عيد الأضحى في مصر: أضاحٍ أقل… وعادات تتغير

قفزات في أسعار اللحوم والأعلاف تعيد تشكيل طقوس عيد الأضحى في مصر، وتدفع آلاف الأسر إلى التنازل عن الذبيحة أو الاكتفاء بالتبرع، وسط ضغوط معيشية متفاقمة.
Picture of رشا عمار

رشا عمار

عجزت أسرة الحاج إبراهيم همام للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عام عن شراء الأضحية هذا العام، لم تتمكن من توفير سعر العجل (الأضحية) الذي بلغ في متوسطه من (80-100) ألف جنيه. للمرة الأولى في تاريخ مصر، يصل سعر الأضحية إلى هذا الحد، ومع استمرار الضغوط الاقتصادية، ومضاعفة النفقات عشرات المرات خلال السنوات الماضية لم يعد في استطاعتنا توفير ثمن الأضحية كما اعتدنا كل عام، أشعر بالحزن وأتمنى أن يسامحنا الله على أمر ليس بأيدينا، وفرنا مبلغ لشراء بضعة كيلوهات من اللحم وتوزيعها على الناس”، يقول الحاج إبراهيم إلى زاوية ثالثة.

على بعد أمتار قليلة من منزل الحاج إبراهيم، في مركز جرجا بمحافظة سوهاج، تجلس فاطمة عزيز، وهي أم لأربعة أيتام، كانت تعتمد على لحوم الأضاحي التي تُقدم لها سنويًا بشكل كامل، نظرًا لعد قدرتها على شراء اللحوم غالبية أشهر السنة، تقول فاطمة في حديثها معنا: “توفي زوجي قبل سنوات وترك 4 أبناء أكبرهم في الصف الثالث الإعدادي، لا نتقاضى معاش حكومي لأن زوجي لم يكن يعمل بالحكومة، كان عامل زراعي، لكن منذ سنوات قليلة حصلنا على معاش من مشروع تكافل وكرامة في البداية كان 400 جنيه ثم أصبح 560 جنيهًا منذ عدة أشهر.”

وتمضي فاطمة بحزن قائلة: “طبعًا تعلمون طبيعة الأسعار، ما نحصل عليه لا يكفي شراء كيلو لحمة واحد وبعض خضروات للطبيخ، وبالتالي نحن محرومين من شراء اللحوم، ونعتمد على أهل الخير سواء في المساعدات الشهرية التي تعيننا على توفير جزء من حاجاتنا الأساسية أو في توفير بعض المواد الغذائية للأطفال. وتضيف: “علمت أن بعض الناس مثل الحاج إبراهيم لن يقدموا على شراء الأضاحي هذا العام، طبعًا حزنت لأني وغيري كان لنا نصيب منها، لكن ليس باليد حيلة، نرجو من الله الفرج، وهذا كل ما يمكنني قوله”.   

ويواجه المصريون ضغوطاً اقتصادية متزايدة، يرجعها مراقبون تحدثوا إلينا إلى ثلاثة عوامل رئيسية، هي ارتفاع التضخم العام، تراجع قيمة الجنيه المصري، وتأثر أسعار الأعلاف بارتفاع تكلفة الاستيراد. فيما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في تقريره الأخير الصادر في مايو الماضي، ارتفاع معدل التضخم السنوي لإجمالي مصر إلى 13.5% في أبريل 2025 مقابل 13.1% في مارس من نفس العام. في الوقت نفسه، انخفضت قيمة الجنيه المصري بشكل ملحوظ، حيث وصل سعر الصرف إلى 50 جنيهًا لكل دولار في يونيو 2025، مقارنة بـ24.21 جنيه في 2022، هذه الظروف أدت إلى ارتفاع تكاليف الواردات، بما في ذلك الأعلاف والمواشي، مما زاد من أسعار الأضاحي.

 

نوصي للقراءة: ما بين رفع أسعار الأسمدة والتقاوي.. لماذا يغادر الفلاحون الأرض في صمت؟


لماذا ارتفعت أسعار الأضاحي؟

تعد الأعلاف أحد أهم مدخلات تربية الماشية، وقد ارتفعت بشكل حاد منذ العام الماضي، وتشير تقارير إلى صعود أسعار الذرة الصفراء (المادة الخام الأساسية للأعلاف) بنحو 12% مقارنة بعام 2024، لتصل إلى نحو 13,700 جنيه للطن، وارتفعت بذور الصويا المستوردة 85% إلى نحو 50 ألف جنيه للطن، هذه الزيادات في تكلفة الأعلاف تعكس بدورها صعود تكاليف الإنتاج، وفي السياق، أشار رئيس شعبة القصابين هيثم عبد الباسط، في تصريحات صحفية إلى أن زيادات هذا العام “تأثرت بأسعار السولار وزيادة تكلفة العلف”، كذلك تكبد المزارعون تكاليف إضافية ملحوظة، ما دفعهم إلى رفع أسعار الحيوان لتعويض الفارق.

