ألقى التصعيد العسكري بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي اندلع فجر الجمعة عقب هجوم تل أبيب على مواقع نووية وعسكرية داخل إيران أسفر عن مقتل عدد من القادة العسكريين، وردّت عليه طهران بعملية “الرد الساحق” التي شملت إطلاق مئات الصواريخ الباليستية على إسرائيل، مسفرًا عن سقوط قتلى وإصابات وتدمير واسع في تل أبيب، بظلاله المباشرة على إمدادات الغاز الطبيعي لمصر.
فمنذ 2020، تعتمد القاهرة على استيراد نحو 800 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميًا من إسرائيل، وأبلغت الشركات الإسرائيلية الموردة، يوم الجمعة، الجانب المصري بتقليص الضخ نتيجة إغلاق حقل “ليفياثان” البحري.
وعلى إثر ذلك، أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية تفعيل خطة الطوارئ المُعدة مسبقًا، والتي تتضمن إيقاف إمدادات الغاز لبعض الأنشطة الصناعية، وزيادة استهلاك محطات الكهرباء للمازوت إلى أقصى طاقتها، مع تشغيل عدد من المحطات بالسولار، في محاولة للحفاظ على استقرار شبكة الغاز ومنع تخفيف أحمال الكهرباء.
وأضاف بيان الوزارة أن غرفة عمليات الغاز تتابع الوضع على مدار الساعة، مؤكدًا أن سفن إعادة التغييز الثلاث وصلت بالفعل إلى مصر، إحداها بدأت ضخ الغاز إلى الشبكة القومية، فيما تُستكمل أعمال تجهيز وربط السفينتين الأخريين بالموانئ. ووفق البيان، فإن وضع شبكة الغاز آمن حاليًا، وكذلك احتياطي المازوت.
وطبقًا لوسائل إعلامية فإن مصر أوقفت، السبت، ضخ المازوت والسولار للمصانع التي تستخدمه كوقود في صناعات كالأغذية والأسمنت لمدة 14 يوماً، وذلك بهدف توفير نحو 8 آلاف طن مازوت يومياً لسد احتياجات محطات الكهرباء، لحين توفير الشحنات المستوردة، وجاء ذلك بعد وقتٍ قصير من استعادة عدد من مصانع الأسمدة والبتروكيماويات لنشاطها التدريجي، بعد إعلانها التوقف الكامل عن الإنتاج، في 15 مايو الماضي، وعلى رأسها شركات “الإسكندرية للأسمدة”، و”كيما” بأسوان، و”حلوان للأسمدة”، نتيجة التقليص المفاجئ في إمدادات الغاز الطبيعي، في حين لجأت شركتي “أبو قير للأسمدة” و”موبكو” إلى تشغيل خط إنتاج واحد، ما أدى إلى تراجع إنتاجها بنسبة 30%، إلاّ أن المصانع استأنفت نشاطها بعد إعلان وزارة البترول عن ضخ جزئي للغاز، بنسبة تراوحت بين 60% إلى 70% من الكميات المعتادة.
ورغم الأزمة بدأت مصر في عملية ضخ الغاز الطبيعي إلى المملكة الأردنية بواقع 100 مليون قدم مكعب يومياً، لتشغيل محطات الكهرباء، وذلك بعد انقطاع إمدادات الغاز الواردة من إسرائيل في أعقاب اندلاع الحرب، وكانت مصر قد وقعت اتفاقية مع الأردن، في ديسمبر 2024، للاستفادة من البنية التحتية المصرية من وحدات التخزين والتغويز العائمة، لتأمين احتياجات المملكة من الغاز الطبيعي المسال خلال العامين المقبلين.
