توزيع مدرسي يُبعد أطفالًا في الجيزة 100 كم عن مدارسهم

وزارة التعليم تسكّن آلاف أطفال الجيزة في مدارس قد تبعد نحو 100 كم عن منازلهم بسبب نقص الفصول، وسط شكاوى جماعية واستغاثات رئاسية.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

على مدار عامٍ كامل، انتظرت أماني محمود، المقيمة مع أسرتها في منطقة حدائق أكتوبر، قبول ابنها في إحدى المدارس الرسمية للغات، بعد أن قدمت ملفه عبر التنسيق الإلكتروني لمرحلة رياض الأطفال في يونيو 2024. كان عمره آنذاك خمس سنوات و18 يومًا في مطلع أكتوبر، ما جعله غير قادر على الانتظار حتى العام التالي، إذ كان سيتجاوز السادسة، متخطيًا السن الأقصى للقبول بالمدارس التجريبية. ورغم ذلك، أُدرج اسمه في المرحلة السادسة والأخيرة من التنسيق، باعتباره من الأصغر سنًا.

لكن، قبل أيام، فوجئت أماني، كغيرها من أولياء أمور هذه المرحلة، بقرار صادر عن مديرية التربية والتعليم في الجيزة، ينص على تسكين أبنائهم في مدارس بعيدة تمامًا عن محيط سكنهم. فقد تم قبول ابنها في مدرسة كفر حلاوة الابتدائية الحكومية (عربي)، الواقعة في قرية كفر حلاوة التابعة لمركز أطفيح، على بُعد 92 كيلومترًا من حدائق أكتوبر، وتستغرق الرحلة إليها بالسيارة أكثر من ساعتين.

وعند زيارتها للمدرسة، أُبلغت، كغيرها من أولياء الأمور، بضرورة تسديد مصروفات المرحلة الأولى من رياض الأطفال، رغم أن أبناءهم لم يلتحقوا بها، كما طُلب منهم توقيع إقرار بعدم نقل الطفل حتى انتهاء المرحلة الابتدائية، والتسجيل خلال 15 يومًا، وإلا يُلغى الطلب. وتتساءل أماني، عمّا إذا كانت وزارة التربية والتعليم تهدف لدفع أولياء الأمور نحو المدارس الخاصة، بدلًا من إرهاقهم بالوقت والجهد وتكاليف المواصلات اليومية من حدائق أكتوبر إلى أطفيح، خاصة في ظل إلزامية الحضور في المرحلة الابتدائية.

المعاناة نفسها عاشها محمد ذكي، الذي تقدم بملف ابنته الصغرى في يونيو الماضي لتلتحق بمرحلة رياض الأطفال. وبعد انتظار دام 11 شهرًا، ظهرت نتيجتها ضمن المرحلة السادسة والأخيرة من التنسيق الإلكتروني، والتي قضت بقبولها في إحدى مدارس إدارة أطفيح، رغم أن محل إقامة الأسرة في حدائق أكتوبر، حيث تدرس شقيقتها الكبرى في مدرسة السلام.

اضطر الأب، بموجب الإقرار المفروض، إلى مرافقة طفلته يوميًا، خمسة أيام في الأسبوع، عبر طريق يستغرق ساعتين ذهابًا وساعتين إيابًا، ولمدة سبعة أعوام دراسية. وهو ما دفعه إلى تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الوزراء، تحمل الرقم 99629098، وفق ما صرّح به لـزاوية ثالثة.

كان المخرج أحمد فضل واحدًا من بين المتضررين من قرار التسكين، إذ يقيم مع أسرته في حي فيصل بمحافظة الجيزة، وله ولدان في مرحلة التعليم الأساسي. يدرس الابن الأكبر في مدرسة تجريبية تقع ضمن المربع السكني ذاته، بينما اضطر الأصغر للانتظار عامًا دراسيًا كاملًا، منذ تقدمت الأسرة بملفه لمرحلة رياض الأطفال في يونيو 2024، على أمل قبوله في إحدى المدارس الرسمية للغات.

لكن مع صدور قرار تسكين تلاميذ المرحلة السادسة من التنسيق، تفاجأت الأسرة بقبول الابن الأصغر في مدرسة تقع بمنطقة أطفيح، على طريق القاهرة – أسيوط الصحراوي، وتبعد عن حي فيصل مسافة تبلغ 106 كيلومترًا، يستغرق الوصول إليها نحو ساعتين بالسيارة.

