركز هرمل لعلاج الأورام (دار السلام سابقًا)، وذلك بعد توقيع اتفاقية بين الحكومة المصرية وشركة “إليفات برايفت أكويتي” بالشراكة مع المركز الفرنسي للأورام “جوستاف روسيه الدولي”، لنقل إدارة المستشفى للقطاع الخاص وفقًا لقانون منح التزام المرافق العامة الجديد، ما أثار قلقًا كبيرًا بين المرضى حول استمرار العلاج المجاني وخدمات العلاج على نفقة الدولة.

تروي سعاد (اسم مستعار)، خمسينية تعاني سرطانًا تفشى في الثدي والكبد، تجربتها بعد التغير الأخير في إدارة المستشفى، إذ كانت تتلقى جلسات العلاج الكيماوي منذ أربع سنوات في مركز هرمل، هروبًا من زحام معهد الأورام. لكنها صدمت مؤخرًا بعدم السماح لها بالدخول، وأُجبرت على الانتظار لساعات طويلة في الشارع تحت أشعة الشمس، ما تسبب بفقدانها الوعي نتيجة إصابتها بضغط في فقرات العمود الفقري، ونُقلت للطوارئ. تقول لـ زاوية ثالثة: “كل ما نريده هو معاملة آدمية، لا أطيق الوقوف في الشمس بعد جلسات الكيماوي التي أنهكتني”.

تتكرر المعاناة مع حنان (اسم مستعار)، التي انتقلت للعلاج في مركز هرمل بسبب سوء المعاملة التي تلقتها في مستشفيات أخرى. لكن حنان تفاجأت مؤخرًا بنفس الأزمة؛ إذ رفض الموظفون السماح لها باستخدام دورة المياه داخل المستشفى، وأجبروها على الانتظار بالخارج على كراسي معدنية غير مريحة، ما زاد من آلامها كونها مصابة بسرطان في عظام الحوض. كما لم تتلقَ كل الأدوية الموصوفة لها بحجة عدم توفرها حاليًا، مطالبة بحقوق المرضى في العلاج والكرامة.

يشكو محمد، والد طفل مصاب بسرطان الدم الحاد (اللوكيميا)، من تدهور ملحوظ في الخدمات الطبية بمستشفى دار السلام للأورام خلال الشهور الثلاثة الأخيرة. يقول لـ”زاوية ثالثة” إن المستشفى يعاني من نقص متكرر في الأدوية الأساسية، وعلى رأسها دواء “بيوري نيثول” (Purinethol)، ما اضطره إلى شراءه من خارج المستشفى رغم تكلفته المرتفعة، لضمان استمرار علاج ابنه.

ويُستخدم هذا الدواء – كما يوضح محمد – في علاج حالات اللوكيميا الليمفاوية الحادة، إذ يعمل كمضاد للبيورين، ما يمنع تكوين الحمض النووي داخل الخلايا السرطانية، ويُعد أحد الأدوية الأساسية في بروتوكولات العلاج الكيماوي للأطفال.

ويضيف الأب أن الأزمة لا تقتصر على نقص الدواء فقط، بل تمتد إلى تراجع القدرة الاستيعابية للمستشفى؛ فقد انخفض عدد الأسرة المخصصة لعلاج الأطفال، كما شهدت الأطقم الطبية تغييرات واسعة، مع رحيل عدد من الأطباء والممرضين، ما انعكس سلبًا على انتظام الخدمة.

وأشار محمد إلى أن المستشفى توقف، منذ نحو أربعة أشهر، عن استقبال حالات جديدة من الأطفال المصابين بالسرطان، خاصة من المنتفعين بخدمات التأمين الصحي، الذين كانوا يلجؤون إلى دار السلام كبديل لمعهد الأورام ومستشفى 57357 هربًا من قوائم الانتظار الطويلة.

وفي ختام حديثه، دعا محمد وزارة الصحة والمؤسسات المعنية إلى التدخل العاجل، لإعادة فتح باب استقبال الحالات الجديدة وتوفير الأدوية الحيوية مجانًا للمرضى، مؤكدًا أن التراجع في الخدمة يهدد حياة كثير من الأطفال الذين لا يملكون بدائل علاجية أخرى.