نوصي للقراءة: غاز مصر في إسرائيل: تصديرٌ منخفض التكلفة واستيرادٌ مرتفع يُقيّد الإنتاج المحلي
توقعات بزيادة أسعار الغاز
يرى حسن نصر، رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن مسألة رفع أسعار الغاز الطبيعي للمصانع أمرٌ متوقع حدوثه منذ مدة، لكون الأسعار العالمية للغاز الطبيعي والبترول قد ارتفعت متأثرة بالحروب الدائرة، وفي الوقت الذي تستورد فيه مصر الغاز الطبيعي من إسرائيل فإن الأخيرة تحاول ممارسة ضغوطات على مصر في مسألة الغاز، إذ أوقفت التصدير لمدة 20 أو 30 يوماً بحجة وجود صيانة لديهم، ثم عادت لتقول إنها تريد رفع أسعار الغاز، قبل أن تبلغ مصر بخفض إمداداتها من الغاز بعد اندلاع العمليات العسكرية بينها وبين إيران، لافتًا إلى أن مصر تستورد الغاز القادم من إسرائيل، بحكم أنه أكثر توفيراً لها من حيث قرب خطوط الإمداد، ووجود خطوط قائمة بالفعل بين مصر وبين إسرائيل للغاز الطبيعي، ووجود اتفاقية موقعة بهذا الشأن، بينما الشحنات التي تأتي لمصر من الخارج، تكون باهظة الثمن وبأسعار فلكية.
يقول لزاوية ثالثة: “من الطبيعي أن يرتفع سعر الغاز، وكل شيء سيرتفع تبعاً لذلك، وهذا سيؤثر في نهاية المطاف على المستهلك، وكانت هناك مفاوضات تتم مع قطر بشأن تصدير الغاز لمصر، لكن لم تقدم قطر رداً وافياً بعد، ذهب أكثر من وفد، واجتمعوا وتحدثوا ورتبوا الأمور، ولكن لا يوجد تنفيذ حتى الآن، والمشكلة الأكبر الآن هي أن الحقل الكبير جدًا المشترك بين قطر وإيران قد تعرض للقصف واشتعل في الحرب بين إسرائيل وإيران، وهذا حقل من الحقول الضخمة جدًا، وبالتالي، سيؤثر هذا بشكل كبير للغاية على إمدادات الغاز في كل مكان”.
ويضيف: ” أسعار الغاز ارتفعت بشكل مستقل عن أسعار المواد البترولية الأخرى، بمقدار 4 أو 5 دولارات للوحدة تقريباً، قبل أن ترتفع أسعار الغاز مرة أخرى نتيجة الحرب، بنسبة 9%، وارتفعت أسعار البترول بنسبة 10%، وقد تصل نسبة الزيادة في أسعار الغاز إلى 12%، وكل الإمدادات على مستوى العالم ستتأثر بما يحدث في هذه المنطقة، لأنها مصدر رئيسي ينتج أكثر من 50% من إنتاج العالم من الغاز والبترول، ونحن الآن في فصل الصيف، والصيف يعني زيادة استهلاك الكهرباء، والكهرباء تحتاج إلى غاز، والغاز يحتاج إلى أموال، والأموال تحتاج إلى الدولار، وسعر صرف الدولار سيتأثر لدينا، أعتقد أن التسعير الجديد للغاز سيظهر في شهر أكتوبر القادم، ضمن الزيادة التي كانت مقررة سلفًا قبل أن تبدأ الحرب”.
ويكشف رئيس الشعبة عن أن توقف حقل الغاز الإسرائيلي “ليفياثان” عن العمل أثر على مصر وإمداداتها تأثيرًا كبيرًا، نتيجة لذلك، أوقفت الدولة إمدادات الغاز عن بعض المصانع، مؤكدًا أن مصر دفعت حوالي 6 مليارات دولار لشراء الغاز والوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء، لتجنب الاضطرار لتخفيف الأحمال في الصيف، وأن لديها في الوقت الحالي اكتفاء من الغاز، بناءً على الشحنات التي تعاقدت عليها بالفعل، بأسعار الغاز التي كانت سائدة في الفترة الماضية، مما وفّر على مصر تكلفة تقدر بنحو نصف مليار دولار، تمثل فارق السعر بعد الحرب، مبينًا أنه توجد سفينة حاليًا في البحر الأحمر بمنطقة شرم الشيخ تقوم بتفريغ الغاز، والدولة خزنت احتياجاتها من الغاز التي تكفي لفترة.
