⚠️فيديو آثار التعذيب الموجود في أسفل هذا التقرير، لا يُنصح بمشاهدته لأصحاب القلوب الضعيفة.
📹 كما يمكن مشاهدة شهادة والدة الضحية كاملة في نهاية التقرير.
أثارت وفاة الشاب محمود محمد أسعد، البالغ من العمر 26 عامًا، موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما اتهمت أسرته وزارة الداخلية المصرية بالتسبب في مقتله داخل قسم شرطة الخليفة، وذلك بعد أسابيع قليلة من القبض عليه في منطقة الإمام الشافعي خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان.
تواصلت زاوية ثالثة مع أسرة المجني عليه للوقوف على تفاصيل الواقعة التي بدأت بالقبض على الشاب العشريني في السابع من رمضان وانتهت بإعلان أسرة الشاب خبر وفاته مساء السبت 12 أبريل الجاري.

في جنازة حضرها المئات من الأهل والجيران، شيع جثمان الشاب العشريني الذي لقي مصرعه داخل قسم الخليفة بعد أداء صلاة الجنازة عليه عصر يوم الأحد 13 أبريل، وفي الأثناء نشر أهل المتوفي مقطع فيديو من داخل المشرحة يوثق حالة اعتداء تركت آثارها على جسد المتوفي قبل وفاته.
على إثر مقطع الفيديو ناشدت أسرة المتوفي رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بالتدخل ومعاقبة المتسببين في وفاة نجلهم، متهمين ضباط وأمناء داخل قسم الخليفة بالتعدي على نجلهم بالضرب والتعذيب حتى الموت.
في حديثها مع زاوية ثالثة، روت والدة الشاب محمود تفاصيل لحظة القبض عليه، قائلة:
“كنا في اليوم السابع من رمضان، وخرجتُ أنا ومحمود وشقيقته لشراء السحور من منطقة الإمام الشافعي، وفوجئنا بأمين شرطة يستوقف محمود ويطلب منه الذهاب معه. اصطحب ابني داخل توكتوك دون أن يقوم بتفتيشه أو يوجّه إليه أي اتهام مسبق. ورغم إلحاح محمود على أن يتم تفتيشه قبل أن يتحرك مع أمين الشرطة، إلا أن الأخير رفض، وطالبه بالذهاب معه بهدوء.”
وتابعت الأم: “في الوقت ذاته، كانت هناك حالات قبض على عدد من الشباب في الشارع نفسه. وبعد ساعات قليلة من القبض على محمود، علمنا أنه نُقل إلى قسم شرطة الخليفة، حيث فوجئنا بتحرير محضر له بتهمة حيازة والاتجار في مواد مخدرة.”
تتابع الأم في روايتها: “حاولنا إدخال طعام وبعض الاحتياجات له بعد احتجازه، لكنّ أمناء الشرطة أخبرونا بأنه نُقل إلى غرفة التأديب دون أي توضيح للأسباب. استمر ذلك لعدة أيام، وقبل مقتله بيوم حاولت رؤيته. وبعد إلحاحي، وافق أحد الضباط داخل القسم على طلبي، لكنه ما لبث أن تراجع بعد حديث قصير مع ضابط آخر، ورفض السماح لي بالزيارة. وفي صباح السبت الماضي، علمت بخبر وفاته بعد أن تعذر حضوره إلى النيابة للتحقيق معه.”
نوصي للقراءة: الاختفاء القسري في مصر.. من الصدمة إلى التطبيع
الداخلية تنفي الواقعة
بعد ساعات قليلة من انتشار خبر مقتل الشاب محمود داخل قسم شرطة الخليفة، واتهام أسرته لعدد من ضباط القسم بتعذيبه حتى الموت، أصدرت وزارة الداخلية المصرية بيانًا عبر صفحتها الرسمية على موقع “فيسبوك”، نفت فيه تعرّض الشاب العشريني لأي تعذيب أثناء احتجازه.