في 20 مارس الماضي، نشرت الجريدة الرسمية قرار مجلس الوزراء المصري القاضي بمنح التزام إدارة وتشغيل وتطوير مستشفى دار السلام للأورام (المعروف سابقًا باسم “الهرمل”) إلى شركة “إليفات برايفت أكويتي”، بالشراكة مع المركز القومي الفرنسي للأورام “جوستاف روسيه الدولي”. وبموجب هذا القرار، تحوّل المستشفى إلى فرع تابع للمركز الفرنسي، تحت اسم “جوستاف روسي الدولي – مصر”، ضمن خطة الحكومة لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير الخدمات الصحية.

ويستند القرار إلى القانون رقم 87 لسنة 2024 بشأن تنظيم منح التزام المرافق العامة للمنشآت الصحية، وهو القانون الذي صدّق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في 23 يونيو 2024، وتم نشره في العدد 25 مكرر من ا��جريدة الرسمية. وتنص مواده على تنظيم إنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية العامة من خلال نظام الالتزام، بينما يُستثنى من تطبيق أحكامه مراكز ووحدات الرعاية الصحية الأساسية، ومراكز صحة الأسرة، وكذلك عمليات الدم وتجميع البلازما التي يحكمها القانون رقم 8 لسنة 2021، باستثناء ما يُعد من هذه العمليات خدمات مكملة.

إلا أن القانون الجديد أثار منذ صدوره جدلًا واسعًا في الأوساط الصحية والنقابية؛ إذ أعرب منتقدون عن مخاوف من أن يؤدي إلى تراجع الدور الاجتماعي للدولة في تقديم خدمات الرعاية الصحية المجانية، أو تقليص الدعم الحكومي الموجه للمرضى الفقراء، كما أثارت بعض بنوده تساؤلات حول مصير العاملين في المستشفيات التي تنتقل إدارتها إلى شركات خاصة.

في المقابل، يرى مؤيدو القانون أنه يفتح الباب أمام فرص استثمارية واسعة للمستثمرين المصريين والأجانب في القطاع الصحي، ويوفر للدولة إمكانات إضافية لتحديث البنية التحتية للمؤسسات الطبية، وتحسين مستوى الخدمة دون تحميل الموازنة العامة أعباء إضافية.

 

نوصي للقراءة: الحكومة تُقيد الحق في الصحة: لائحةٌ جديدة تُعيدنا إلى الوراء


المستشفى في مرحلة التسليم

يرى مسؤول سابق في مستشفى دار السلام للأورام، أن شكاوى مرضى السرطان المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ترتبط بمرحلة انتقالية تمر بها المستشفى، نتيجة الاتفاق الموقع بين وزارة الصحة المصرية ومعهد جوستاف روسيه الفرنسي. ويشير إلى أن هذه المرحلة تتطلب إعادة هيكلة شاملة، بموجبها غادر معظم أفراد الطاقم الطبي المستشفى، وعادوا إلى الأمانة العامة للمجالس الطبية المتخصصة، ليُعاد توزيعهم على مستشفيات حكومية أخرى، على أن يتبقى فقط نحو 25% من الطاقم سيتم تدريبهم لاحقًا على بروتوكولات العلاج الفرنسية المعتمدة داخل المعهد. كما سيتم الاستعانة بكوادر طبية جديدة من خارج المستشفى.

ويعزو المصدر توقف استقبال حالات جديدة من الأطفال المصابين بالسرطان، وكذلك من مرضى التأمين الصحي، إلى كون المستشفى يمر بمرحلة انتقالية تقتضي إعادة هيكلة إدارية وفنية، مؤكدًا أن الوضع الراهن مؤقت، وأن الأمور ستعود إلى طبيعتها تدريجيًا مع اكتمال عملية التسليم والتشغيل الجديدة.

ويضيف، في حديثه إلى “زاوية ثالثة”، أن مستشفى دار السلام يُعد من الصروح الطبية المهمة في مجال علاج سرطان الثدي وسرطان الدم، وكان يوفر خدمات علاجية متكاملة بالمجان، بما يشمل صرف الأدوية وخدمات العلاج الكيميائي والإشعاعي. ويرى أن الاتفاق مع معهد جوستاف روسيه يُعد خطوة استراتيجية واعدة، من شأنها تطوير بروتوكولات علاج الأورام، وتأهيل الكوادر الطبية، ونقل الخبرات إلى المستشفيات والمراكز المتخصصة في علاج السرطان بمصر، مشددًا على أن هذه الشراكة تحتاج إلى تعاون ودعم من جميع الأطراف لإنجاحها.