إلى جانب ذلك، انخفض إجمالي رؤوس الماشية الحية في مصر من نحو 8.3 مليون رأس في 2022 إلى حوالي 7.6 مليون في 2023 (هبوط بنحو 8.4%)، ووفق تصريحات لوزير الزراعة، تبلغ احتياجات مصر من اللحوم الحمراء نحو مليون طن سنويًا، يغطي الإنتاج المحلي منها فقط نحو 600 ألف طن، فيما يتم استيراد النقص، يشير هذا إلى ضيق العرض المحلي وطول الإجراءات الجمركية لاستيراد الأغذية، ما أثر على الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، أدت مشاكل في نقل الحيوانات من المزارع إلى الأسواق (ومثلاً نقص شاحنات التبريد أو تأخر التخليص الجمركي) إلى اضطراب معروض الماشية قبل العيد مما زاد الضغط على الأسعار.

بمقارنة بيانات وزارة الزراعة لعام 2024، التي توفر عددًا من الأضاحي للمواطنين بنظام الحجز المسبق، فقد زادت الأسعار بنسب تتراوح بين 5% و20% مقارنة بالعام السابق. وسجّلت أسعار اللحوم في الأسواق المصرية خلال الأيام الماضية، قفزة ملحوظة مقارنة بموسم عيد الأضحى العام الماضي، حيث بلغ متوسط سعر الكيلو في محلات التجزئة الكبرى ومناطق القاهرة الكبرى نحو (400-600) جنيه للكيلو، فيما سجل الكليو نحو (380-420) جنيه في المحافظات، بعد أن كان يتراوح بين 350 و400 جنيه في 2024، بحسب شهادات ميدانية للمواطنين والتجار، كذلك ارتفعت أسعار اللحوم المعروضة في المنافذ المدعومة ومنافذ القوات المسلحة ووزارة الزراعة، لتصل إلى (280–300) جنيه للكيلو هذا العام، مقارنة بـ( 200–220) جنيهًا فقط خلال نفس الفترة من العام الماضي.

من جهتها، ترى -الكاتبة والباحثة بالاقتصاد-، ميرفانا ماهر أن الأزمة الاقتصادية الحالية ألقت بظلالها الثقيلة على المجتمع المصري، وتأثيرها بات واضحًا بشكل خاص خلال موسم عيد الأضحى. وتقول في تصريح إلى زاوية ثالثة إن ارتفاع أسعار الأضاحي في السنوات الأخيرة دفع العديد من الأسر إلى تقليص حجم الأضحية أو نوعها أو التوقف عنها تمامًا، مفضلة توجيه هذه الأموال إلى الجمعيات الخيرية، حتى العادات الاجتماعية المتأصلة، مثل توزيع لحوم الأضاحي على الأهل والأصدقاء، تراجعت بشكل ملحوظ، مما يعكس تغيرًا في السلوكيات المجتمعية تحت وطأة الضغوط الاقتصادية.

وتوضح ميرفانا أن الأزمة أعادت تشكيل سلوك الشراء لدى المصريين بشكل جذري. مضيفة: “بالطبع، لا يمكن للأسر التوقف عن تلبية الاحتياجات الأساسية كالطعام والشراب، لكن هناك تقليصًا واضحًا في استهلاك بعض المنتجات، يتجه الكثيرون الآن نحو المنتجات المحلية كبديل للمستوردة، مع إلغاء الكماليات وإعادة توجيه الإنفاق نحو الأولويات. بالإضافة إلى ذلك ازداد الاعتماد على الشراء بالتقسيط كوسيلة لتخفيف الضغط المالي، مما يعكس إعادة هيكلة ميزانيات الأسر لتتناسب مع الواقع الاقتصادي الجديد، مشيرةً إلى أن الجمعيات الخيرية أيضًا أصبحت ملاذًا للكثيرين، سواء للتبرع أو للحصول على المساعدات.