يروي فضل، في حديثه إلى زاوية ثالثة، أنه حين توجّه إلى المدرسة لاستكمال إجراءات القبول، صُدم بمحاولة إلزامه بتوقيع إقرار يُثبت موافقة ولي الأمر على المدرسة التي تم قبول الطفل بها، مع تعهده بعدم طلب نقله إلى أي مدرسة أخرى خلال مرحلتي رياض الأطفال والصفوف الأولى من التعليم الابتدائي.

رفض فضل التوقيع، وقرر التوجه بشكاوى إلى مسؤولين في وزارة التربية والتعليم، مطالبًا بضرورة لمّ شمل الطفل الأصغر بشقيقه الأكبر داخل المدرسة نفسها التي تقع ضمن النطاق السكني للعائلة.

 

قرار تسكين المتبقي من الأطفال حتى سن 5 سنوات للمرحلة الأولى لرياض الأطفال (تجريبي رسمي لغات)
قرار تسكين المتبقي من الأطفال حتى سن 5 سنوات للمرحلة الأولى لرياض الأطفال (تجريبي رسمي لغات)

تسكين بعيد… ومعاناة قريبة

تؤكد أماني الشريف، مؤسسة اتحاد المدارس التجريبية، أن أزمة تنسيق رياض الأطفال تتكرر سنويًا دون حلول جذرية، رغم ما يبذله أولياء الأمور من انتظار طويل لنتائج القبول. وفي كل عام، تأتي النتائج محمّلة بخيبة أمل جديدة؛ فبعد عام كامل من الترقب، يُفاجأ الأهالي بعدم وجود أماكن كافية لأطفالهم داخل الإدارات التعليمية التابعين لها، في ظل أزمة مستمرة منذ سنوات، تتفاقم مع تعاقب الوزراء، ومديري المديريات والإدارات التعليمية، دون أي حلول إيجابية تُذكر.

وفي تدوينة نشرتها على حسابها بموقع “فيسبوك”، أوضحت أن محافظتي الجيزة والقاهرة تمثلان نموذجًا لهذه الأزمة، حيث لا توجد أماكن كافية لتسكين أطفال المرحلة الأخيرة من التنسيق داخل إداراتهم الأصلية، ما يُجبر أولياء الأمور على القبول بتسكين أبنائهم في إدارات تعليمية أخرى بعيدة، تفاديًا لخسارة فرصة القبول بالمدارس التجريبية.

وتشير الشريف إلى أن القرار الوزاري رقم 285 ينص على أن سن التقديم للمدارس التجريبية يبدأ من أربع سنوات وحتى ست سنوات إلا يومًا، لكن الواقع في محافظات ذات كثافة سكانية مرتفعة مثل الجيزة والقاهرة يفرض حدًا أعلى فعليًا يبدأ من خمس سنوات، نتيجة الضغط على المدارس. وقد تم تسكين الأطفال حتى المرحلة الخامسة من التنسيق في المدارس التي اختارها أولياء أمورهم، باستثناء من تراوحت أعمارهم بين خمس سنوات وخمسة أشهر، حيث لم يُتاح لهم أماكن في الإدارات التي تقدموا إليها، بسبب قلة عدد القاعات، وصدور تعليمات وزارية جديدة بتقليل عدد الطلاب في الفصل من 60 إلى 49.

وتضيف أن التسكين في إدارات بعيدة بات معاناة يومية ناجمة عن نقص الأماكن. ففي السابق، كان يتم تسكين الأطفال في إدارات مثل أكتوبر والشيخ زايد، أما هذا العام فشهد تصعيدًا غير مسبوق، مع تسكينهم في إدارات أكثر بُعدًا مثل أطفيح، الصف، والحوامدية، رغم أن محل سكنهم يقع في إدارات أقرب مثل الهرم، بولاق، والعمرانية. وتؤدي هذه المسافات الطويلة إلى رحلة يومية لا تقل عن ساعتين، مما يجعل انتظام الطفل في الحضور أمرًا شبه مستحيل، رغم أن هذه المرحلة التعليمية تتطلب التزامًا منتظمًا لبناء الأساس الدراسي للطفل.