من جهته، أكد مصدر مسؤول في أمانة المراكز الطبية المتخصصة، في تصريحات إلى “زاوية ثالثة”، أن المستشفى حاليًا في مرحلة التسليم للإدارة الفرنسية، وأن العمل مستمر داخله بشكل طبيعي، وقد بدأ بالفعل تطبيق بروتوكولات معهد جوستاف روسيه، متوقعًا أن تنعكس هذه التغييرات إيجابيًا على مستوى الخدمات الطبية المقدمة خلال الفترة المقبلة.

ويقلّل المصدر من أهمية الشكاوى المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، نافيًا وجود أزمة حقيقية داخل المستشفى، وعازيًا الزحام الذي لاحظه البعض إلى وجود عدد كبير من مرافقي المرضى، وهو ما تسعى الإدارة الجديدة إلى تنظيمه عبر السماح بمرافق واحد فقط لكل مريض، حرصًا على منع انتشار العدوى بين المرضى ذوي المناعة الضعيفة، خصوصًا من متلقي العلاج الكيميائي.

 

صورة ملتقطة بعدسة الأهالي تظهر وقوف المرضى ومرافقيهم أمام بوابة المستشفى
صورة ملتقطة بعدسة الأهالي تظهر وقوف المرضى ومرافقيهم أمام بوابة المستشفى

 

وفقًا للعقد الموقَّع بين وزارة الصحة والسكان المصرية وشركة إليفات برايفت أكويتي، سيتم تشغيل المستشفى لمدة 15 عامًا، بهدف رفع كفاءة الخدمات الطبية وزيادة القدرة الاستيعابية من 154 سريرًا إلى 257 سريرًا، مع التزام الشركة بتخصيص 70% من الخدمات لمرضى التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة، على أن تدفع إليفات برايفت أكويتي نسبة 3% من إجمالي الإيرادات السنوية للحكومة، ولا تقل قيمة المساهمة عن 15 مليون جنيه سنويًا، مع زيادتها تدريجيًا اعتبارًا من السنة الرابعة للعقد، مع زيادة تدريجية لحصة الحكومة اعتبارًا من السنة الرابعة من تشغيل المستشفى.

وتتضمن الاتفاقية تطوير شامل للمستشفى، يشمل تحديث البنية التحتية الطبية، وتوفير أحدث المعدات والتقنيات، وبناء مبنى امتداد جديد للمستشفى، وإدارة المستشفى طبقًا لمعايير المعهد الفرنسي “جوستاف روسيه”، مع تحسين جودة الخدمات الطبية وتدريب الكوادر العاملة، وتحمل التكاليف التشغيلية والاستثمارية، في حين تلتزم وزارة الصحة والسكان، بتقديم الدعم اللوجستي واستخراج التراخيص اللازمة، والإشراف على التزام الشركة، بمعايير التشغيل والجودة.

 

نوصي للقراءة: قانون الخصخصة يهدد مستقبل الرعاية الصحية بمصر

محاولة لطرد المرضى

يُبيّن محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، أن قانون التزام المنشآت العامة رقم 87 لسنة 2024، من شأنه طرح بعض المستشفيات أمام القطاع الخاص ليقوم بتشغيلها لمدة 15 سنة، وبدأت الحكومة في تلك الخطة بمستشفى مبرة المعادي، ثم مركز أورام دار السلام (هرمل)، الذي سبق أن أنفقت على إنشاؤه وتطويره أموالًا طائلة وكان يتلقى دعمًا كبيرًا من مؤسسات المجتمع المدني، وكان يضم قسمًا لعلاج الأطفال وقسمًا للعلاج الاقتصادي، لافتًا إلى أن الأمر لم يتم عرضه على مجلس النواب، ولم يتم الكشف عن تفاصيل العقد الموقَّع بين وزارة الصحة والسكان المصرية وشركة إليفات برايفت أكويتي، والتي ليست لها سابقة أعمال في القطاع الصحي بمصر، لضمان وجود الدور الرقابي لوزارة الصحة والتأكد من عدم تأثر الخدمات التي يحصل عليها المرضى.