وسجلت الأسعار العالمية للغاز الطبيعي في أوروبا، ارتفاعًا خلال تعاملات الجمعة؛ إذ صعدت العقود الآجلة للغاز الهولندي -المعيار الأوروبي-، في تسليم يوليو بنسبة 2.85% إلى 37.20 يورو (42.93 دولار) لكل ميجاوات/ ساعة، ويتوقع بنك جيه بي مورغان أن يصل سعر برميل النفط إلى 120 دولاراً نتيجة الصراع العسكري.
وكانت “بلومبيرغ” قد ذكرت في تقرير لها، قبل أسبوع، أن الحكومة المصرية تدرس رفع أسعار الغاز الطبيعي للمصانع، وأن الزيادة المقترحة تُقدر بنحو دولار واحد لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وذلك اعتباراً من يوليو المقبل، وطبقًا لقناة العربية فإن الحكومة المصرية تدرس إنهاء دعم الغاز للقطاع الصناعي خلال 3 سنوات.
وتحصل المصانع في مصر على الغاز الطبيعي بأسعار متفاوتة طبقًا لطبيعة النشاط الصناعي، إذ يُحدد لصناعة الأسمدة الأزوتية بسعر لا يقل عن 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وبسعر 5.75 دولار لصناعة الأسمدة غير الأزوتية والحديد والصلب، وتحصل عليه مصانع الأسمنت بسعر 12 دولاراً، ويحدد بسعر 4.75 دولار لمختلف الأنشطة الصناعية الأخرى، و4 دولارات لمحطات توليد الكهرباء، بينما يبلغ السعر بـ 210 جنيهات مصرية لقمائن الطوب.
نوصي للقراءة: تسلسل زمني لارتفاع أسعار الوقود منذ ثورة يناير حتى الآن
العودة لتخفيف أحمال الكهرباء
فيما يربط الدكتور حسام عرفات، أستاذ هندسة البترول والرئيس السابق للشعبة العامة للمواد البترولية، التداعيات الجيوسياسة والدولية والإعلامية، المتعلقة بالتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، وبين زيادة الأسعار العالمية للغاز الطبيعي، والتي من المتوقع أن تصل إلى نسبة 12%، موضحًا أن المنطقة التي تحتوي على منابع النفط والغاز في إيران وقطر والخليج العربي، محفوفة بالمخاطر، لذا لجأت وزارة البترول المصرية لاتخاذ إجراءات احترازية لما قد يقع، متوقعًا أن يتم تطبيق جدول لتخفيف أحمال الكهرباء خلال وقت قريب جدًا.
يقول لزاوية ثالثة “على الرغم من أننا استقبلنا السفينة الثالثة لإعادة التغييز، وجهزنا كل شيء، وننتظر الرابعة، لكن لا يمكن أن تضمن كيف سيكون شكل الإمدادات، وبالتالي، نحن نعمل ونتحرك في كل الاتجاهات، ونجهز بنيتنا التحتية المتمثلة في السفن المتاحة، بالإضافة إلى التعاقدات الحالية والمستقبلية، ومنها الـ 60 شحنة التي طلبتها مصر لفصل الصيف، ومن المتوقع أن يضاف إليها 30 شحنة أخرى، ومصر اتفقت على 160 شحنة موزعة على مدى ثلاث سنوات، وهذا يمثل تأمينًا مستقبليًا واتفاقات طويلة الأمد لتأمين احتياجاتها، لكن المؤكد فعليًا هو وجود 60 شحنة قادمة، بدأت بالوصول منذ الأسبوع الأول من شهر يونيو وستستمر حتى سبتمبر، وهي قابلة للزيادة بـ 30 شحنة إضافية في حالة الوصول إلى الاستخدام الأقصى، بالإضافة إلى السولار والمازوت”.
ويشير أستاذ هندسة البترول إلى أنه حال تفاقمت الحرب قد ينقطع الغاز القادم من إسرائيل أو من أرامكو في السعودية، ومن قطر، مبينًا أن الإمدادات من إسرائيل، عبر الخط المشترك، تُشكّل حوالي 24% من احتياجات مصر من الغاز، أي ما يعادل 800 مليون قدم مكعب يوميًا، وقد توقف هذا الخط، كما حدث في 14 أكتوبر 2023 بعد أحداث غزة، معتبرًا أن ما ورد في بيان وزارة البترول هو إجراء احترازي لتنبيه المواطنين إلى ضرورة ترشيد الاستهلاك، كي لا تلجأ الحكومة إلى تخفيف الأحمال، إلا أنه يعتقد أنها ستلجأ إليها رغم ذلك.