وتتابع أن ولي الأمر يجد نفسه في مواجهة خيارين كلاهما صعب: إما أن يرفض تسكين ابنه في مدرسة بعيدة ويتجه مضطرًا إلى مدرسة خاصة أو حكومية قريبة، أو أن يقبل بالتسكين على أمل التحويل لاحقًا إلى إدارة أقرب، رغم أن أولياء الأمور يُطلب منهم توقيع إقرار بعدم التحويل، وهو إقرار روتيني أُدرج في الملفات منذ سنوات، لكنه لا يمنع فعليًا من التحويل حال توفر أماكن في الإدارة الأصلية. واختتمت الشريف دعوتها للمسؤولين بإعادة النظر في آلية التوزيع، والاستجابة لمطلب أولياء الأمور المشروع بتسكين أبنائهم ضمن الإدارات القريبة من محل سكنهم.

احتجاجات وشكاوى جماعية

أمام مبنى مديرية التربية والتعليم بمحافظة الجيزة تجمهر عشرات من أولياء أمور تلاميذ مرحلة رياض الأطفال، صباح الأحد، للتنديد بتسكين أطفالهم في مدارس بعيدة عن مناطق سكنهم، فيما تقدم 747 من أولياء أمور التلاميذ المتقدمين بمرحلة رياض الأطفال بالمدارس الرسمية للغات، بشكوى إلى محافظ الجيزة، للمطالبة بعودة أطفالهم إلى قاعدة المربع السكني، وتسكينهم في المدارس القريبة من سكنهم، وحصلت زاوية ثالثة على صورة من مذكرة للعرض على محافظ الجيزة بشأن الشكوى الجماعية، خلصت إلى استحالة قبول الطلاب بمدارس رسمية للغات بالوضع الحالي، تتبع المربع السكني، مقترحة أن يتم نقلهم إلى مدارس حكومية (عربي) أو الانتظار لحين الانتهاء من بناء مدارس رسمية لغات جديدة.

مذكرة للعرض على محافظ الجيزة بشأن الشكوى المقدمة من أولياء أمور الأطفال
مذكرة للعرض على محافظ الجيزة بشأن الشكوى المقدمة من أولياء أمور الأطفال

 

 

وبالتوازي تقدم عدد من أولياء أمور تلاميذ مرحلة رياض الأطفال بمدرستي براعم مصر الرسمية للغات، والإمام محمد عبده الرسمية للغات، التابعتين لإدارة حدائق أكتوبر التعليمية، الذين تم تسكينهم بمدارس تابعة لإدارة أطفيح التعليمية، التي يستغرق وصولهم إليها نحو ساعتين، برسالة استغاثة لرئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، لحل مشكلة أبنائهم.

فيما توضح المحامية رشا محمد، وهي واحدة من أولياء الأمور المتضررين بمدينة السادس من أكتوبر، أن سبب المشكلة يرجع إلى سوء التوزيع الذي قامت به مديرية التربية والتعليم في الجيزة، خلال تنسيق التلاميذ المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال؛ إذ تم تحويل عدد كبير من التلاميذ من إدارات الهرم وبولاق وفيصل إلى مدارس في مدينة السادس من أكتوبر، بينما تم تسكين تلاميذ ينتمون إلى منطقة حدائق أكتوبر، في مدارس حكومية عربي بإدارة أطفيح التعليمية، وتم إجبار عدد من أولياء أمورهم على توقيع إقرار بعدم النقل، بذريعة أنه إجراء صوري، وتم تقليص مدة التسجيل إلى 5 أيام بحجة تقفيل السنة المالية، بينما رفض جزء آخر من الأهالي التوقيع على القرار واتجهوا إلى مديرية التعليم بالجيزة.

تقول لزاوية ثالثة: “القرار سيحمّل أطفالنا الذين لا تتخطى أعمارهم خمس سنوات وبضعة أشهر، مشقة كبيرة، وسيكبدنا أعباءًا مادية بسبب أجرة المواصلات اليومية للذهاب إلى المدارس والعودة منها، ويلزمنا الإقرار بنسبة حضور معينة وإلاّ سيتم تحويل التلاميذ إلى مدارس حكومية عربي، فهل هذا هو المطلوب تنفيذه؟”.