ويحكي مدير المركز أن المرضى تفاجئوا الأسبوع الماضي، بعدم السماح بدخولهم إلى المستشفى، وإدخال فقط 50 شخص دفعة واحدة، على أن يتم السماح بدخول 50 آخرين بعد خروجهم، مما أدى لتكدس نحو 500 شخص من المرضى ومرافقيهم بالخارج، لعدة ساعات، بشكل عطّل حركة المرور، مما أدى للاستعانة بقوة من قسم شرطة مصر القديمة لتنظيم العملية.

صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر توقف حركة المرور بسبب تكدس  المرضى ومرافقيهم أمام المستشفى
صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر توقف حركة المرور بسبب تكدس  المرضى ومرافقيهم أمام المستشفى

يقول فؤاد لزاوية ثالثة: ” بعض الحالات قيل لهم اذهبوا إلى معهد الأورام أو مستشفى سرطان الأطفال 57357، والمرضى لاحظوا أسلوب معاملة طارد في المستشفى بعد انتقال إدارتها للقطاع الخاص، كي تنخفض أعداد حالات العلاج على نفقة الدولة في المستشفى، ويفسحوا المجال أمام الحالات الجديدة التي ستتلقى العلاج في القسم الاقتصادي وفقًا لأسعار جديدة تحددها الشركة التي تدير المستشفى، وذلك في وقتٍ يواجه فيه قطاع العلاج على نفقة الدولة مشكلات تتعلق بعدم تجديد قرار العلاج لحالات السرطان الانتشاري وبعض الأمراض النادرة، في حين تبني الحكومة المستشفيات من أموال دافعي الضرائب، وتعكف حاليًا على بناء نحو 14 مستشفى جديد، فهل تبنيها لمنحها للقطاع الخاص؟!”.

ويلفت فؤاد أن هناك العديد من الأطباء والتمريض في مركز دار السلام للأورام، قد أنهوا ارتباطهم أو دفعتهم الإدارة الجديدة لذلك، لأنها تريد فقط 25% من العمالة الموجودة بالمستشفى، وفقًا للعقد الموقع بينها وبين وزارة الصحة، والتي يفترض بها توزيع بقية الطاقم الطبي على مستشفيات أخرى، متسائلًا عن سبب عدم توقيع العقد بين الوزارة والمعهد الفرنسي “جوستاف روسيه” بشكل مباشر، ووجود الشركة كوسيط بينهما، سيتلقى أرباحًا نظير إدارته للمستشفى، لافتًا إلى أن الشركة كانت تدير جامعة نيو جيزة وتسببت إدارتها في مشكلات كثيرة.

ويضيف: ” التجربة جديدة من نوعها قد تتضمن إيجابيات مثل: تبادل الخبرات ونقل المعلومات وتطوير الإمكانيات التكنولوجية، إلا أنها ستحمل سلبيات ستتضح بمرور الوقت، وسيتم تكرار تجربة نقل إدارة المستشفيات للقطاع الخاص، مع مستشفى العجوزة ومستشفى هليوبوليس، والحكومة تتجه في الفترة الأخيرة إلى خفض الإنفاق على الصحة في إطار تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي، ويمثل تفريطها في المستشفيات الحكومية لصالح القطاع الخاص خطرًا كبيرًا يهدد الأمن القومي وحق المواطن في الصحة والذي نقص عليه الدستور، لاسيما أن هناك نحو 40 مليون مواطن لا يغطيهم التأمين الصحي.