ويضيف: “تتم إعادة التغييز من خلال السفن الثلاث الموجودة، وآخرها التي وصلت إلى العين السخنة يوم الجمعة وتم ربطها بالشبكة القومية، لكن هذه السفن تحتاج إلى غاز مسال لتحويله، فأين الغاز أصلًا؟، المكان الوحيد الذي لم يكن يحتاج إلى سفن إعادة التغييز هو الغاز الوارد من إسرائيل، لأنه يسير عبر الأنابيب مباشرة، أما ما نستورده من الخارج عبر السفن، فهو ما يحتاج إلى عملية إعادة التغييز، وذلك يتم من خلال سفينتين موجودتين بالفعل، والثالثة تم ربطها أمس”.
ويُبيّن الخبير أنه عندما يدخل الغاز إلى مصر ويصبح جزءًا من الشبكة القومية، سواء كان من الإنتاج المحلي أو مستوردًا، يتم توجيهه إلى ثلاثة محاور رئيسية، الأول هو للاستخدامات العامة للمواطنين، سواء في المنازل أو السيارات، وهذا الخط لا يمكن المساس به، ويشمل أيضًا محطات توليد الكهرباء، مع العلم أن هذه المحطات يمكنها العمل بوقود ثنائي: الغاز أو المازوت، أي أن لديها بدائل، أما الصناعات المقصودة بخفض إمدادات الغاز لها أو وقفها، فهي صناعة الأسمدة، لأنها قائمة بشكل أساسي على الغاز الطبيعي، ثم تليها الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، مثل: صناعات الحديد والأسمنت والسيراميك، وقد يتم خفض الكميات الموردة لهذه المصانع، بشكل قد لا يسمح لها بالعمل لثلاث ورديات مثلًا، فتضطر للعمل بورديتين أو وردية واحدة فقط.
ويعتبر عرفات أن البيان يعد تنبيهًا لما قد يحدث من تداعيات قد تتمثل في زيادة الأسعار، لأن المعروض سيقل عن الطلب، وفي فترة الصيف يكون الطلب متزايدًا، إضافة إلى خفض إمدادات الغاز لمصانع الأسمدة والبتروكيماويات بنسبة ربما تصل إلى 30% أو 40%، لأن الأولوية ستكون لاستخدام الغاز في إنارة المنازل وتشغيل السيارات، مشيرًا إلى أن خفض استهلاك محطات توليد الكهرباء للغاز سيقابله استخدام متزايد للمازوت، وكلاهما يتم شراؤه بالعملة الصعبة، لكن المازوت يسهل الحصول عليه نسبيًا.
وكانت الحكومة قد أعادت مؤخرًا هيكلة أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في المنازل، وطبقت الزيادة الجديدة في أسعار الغاز الطبيعي المنزلي بدءًا من فاتورة شهر يونيو 2025 الجاري، بزيادة نسبتها 33.3% بالنسبة للشريحة الاستهلاكية من 0 إلى 30 مترًا مكعبًا، وبنسبة 25% للشريحة من 31 إلى 60 مترًا مكعبًا، وزيادة قدرها 40% لشريحة الاستهلاك التي تتخطى 60 مترًا مكعبًا من الغاز الطبيعي، وتعتبر تلك الزيادة الثانية خلال أقل من عام، بعد رفع أسعار الغاز في سبتمبر 2024، وجاءت تزامناً مع رفع أسعار الوقود واسطوانات البوتاجاز في أبريل.