وتضيف: “هناك سوء توزيع حيث تم قبول تلاميذ من الوراق في إدارة العجوزة، وتلاميذ من العجوزة في إدارة فيصل، وتلاميذ من الهرم في 6 أكتوبر، وفي حين يوجد 8 قطاعات في إدارة أكتوبر التعليمية، فإن التنسيق أظهر لي مدرستين فقط عندما قدمت ملف ابنتي، وتفاجئت بوجود 30 تلميذ مقبول من إدارة الهرم التعليمية في المدرسة القريبة من البيت، وهناك مدرسة جديدة في غرب المطار إذا تم افتتاحها ستحل مشكلة تكدس الفصول”.

صورة حصلت عليها زاوية ثالثة تظهر جانبًا من الوقفة الاحتجاجية لأولياء الأمور أمام مديرية التعليم في الجيزة
صورة حصلت عليها زاوية ثالثة تظهر جانبًا من الوقفة الاحتجاجية لأولياء الأمور أمام مديرية التعليم في الجيزة

نوصي للقراءة: إلغاء مواد من الثانوية العامة في مصر: خطوة نحو التغيير أم تقليص للتعليم؟

نقص الفصول والمقاعد الدراسية 

من جهته يؤكد سعيد عطية، مدير مديرية التربية والتعليم بالجيزة، إلى زاوية ثالثة، أن الأولوية في التعليم بمصروفات (المدارس التجريبية) تتحدد وفقًا لمعيار السن، إذ يتم أولاً تسكين التلاميذ الذين يلتحقون برياض الأطفال ممن يبلغ عمرهم 6 سنوات إلاّ يوم، في مدارس تجريبية داخل المربع السكني لهم، ثم الأطفال الذين يقل عمرهم عن ذلك تدريجيًا، بحيث تصبح الأولوية للسن الأكبر، مبينًا أن المديرية قامت بتسكين 10 آلاف تلميذ داخل 85 مدرسة في الجيزة، تبعًا للمربع السكني الذين ينتمون إليه، في حين ظل 8 آلاف تلميذ دون إلحاقهم بمدارس، العام الماضي، لعدم وجود مقاعد شاغرة داخل المدارس المحيطة بهم، وحين طالب أولياء الأمور بإلحاق التلاميذ بالمدارس في أي إدارة تعليمية كي لا يضيع عليهم العام الدراسي، فإن المديرية اضطرت إلى تكسين 8 آلاف تلميذ من مرحلة رياض الأطفال في مدارس بها مقاعد شاغرة، في إدارات مثل: الصف وأطفيح، كي لا تضطر إلى زيادة كثافة الفصول في المدارس التجريبية الواقعة في المربعات السكنية التي ينتمي إليها التلاميذ، مما يضر بالعملية التعليمية ويؤثر على استيعاب التلاميذ.

ويوضح مدير المديرية أن وزارة التربية والتعليم تعكف على إنشاء مدارس جديدة في محافظة الجيزة بعدة إدارات أهمها الهرم، بولاق، أكتوبر لحل مشكلة نقص الفصول والمقاعد الدراسية، إلاّ أنه يعتبر أن فكرة تطبيق الفترة المسائية على المدارس التجريبية كأحد الحلول المقترحة من أولياء الأمور يصعب تطبيقه على المدارس الرسمية للغات لكون مناهجها أكبر من نظيرتها الحكومية (عربي) وبالتالي تكون مدة اليوم الدراسي أطول لتستوعب المواد الدراسية، وأنه إذا تم تطبيق الفترة المسائية فإن التلاميذ سيعودون إلى بيوتهم في وقتٍ متأخر.

 

يقول لزاوية ثالثة: “بإمكان أولياء أمور تلاميذ رياض الأطفال في مدارس التعليم بمصروفات، المتضررين من التسكين  في مدارس بعيدة عن المربع السكني أن يلجأوا إلى عمل تعديل رغبة عبر الموقع الالكتروني الخاص بالتنسيق، ونقل أبنائهم إلى مدارس رسمية متميزة للغات داخل المربع السكني، أو أن ينتظروا حتى فتح باب التقديم للمدارس في شهر يونيو المقبل، ويقوموا بالتقديم لأطفالهم في مدرسة حكومية عربي قريبة من مكان السكن”، مشددًا على إلزامية الحضور للمدارس في نظام التعليم الجديد، مما يحول دون إمكانية غياب التلاميذ الذين تم تسكينهم في مدارس بعيدة عن مربعاتهم السكنية.