فيما يوضح د. محمد حسن خليل، رئيس لجنة الحق في الصحة، إلى زاوية ثالثة، أن نسبة الأسرّة في المستشفيات الحكومية بمصر، هو 8 أسرّة لكل 10 آلاف مواطن، وهي نسبة تبلغ أقل من نصف المتوسط العالمي، وحين تمنح الحكومة إدارة المستشفيات لمؤسسات أخرى تابعة للقطاع الخاص؛ فإن ذلك من شأنه الاستقطاع من نسبة الأسرّة المتوفرة للمرضى في مصر، ويفاقم من أزمتها ويسبب حالة من التكدس في المستشفيات، معتبرًا أنه رغم كون المعهد الفرنسي غير هادف للربح، وأن العقد نص على تخصيص نسبة 70% من الأسرّة لحالات العلاج على نفقة الدولة، إلا أن الشركة الفرنسية لم تستحوذ على إدارة مركز السلام للأورام، كي تتعرض للخسارة المالية؛ كما أن القطاع الخاص حال حصوله على مستشفيات حكومية أخرى لن يقبل بالشروط نفسها، وسيكون الوضع أسوء من ذلك.

ويشير رئيس اللجنة أنه في ظل انهيار قيمة العملة المحلية فإن الأمر انعكس على صناعة الأدوية واستيرادها، وأدى إلى تضاعف أسعارها، وكان يفترض أن يتم تعويض الفجوة عبر زيادة المخصصات المالية للأدوية في التأمين الصحي، إلا أن الدولة ماضية في السياسات التقشفية وسياسات الخصخصة، بالتزامن مع تخفيض قيمة العملة ونقص الإنتاج المحلي للأدوية، وخاصة أدوية علاج السرطان.

وطبقًا لموقع رئاسة الجمهورية فقد بلغت تكلفة إنشاء مبنى الأورام بمستشفى دار السلام العام في محافظة القاهرة، نحو 235 مليون جنيه، وكان رئيس مجلس الوزراء الأسبق، قد افتتح في 16 أغسطس 2014، المستشفى الذي احتوى وقتئذٍ على خدمات الطوارئ والأشعة التشخيصية بكافة أنواعها، قسم معامل متكامل، و14 عيادة تخصصية ووحدة للغسيل الكلوي بسعة 8 ماكينات، وأربع غرف عمليات مج��زة ومزودة بـ31 سرير رعاية مركزة و84 سريراً داخلياً، ووحدة علاج لأمراض الدم تخدم العيادات الخارجية والعلاج الكيماوي بسعة 24 سريراً، وخدمة زرع النخاع بالإضافة إلى 18 سرير رعاية مركزة لمرضى الأورام، و 19 سريرًا داخلياً خاصاً بالأورام.

 

نوصي للقراءة:  تداعيات إلغاء تكليف الأطباء في مصر

قانون منح التزام المرافق العامة

يرى د. علاء غنام، مسؤول وحدة الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن مرضى الأورام السرطانية محقين في شكاويهم ومخاوفهم المتعلقة بالتغييرات التي طرأت على إدارة مستشفى دار السلام للأورام (هرمل)، باعتبار أن الاتفاقية التي وقعها وزارة الصحة والتي انتقلت بموجبها تبعية المستشفى إلى معهد جوستاف روسيه الفرنسي،  من شأنها التأثير على الخدمات العلاجية المقدمة للمرضى الذين ينتمون بالأساس إلى طبقات اجتماعية فقيرة، ولا يستطيعون توفير نفقات علاج مرض السرطان، المرتفعة للغاية، معتبرًا أن الأمر يعد خصخصة للمستشفى الحكومي الذي أنفقت الدولة مبالغ طائلة على عملية تطويره، ومستهجنًا عدم الكشف عن بنود الاتفاقية الموقعة أو عرضها على مجلس النواب، لمعرفة مدى الاستفادة التي ستعود على مصر ومرضى المستشفى نتيجة انتقال إدارتها إلى إدارة أجنبية.

ويؤكد غنام أن بروتوكولات علاج مرض السرطان معروفة في العالم كله، وأن مصر متطورة في علاج الأورام ولديها العديد من الكفاءات الطبية، متسائلًا عن سبب استعانة الحكومة المصرية بخبرات كوادر طبية أجنبية في الوقت الذي تشجع فيه على تصدير الكفاءات الطبية المصرية للخارج، ومعتبرًا أن هذا التناقض والتخبط في سياسات وزارة الصحة المصرية، تشير إلى وجود مأزق يتخطى قطاع الصحة ليكون بمثابة مأزق وطن بأكمله.