ورغم عدم الإشارة في البيان إلى فتح تحقيق رسمي بشأن ما ورد في رواية أسرة المجني عليه، فقد أوضحت الوزارة أن “الواقعة تتلخّص في أن الشاب كان محبوسًا بقرار من النيابة العامة على ذمة قضية اتجار بالمواد المخدرة، وفي يوم 12 من الشهر الجاري انتابته حالة من الهياج داخل محبسه، واعتدى على عدد من النزلاء، ما أدى إلى نشوب مشاجرة بينهم. تم نقله بعد ذلك إلى غرفة حجز أخرى، حيث اشتبك مع نزيل آخر وتمت السيطرة عليه. وفي وقت لاحق شعر بحالة إعياء، فنُقل إلى المستشفى لتلقي العلاج، لكنه توفي هناك”. وأضاف البيان أن “الإجراءات القانونية تم اتخاذها، وتم العرض على النيابة العامة في حينه”.
تأتي هذه الواقعة بعد أيام قليلة من مقتل الشابين يوسف عيد فضل السرحاني، وفرج رباش الفزاري، على يد أحد ضباط الأمن الوطني في منطقة النجيلة بمحافظة مرسى مطروح، بعد أن سلما أنفسهما طوعًا بغرض الإفراج عن عدد من النساء تم احتجازهن على خلفية مقتل ثلاث أمناء شرطة في مشاجرة مع مسجل خطر في التاسع من أبريل الجاري.
نوصي بالقراءة: احتجاز نساء وتصفية شباب: ما نعرفه عن أحداث “النجيلة” بمطروح
تفاصيل جديدة
من جهتها، ردّت المحامية إسراء خليفة، محامية المجني عليه وابنة خالته، على ما ورد في بيان وزارة الداخلية، مؤكدة أن البيان “غير صحيح ويتضمن تحريفًا للحقائق”، على حد وصفها. وأضافت: “حاولت الرد على البيان المنشور عبر صفحتهم الرسمية، لكنني فوجئت بحذف تعليقي وحظري من الوصول إلى الصفحة مجددًا.”
وتضيف محامية المجني عليه، في تصريح خاص لـ”زاوية ثالثة”: “تم القبض على محمود أثناء شرائه السحور برفقة والدته في منطقة الإمام الشافعي، وفوجئنا بأن عددًا من الشباب قد تم توقيفهم في التوقيت نفسه، وجميعهم تم تحرير نفس المحضر ضدهم، وبنفس الصياغة، حيث وُجّهت إليهم تهم بالاتجار وحيازة المخدرات. وبعد ساعات من القبض عليه، ومع انضمام مزيد من الشباب إلى حملة القبض العشوائي، تم تجميعهم داخل ميكروباص، ثم نُقلوا إلى قسم الخليفة.”
وتقول المحامية: “توجّهت إلى رئيس المباحث وطلبت تفريغ كاميرات المراقبة المثبتة أعلى مطعم الطعام لإثبات أن محمود تم القبض عليه أثناء تواجده في الشارع مع والدته لشراء السحور، دون أن يتم تفتيشه، وأن ما ورد في المحضر لا يعكس الحقيقة. على أمل أن يساعد هذا الإجراء في منع تصعيد الأمر أو حبسه. ورغم أن رئيس المباحث وعدني بتفريغ الكاميرات، فوجئت لاحقًا بقوة من القسم تصادر أجهزة التسجيل والكاميرات وتم اخفائها دون تفريغ محتواها.”
وتتابع محامية المجني عليه: “حاولتُ إقناع والدته بإرسال تلغرافات إلى النائب العام ومكتب وزير الداخلية لتصعيد الأمر، لكنها ترددت، خشية أن يتعرض نجلها أو شقيقه للتعنت بسبب ما وصفته بـ”معاداة الحكومة”، رغم أن إجراءات القبض الواردة في المحضر باطلة من الأساس. كانت تأمل أن ينتهي الأمر بسلام.”