ويكشف المسؤول الحكومي عن كون مديرية التربية والتعليم بالجيزة لجأت إلى إلزام أولياء أمور تلاميذ رياض الأطفال في مدارس التعليم بمصروفات، الذين صدر قرار تسكينهم ضمن المرحلة السادسة من التنسيق، بالتوقيع على إقرارات من شأنها إلزامهم بعدم نقل أطفالهم من المدارس التي سُكّنوا بها، طيلة مرحلتي رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، لضمان عدم مطالبة أولياء الأمور فور تسجيل أبنائهم في تلك المدارس، بنقلهم منها إلى مدارس أخرى داخل المربع السكني الخاص بهم، مبررًا ذلك بعدم وجود مقاعد شاغرة في تلك المدارس، وكون أعداد تلاميذ المرحلة السادسة، 8 آلاف تلميذ، وأنه لا يمكن نقل أكثر من 500 منهم فقط، في حين يتحتم على البقية الانتظار لحين افتتاح المدارس الجديدة التي يتم إنشائها في محافظة الجيزة، مؤكدًا أن الإقرار هو إجراء احترازي وسيتم حفظه داخل ملف التلميذ، بينما يمكن لولي الأمر اللجوء إلى التحويل الإلكتروني عبر موقع التنسيق، مستخدمًا كود الطالب؛ إذ لا يؤثر الإقرار على إمكانية ذلك.

من ناحيته أوضح شادي زلطة، المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم، أن المحافظات ذات الكثافة العالية، والمكان محل الشكوى هو محافظة الجيزة، فيها 98 مدرسة، منها 85 مدرسة رسمي لغات، و13 مدرسة رسمي لغات متميّز، ويتم التنسيق بناءً على ترتيب السن من الأعلى إلى الأقل، ووفقًا للكثافة الطلابية، مبينًا خلال مداخلة مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج “كلمة أخيرة” عبر قناة ON، أن الوزارة طبقت هذا العام،  نظام تقليل الكثافة الطلابية في الفصل الواحد، بحيث لا يزيد على 50 طالبًا، بما يقلل من فرص الاستفادة للطالب وقد يؤدي لعدم الحضور، وبالتالي هناك التزام بالكثافات في الفصول، وبناء عليه يتم التنسيق على مستوى جميع المديريات، وليس الجيزة فقط، لافتًا إلى أن السنة الحالية شهدت خمس مراحل تنسيق داخل محافظة الجيزة أو مديرية تعليم الجيزة، وكانت آخر مرحلة تم وفقًا لها توزيع الطلاب على مراكز مختلفة مثل أطفيح والصف، وذلك لضمان عدم تجاوز الطلاب للسن القانوني.

وطبقًا لموقع خريطة مشروعات مصر، فقد شهدت محافظة الجيزة افتتاح 8 مدارس جديدة في بداية العام الدراسي 2019/2020 ، بتكلفة إجمالية 48 مليون و880 ألف جنيه، ضمن خطة الدولة للحد من التكدس الطلابي، وقبيل العام الدراسي 2023 – 2024، تم إنشاء 11 مدرسة جديدة بتكلفة 222 مليون و600 ألف جنية بإجمالي 367 فصلا دراسياً، وشهدت 9 مدارس توسعات وتعلية بتكلفة 65 مليون جنيه بإجمالي 207 فصول دراسية.

 

نوصي للقراءة: 800 محامٍ في معركة قانونية لعزل وزير التعليم

قرار غير دستوري

يعتبر الخبير التربوي د. كمال مغيث، عضو المركز القومي للبحوث التربوية، أن قرار  إجبار أولياء التلاميذ على تسكين أطفالهم في مدارس بعيدة عن سكنهم، هو قرار غير دستوري وغير قانوني، لكونه يحول دون حق التلاميذ في تغيير نوع ا��تعليم أو المدرسة وفقًا لما يتلائم مع ظروف أسرته ومحل سكنه، ناصحًا أولياء الأمور المتضررين باللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا لإبطال القرار. 