في حين يعتبر كريم طارق، الباحث في قضايا الصحة والتغطية الصحية الشاملة، أن حالات العلاج على نفقة الدولة في مصر، لا تتلقى العلاج بالكامل على نفقة الدولة وفقًا للمعايير العالمية للجودة والإتاحة الجغرافية ��مقبولية الخدمات من الجمهور، ويكون الخيار الأول للمرضى في مصر للقطاع الخاص ويليه المستوصفات والمستشفيات الخيرية، مما يعطي مؤشرًا حول جودة الخدمات المقدمة من المستشفيات الحكومية، في ظل وجود أزمة في الموارد البشرية بالقطاع الصحي، ناتجة عن هجرة الأطباء، إضافة إلى أزمة الموارد المادية المتمثلة في نقص الإمكانيات وقلة عدد الأسرّة في المستشفيات، في ظل التضخم والظروف الاقتصادية التي تحول دون مجاراة المعايير العالمية للصحة.

 ويشير الباحث، في تصريحات إلى زاوية ثالثة، إلى وجود العديد من التساؤلات التي طرحت في أعقاب إقرار قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، تتعلق بالرقابة على القطاع الخاص، لا سيما في ظل وجود مشكلات يعاني منها القطاع الصحي في مصر تتعلق بالحوكمة والتقييم والرقابة، وكون ذلك يأتي بالتزامن مع صدور قرار برفع أسعار تذاكر المستشفيات الحكومية وصرف دواء واحد على التذكرة، معتبرًا أن نجاح التجربة يتوقف على توفير المستثمرين للتدريب للعاملين في المستشفيات وتطوير أدائهم، وعدم خلق خلل إداري يؤثر على الخدمات المقدمة للمرضى.

من ناحيته يؤكد د. أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، إلى زاوية ثالثة، أن الاتفاقية الموقعة بين وزارة الصحة المصرية ومعهد جوستاف روسيه الفرنسي، تمت بموجب قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، الذي أقره البرلمان، وبالتالي لم تكن هناك حاجة إلى أن يتم عرض الاتفاقية على مجلس النواب قبل أن يعلن مجلس الوزراء عن توقيعها.

ويوضح رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، أن المستشفى الذي يضم عدد يتراوح بين 100 إلى 150 سرير لعلاج مرضى الأورام، قد انتقلت إدارته إلى معهد جوستاف روسيه الفرنسي، بغرض تطويره وتطبيق البروتوكول العلاجي الخاص به في مصر، بدلاً من أن يضطر المرضى للسفر للخارج لتلقي العلاج، معتبرًا أن ذلك لا يعد خصخصة للمستشفى، وداعيًا إلى إعطاء الفرصة للتجربة الجديدة من نوعها، والتي قد تحقق نجاحًا يؤدي إلى نقل الخبرات وتطوير بروتوكولات العلاج وإمكانية تعميم التجربة في مستشفيات أخرى.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه وزارة الصحة أن العقد الموقع بينها وبين شركة “إليفات برايفت أكويتي”، بالتعاون مع المركز القومي الفرنسي للأورام “جوستاف روسيه الدولي”، والمتعلق بمنح التزام إدارة وتشغيل وتطوير مستشفى دار السلام للأورام (هرمل سابقًا)، سيكون من شأنه إحداث تطوير شامل للمستشفى ورفع كفاءة الخدمات الطبية بها وزيادة القدرة الاستيعابية لها، فإن شكاوى المرضى تتواصل منذ الإعلان الرسمي عن التعاقد، بسبب التزاحم الشديد ونقص الأدوية وعدم السماح بإدخال حالات جديدة من الأطفال المصابين بالسرطان، ويأتي ذلك في وقتٍ يحذر فيه خبراء معنيون بالحق في الصحة من عواقب  قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية رقم 87 لسنة 2024، معتبرين أنه سيؤدي إلى خصخصة العديد من المستشفيات والمراكز الطبية، ويؤثر بالسلب على حالات العلاج على نفقة الدولة وينتقص من حصة المواطنين من الأسرّة في المستشفيات الحكومية، وسيزيد من الأعباء المادية عليهم نتيجة رفع أسعار خدمات الرعاية الصحية بتلك المستشفيات.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search