نوصي للقراءة: هل ينطفئ حلم الاكتفاء الذاتي للطاقة؟ تداعيات انخفاض إنتاج حقل ظهر على مصر؟
وقف الإمدادات مؤقت واحترازي
في حين نقلت وكالة رويترز للأنباء على لسان مصادر لم تُسمها، أن شركات الأسمدة المصرية اضطرت إلى وقف عملياتها، الجمعة الموافق 13 يونيو، نتيجة انخفاض واردات مصر من الغاز الطبيعي من إسرائيل، فإن المهندس إسلام وردة، وكيل شركة أبو زعبل للأسمدة، كشف لـ”زاوية ثالثة” عن أن العمل في مصنع “أبو زعبل” للأسمدة لا زال يجري بشكل اعتيادي وأن إمدادات الغاز الطبيعي للمصنع لم تتوقف، كما لم تتلق إدارته بعد أي تعليمات رسمية متعلقة بخطة الطوارئ التي أعلنت عنها وزارة البترول، لافتًا إلى أن خفض وزارة البترول لإمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة، في يونيو من العام الماضي، لم يؤثر بالسلب على إنتاجه، لكون الخفض حدث خلال فترة خفض المصنع للإنتاج وليس خلال موسم الذروة؛ حيث تعتبر الفترة من شهر سبتمبر وحتى يناير هي ذروة إنتاج مصانع الأسمدة في مصر، لارتباطها بموسم الزراعة، موضحًا أن المصنع لم يطاله قطع الغاز بشكل كامل مدة 24 ساعة.
وكانت وزارة البترول والثروة المعدنية، قد خفّضت في يونيو 2024، إمدادات الغاز الطبيعي لشركات صناعة الأسمدة بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30%، وتوقف العمل ببعض مصانع الأسمدة لحين تدبير كميات الغاز اللازمة، وجاء الخفض بعد أسابيع قليلة من إيقاف الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) لإمداد الغاز عن مصانع شركات البتروكيماويات، والذي استمر لمدة 11 يومًا، وفقًا لما كشفته تقارير صحفية، قبل أن تعلن الوزارة إعادة التشغيل والضخ لإمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة تدريجيًا اعتبارًا من السادس من يونيو 2024، وقد دفع الانقطاع شركات أبوقير للأسمدة وسيدي كرير وكيما، وقتئذٍ، لإعلان توقف مصانعها عن العمل لحين استقرار ضغوط شبكات تداول الغاز الإقليمية.
من جهته يعتبر خالد أبو المكارم، رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة في مصر، ورئيس شركة مكارم تكس، أنه من الطبيعي في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة، أن تتأثر قطاعات الصناعة والتصدير في كافة الدول، إذ أن هناك تحديات قائمة بسبب التوترات الجيوسياسية، ونتيجة لهذا فإن مصر في مرحلة تتطلب جهود كافة الجهات في الدولة لإعادة ترتيب الأولويات والبحث عن بدائل أكثر كفاءة.
يقول لزاوية ثالثة: “الجهات الحكومية المختصة تبذل جهودًا واضحة لضمان استقرار عمل القطاعات الحيوية وتقليل فرصة حدوث أية اضطرابات، ونحن نؤمن بمرونة وقدرة القطاع على التكيف مع التحديات، والاستفادة من الفرص المتاحة، ونتعامل معها بروح من التعاون مع الجهات المختصة لضمان استمرارية التوريد والتصدير بشكل منتظم. أما بالنسبة للقطاعات الأخرى، فلكل قطاع خصائصه التي تحدد مدى تأثره، إلا أن التنسيق المؤسسي المستمر يساعد على تقليل أي تداعيات محتملة”.
ويثني أبو المكارم على جهود وزارة البترول والثروة المعدنية في إدارة الموارد المتاحة بمرونة ومسؤولية، معتبرًا أن وقف الإمدادات لبعض الأنشطة الصناعية يُفهم في سياقه المؤقت والاحترازي، ويشمل أنشطة غير استراتيجية أو يمكن تشغيلها ببدائل مؤقتة، مؤكدًا أنه حتى الآن، لم يحدث تأثيراً جوهرياً على أنشطة التصدير في قطاع الصناعات الكيماوية والأسمدة، وأنه يجري العمل مع الشركاء الصناعيين لضمان استدامة العمليات الإنتاجية.
ويضيف: “مصر تتمتع بمؤسسات قوية قادرة على إدارة الأزمات والتعامل مع التحديات الإقليمية، ورغم التوترات في المنطقة، فإن الدولة تتخذ خطوات واضحة للحفاظ على الاستقرار الأمني والاقتصادي، ونحن كمجلس تصديري نركز على تعزيز العلاقات التجارية مع الشركاء الدوليين، وتوسيع الأسواق التصديرية، انطلاقاً من رؤية الدولة لدعم الصناعة الوطنية وزيادة الصادرات غير البترولية”.