وتضيف: “تم حبسه على ذمة القضية واحتُجز داخل قسم الخليفة. ومنذ أول أيام عيد الفطر، مُنعت الزيارات عن المحتجزين. وفي يوم الخميس 10 إبريل، توجهت والدته لزيارته وتسليمه بعض الاحتياجات، إلا أنها أُبلغت بأنه محتجز داخل غرفة التأديب (الحبس الانفرادي) بسبب مشكلة يُزعم أنه تسبب بها. توسّلت الأم إلى أحد الضباط للسماح لها برؤيته والاطمئنان عليه، وقد تعاطف معها الضابط بالفعل، وحاول إدخالها، لكنه تراجع عن موقفه بعد حديث مع ضابط آخر، ورفض السماح لها برؤية نجلها، مرددًا: سنسمح لك بالزيارة يوم السبت.”
تستكمل محامية المجني عليه حديثها: “كان من المفترض، يوم السبت، أن يُعرض محمود على النيابة لتوقيع استئناف ضد قرار حبسه الاحتياطي، في محاولة لتعجيل موعد الجلسة وتفادي بقائه لفترة طويلة داخل القسم. لكننا فوجئنا بتعذر حضوره. تواصلت مع القسم، فأُبلغت بأنه لا يوجد طلب أو إخطار باسمه للمثول أمام النيابة، وهو ما يناقض الواقع تمامًا.” وتتابع: “في تلك اللحظة بدأ القلق يتسلل إلينا، وأدركت أن هناك شيئًا غير طبيعي، لكن لم يخطر ببالي مطلقًا أن الأمر قد يصل إلى حد الموت.”
تضيف المحامية: توجّهت عمة المجني عليه (شقيقة والده) إلى قسم الشرطة في محاولة لرؤيته، وبعد دقائق من وصولها، اتصلت بوالدته وطلبت منها الحضور إلى القسم برفقة والد المجني عليه. وعند وصول الأم، فوجئت بسلوك مختلف تمامًا من أمناء الشرطة، الذين بدأوا بمحاولة استرضائها بطريقة غير معتادة، مقارنة بما كان يحدث خلال الزيارات السابقة، ما زاد من قلقها وقلق الأسرة. ثم أبلغها مأمور القسم بأن نجلها تعرّض لحالة إعياء وتم نقله إلى مستشفى المنيرة، مؤكدًا أن حالته الصحية “في تحسن”. لكن، وبعد إلحاح شديد من الأم لمعرفة تفاصيل ما حدث ورؤية نجلها، أخبرها المأمور بوفاة نجلها، مرددًا: “البقاء لله.”
نوصي بالقراءة: جزيرة الوراق.. زاوية ثالثة توثق استخدام الرصاص الحي ضد الأهالي
تتابع محامية أسرة المجني عليه:”ظل المأمور جالسًا مع الأم لأكثر من ساعة، محاولًا إقناعها بأن “إكرام الميت دفنه” وضرورة الموافقة على توقيع أمر الدفن من أجل تسريع الإجراءات، قبل أن يتم الحديث حول ما حدث. لكن الأم والأب رفضا التوقيع، وقررا المضي في اتخاذ الإجراءات القانونية. وحتى بعد دخول محمود إلى المشرحة، لم يتمكن أي فرد من الأسرة من رؤيته أو معرفة حقيقة ما جرى له. لكننا تمكنا في النهاية من الدخول إلى المشرحة، وفوجئنا بآثار ضرب وتعذيب على جسد محمود، وهو ما ظهر في مقطع الفيديو الذي صوّره شقيقه ونُشر على مواقع التواصل الاجتماعي. وأشارت إلى أنه تم تصوير الفيديو بسرعة، لأننا لم ندخل إلى المشرحة بشكل رسمي، لكننا رأينا آثار الجلد على ظهر محمود بوضوح ولم نستطع تصويره نظرًا لضيق الوقت وخوفًا من أن أحد يكتشف التصوير.