ويلفت مغيث، في تصريحات إلى زاوية ثالثة، لكون وزير التربية والتعليم جاء من خلفية تنتمي إلى التعليم الخاص، باعتباره نجل مالكة مدارس نرمين إسماعيل، وأنه كان يجب اتخاذ تدابير من شأنها الحيلولة دون تضارب المصالح وإنقطاع صلته بالتعليم الخاص، كي لا تتهم الإدارات التعليمية بالضغط على الأهالي كي يلجأوا للتعليم الخاص، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تلتزم بحجم الإنفاق على التعليم الذي نصت عليه المادة 19 من الدستور، المقررة بـ4% من الناتج المحلي، الذي يصل إلى 800 مليار جنيه، في حين تنفق الدولة نحو 230 مليار جنيه، ولو تم تطبيق النسبة المقررة سوف تتمكن وزارة التربية والتعليم من بناء المدارس الجديدة وحل مشكلة العجز في المعلمين الذي يصل إلى 600 ألف معلم.

بدوره يرى المحامي الحقوقي مالك عدلي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن هناك جريمة ترتكب في حق التلاميذ وأسرهم، وأن التزام الدولة بتوفير التعليم المناسب لظروف الأطفال وأبدانهم وأسرهم هو التزام دستوري لا تنازل عنه، مبينًا أنه يفترض بالدولة الاهتمام ببناء المدارس والمستشفيات الجديدة بدلًا من التركيز على الطرق والكباري، وأن ذلك حق لدافعي الضرائب.

يقول لزاوية ثالثة: “ليس منطقيًا أن يضطر طفل عمره 5 سنوات أن يذهب في طريق طوله نحو 100 كيلو يوميًا للذهاب إلى رياض الأطفال، وأنصح أولياء الأمور المتضررين باللجوء إلى النيابة العامة ومجلس الدولة لأنه يتم إجبارهم على ارتكاب جريمة في حق أطفالهم، وهذا يمثّل انتهاكًا لحقوق الطفل، ويتوجب على وزارة التربية والتعليم توفير مقاعد دراسية في مدارس قريبة من مناطق سكن التلاميذ”.

وتنص المادة 19 من الدستور المصرى تنص على أن التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون.

 

نوصي للقراءة: البكالوريا: تطوير للثانوية العامة أم نهاية لعصر التعليم المجاني؟

تدخل برلماني

أزمة تسكين تلاميذ المرحلة السادسة من تنسيق رياض الأطفال، واستغاثات أولياء الأمور، دفعت بالبرلمانية نشوى الديب، النائبة عن دائرة إمبابة، للتدخل في محاولة منها لإيجاد حل للأزمة، بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم.

تقول لزاوية ثالثة: “تواصلت مع محافظ الجيزة ووكيل وزارة التربية والتعليم بشأن الأزمة، وتم الاتفاق على تمديد مدة تسجيل التلاميذ وعدم إجبار أولياء أمورهم على توقيع الإقرارات على عدم النقل، في وقت أقصاه الخميس الموافق 29 مايو، على أن يتم عقد اجتماع بيني وبين مدير هيئة الأبنية التعليمية ومحافظ الجيزة ووكيل وزارة التربية والتعليم، خلال اليوم نفسه لبحث الخيارات المتاحة كي يتم تجنيب التلاميذ وأولياء أمورهم معاناة الرحلة اليومية من وإلى المدارس البعيدة عن مربعهم السكني”.

تضيف: “هناك حلول مقترحة أعتزم عرضها على وزير التربية والتعليم، أبرزها: أن يتم تخصيص المدارس الجديدة التي الانتهاء من بناءها، في الجيزة، كمدارس رسمية للغات، ويتم نقل تلاميذ المرحلة السادسة إليها، كلٌ حسب المربع السكني القريب منه، وحصر المدارس الحكومية (عربي) قليلة الكثافة، وإدراج ملحقات تجريبية بها، أو دمج طلاب كل مدرستين حكوميتين من ذوات الكثافة المنخفضة، في مدرسة واحدة وتحويل الأخرى إلى تجريبية”.

وبين الوعود الحكومية بسد العجز في الفصول، والإجراءات التي تصفها وزارة التربية والتعليم بـ”الاحترازية”، يقف آلاف من أولياء الأمور في محافظة الجيزة أمام معادلة مستحيلة؛ إما التضحية براحة أبنائهم وسلامتهم الجسدية والنفسية في رحلات يومية طويلة، وتكبد أعباء اقتصادية إضافية بسبب قيمة أجرة المواصلات، أو حرمانهم من فرصة تعليم جيد، في مقدرتهم المادية، وفي ظل ذلك لا يزال الأمل معلقًا باستجابة حقيقية لمطالب الأهالي، تنطلق من واقعهم وحقوق أبناءهم التي كفلها لهم الدستور والقانون.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search