وكانت مصر قد اتفقت مؤخرًا على استيراد ما بين 150 و160 شحنة من الغاز الطبيعي المسال حتى عام 2026، بقيمة تتجاوز 8 مليارات دولار، طبقًا لصحيفة “فوربس ميديل إيست”، ليكون بذلك أكبر برنامج استيراد للغاز تنفذه مصر منذ تحوّلها إلى دولة مُصدّرة في السنوات الأخيرة.
نوصي للقراءة: خفض إمدادات الغاز يُربك قطاع الأسمدة ويهدد الصادرات المصرية
السوق لن تحتمل مزيدًا من الزيادات
يؤكد الخبير الاقتصادي د. خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، المشكلة ترجع إلى كون الجزء من الغاز الذي كان يأتي إلى مصر من إسرائيل لم يعد متوفرًا، لأن إسرائيل أغلقت الحقل الذي كان يتم من خلاله نقل وتوصيل الغاز إلى مصر، نتيجة للحرب، وبالتالي، أصبح لدى مصر نقص، وهذا النقص يُقدر بقيمة الكمية التي كانت تأتي من الحقل، وعلى مصر خلال هذه المرحلة أن تبحث عن أسواق بديلة أخرى لاستيراد الغاز لتلبية احتياجات مصانع الأسمدة والبتروكيماويات والحديد، حتى لو واصلت أسعار الغاز الارتفاع، أو أن تلجأ تلك المصانع لتقليل إنتاجها خلال هذه المرحلة، لاسيما أن أغلبه موجه للتصدير بنسبة 70-80%، فلا يوجد لدى الدولة المصرية بديل آخر.
يقول لزاوية ثالثة “الحرب ستؤثر على مصر اقتصاديًا في كل النواحي، سواء من ناحية الممر الملاحي لقناة السويس وتباطؤ حركة التجارة العالمية، وتباطؤ سلاسل الإمداد والتوريد، كما ستؤثر على السياحة المصرية، وستؤثر على كميات الغاز وتؤدي لارتفاع أسعار الغاز والبترول، وبالتالي ستؤثر على أسعار السلع والمنتجات، سواء التي ستُنتج محليًا بغرض الاستهلاك المحلي، أو تلك الموجهة للتصدير، وسيظل الوضع الاقتصادي مضطربًا إلى أن تستقر الأوضاع”.
ويضيف: “بالنسبة لتخفيف الأحمال، أعتقد أن وزارة البترول ووزارة المالية قد اتخذتا حذرهما قبل الحرب بتوفير الاحتياجات الضرورية، خصوصًا أننا مقبلون على فترة الصيف، أتوقع أن يتم رفع سعر غاز المصانع بناءً على زيادته عالميًا. لكن بالنسبة للمستهلك أو المواطن، لن تتم أي زيادة قبل أول أكتوبر بناءً على ما تم الاتفاق عليه، أما أن نعلن اليوم عن زيادة أخرى، فهذا يعني زيادة الأسعار كلها مرة أخرى، وزيادة معدل التضخم، السوق لن تحتمل المزيد من الزيادات في الوقت الحالي”.
وفي ظل تصاعد التوترات الإقليمية، وتداعيات الحرب بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، تتضح هشاشة منظومة الطاقة في مصر أمام التقلبات الجيوسياسية، إذ تعتمد البلاد بشكل ملحوظ على واردات الغاز من تل أبيب، ما جعلها عرضة لتقليص الإمدادات مع كل تصعيد عسكري.
وبينما تسعى الحكومة المصرية إلى تعويض العجز بخطط طوارئ واستيراد شحنات إضافية من الغاز والوقود، تبقى الآثار الاقتصادية ممتدة، سواء على أسعار السلع أو على أداء الصناعات التصديرية، وتبدو الحاجة ملحة لتوسيع الشراكات المستقرة طويلة الأجل في مجال الطاقة، لتجنب تكرار سيناريوهات وقف إمداد المصانع بالطاقة وتخفف أحمال التيار الكهربي، لا سيما مع دخول الصيف.