توضيح محامية المجني عليه أنه تم إرفاق الصور في محضر النيابة، ولكن النيابة لم تسمح لنا بالحصول على نسخة من المحضر الرسمي حتى الآن. وعندما أخبرت وكيل النيابة أن من حقي الاطلاع على المحضر كمحامية عن أسرة المجني عليه، قال لي إنه يجب تقديم طلب رسمي لرئيس النيابة، وأنه من حقه قبول أو رفض هذا الطلب. وأضافت أنها لم تُسمح لها بالحضور أثناء التحقيق مع الأم والأب، ولم يتم تمكينها من أخذ أقوالهما، رغم كونها محامية الأسرة. وأشارت أن التحقيق في النيابة ظل من الساعة الخامسة مساء يوم السبت الماضي حتى الثامنة صباح يوم الأحد 13 أبريل.
تضيف إسراء محامية المجني عليه:” بعد انتشار مقطع الفيديو ذهب وكيل النيابة بنفسه إلى غرفة الحجز في قسم الخليفة وبدأ في أخذ أقوال السجناء الذين كانوا محتجزين مع محمود. وأكد عدد منهم تعرضه للضرب والتعذيب مرتين على يد ضابطين. الأولى كانت على يد ضابط يدعى (م. ش)، والمرة الثانية كانت يوم الخميس الماضي على يد ضابط آخر يدعى (م. س)، برفقة ثلاثة أمناء شرطة. وفي هذا اليوم، لفظ محمود أنفاسه الأخيرة.
وأوضحت شهادة السجناء أن الضرب كان مصحوبًا بتعليق محمود من يديه على باب الزنزانة، بهدف جعله عبرة لباقي السجناء، وفقًا لما ورد في شهادات السجناء. تم خنقه باستخدام الفوطة الشخصية، وعندما سقط ظن السجناء وأمناء الشرطة أنه فقد وعيه، ثم نُقل إلى زنزانة انفرادية. وفي تلك الأثناء، لفظ محمود أنفاسه الأخيرة.
وأكدت محامية المجني عليه أن النيابة قامت بتحريز الفوطة الشخصية لمحمود، إلا أن الطب الشرعي أنكر استلام الفوطة من النيابة، وأفاد بأن الحرز لا يزال في النيابة ولم يُسلم إلى الطب الشرعي حتى كتابة هذا التقرير. وفي صباح يوم الأحد، استدعت النيابة ضباط وأمناء قسم الخليفة الذين أدلوا بشهاداتهم، حيث توافقت رواياتهم مع البيان الرسمي الصادر عن وزارة الداخلية، والذي تبنى نفس الرواية.
وتساءلت محامية أسرة المجني عليه في ختام حديثها: “هل يعقل أن سجينًا مصابًا يتم نقله إلى مستشفى المنيرة، وهي مستشفى حكومية، دون وجود أي ورقة رسمية تثبت دخوله أو خروجه؟” وأوضحت أنه وفقًا لما ورد في رواياتهم، فقد دخل المستشفى حيًا وخرج ميتًا. وأضافت أن الورقة الوحيدة التي استلمناها كانت من المشرحة إلى النيابة، وذلك لفتح التحقيق في وفاته.
من جهتها أعلنت الشبكة المصرية( منظمة حقوقية غير حكومية) عن رصدها للعديد من حالات الوفيات لمواطنين داخل السجون وأقسام الشرطة المختلفة المنتشرة بأنحاء الجمهورية خلال السنوات الماضية، دون محاسبة مما أدى الى شيوع سياسة الإفلات من العقاب فى ظل تواطؤ واضح للنيابة العامة في الرقابة والتفتيش على أماكن الاحتجاز المختلفة. وأكدت الشبكة في بيان لها أن سياسة الإفلات من العقاب تؤدى الى مزيد من سقوط ضحايا وانتشار العنف داخل المجتمع المصرى.
نصت المادة 55 من الدستور المصري على أنه:”كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شىء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون…”. كما تنص المادة 52 من الدستور أيضًا على أن:”التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم”.