وتعتقد الكاتبة والباحثة الاقتصادية أن هذه الفجوة الاقتصادية ستستمر في الفترة المقبلة، خاصة مع إعلان الحكومة عن زيادات متوقعة في أسعار الخدمات مثل الغاز المنزلي والكهرباء، إلى جانب خطط إعادة هيكلة الدعم. متوقعة أن تدفع هذه التغيرات الأسر إلى إعادة تقييم مصروفاتها بعناية، خاصة في ظل دخل محدود لا يواكب وتيرة ارتفاع الأسعار. هذا الوضع يتطلب استراتيجيات جديدة لإدارة الموارد المنزلية لضمان الاستدامة المالية في ظل هذه التحديات.

النساء المعيلات: معاناة مضاعفة وبهجة مفقودة

تشير بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية إلى أن معدل الفقر في مصر بلغ 29.7% في عام 2020، مع استهداف خفضه إلى 27.9% بحلول عام 2025. وتُظهر هذه الأرقام أن نحو ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر، مما يعكس تحديات كبيرة في تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير حياة كريمة للمواطنين. وتُعد النساء، وخاصة المعيلات، من أكثر الفئات تأثرًا بمعدلات الفقر المرتفعة، حيث يواجهن صعوبات مضاعفة في تلبية احتياجات أسرهن الأساسية في ظل محدودية الموارد وارتفاع تكاليف المعيشة.

في السياق تقول -المحامية بالنقض ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون-، انتصار السعيد إن “تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر جعل غالبية الأسر، وعلى رأسها النساء المعيلات، عاجزات عن توفير الحاجيات الغذائية الأساسية، فما بالك بنفقات المناسبات والأعياد، مثل شراء الأضاحي أو مستلزمات العيد للأطفال”. موضحة في حديث إلى زاوية ثالثة: “العبء على النساء تحديدًا يتزايد بسبب الطابع الجندري غير العادل للأدوار داخل الأسرة، إذ تُحمَّل المرأة دائمًا مسؤولية ضمان ‘بهجة العيد’ وتوفير الأمن الغذائي للأسرة، حتى في ظل غياب الموارد أو الدخل الكافي”.

وتشير انتصار إلى أن “تلك الأعباء لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تشمل أيضًا ضغطًا نفسيًا وعاطفيًا كبيرًا، نتيجة شعور المرأة بالعجز عن تلبية احتياجات أسرتها، ما يعمّق الفجوة بين الحقوق التي ينص عليها القانون والواقع الذي تعيشه النساء يوميًا”. مؤكدة أن “المناسبات الدينية والاجتماعية، التي يُفترض أن تكون مواسم للفرح والتكافل، باتت تمثل أعباء خانقة على الأسر، في ظل غياب سياسات حماية اجتماعية فعالة، وتراجع منظومة الدعم، واستمرار معدلات التضخم المرتفعة”. وتقول: “ما نحتاجه اليوم هو تدخل حقيقي يعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية، ويضمن أن لا تتحول الأعياد إلى عبء نفسي واقتصادي، بل تبقى مساحة للفرح والكرامة الإنسانية للجميع”.

وأظهر تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول الإنتاج الزراعي في مصر، أن إجمالي إنتاج البلاد من اللحوم الحمراء بلغ 554 ألف طن خلال عام 2022، مقارنة بـ512 ألف طن في عام 2021، بنسبة زيادة وصلت إلى 8.2%. ووفقًا للتقرير، بلغ متوسط نصيب الفرد من اللحوم الحمراء نحو 7.4 كيلوجرام سنويًا، بينما لم تتجاوز نسبة الاكتفاء الذاتي من هذا النوع من اللحوم 56.6%، ما يعكس استمرار الاعتماد على الاستيراد لتلبية الطلب المحلي.

 

نوصي للقراءة: الأبقار المستوردة تنتصر في خطاب السيسي… لكن على حساب من؟

أسواق مرتبكة 

يجمع تجار ومواطنون تحدثوا إلى زاوية ثالثة على الارتفاع غير المسبوق في أسعار كافة السلع الاستهلاكية ومنها اللحوم، وحول الأسباب يوضح أحد تجار المواشي يدعى محمد الشريف من محافظة المنيا، أن السبب الرئيسي هو ارتفاع أسعار الأعلاف ومستلزمات، مشيرًا إلى أن سعر طن العلف المستورد تضاعف خلال العامين الماضيين  ليصل إلى (13-15 ألف جنيهًا) ما يمثل عبأ كبير على التجار والمزارعين ومربي الماشية، كذلك تضاعفت مصاريف الرعاية البيطرية والتغذية للمربّين الصغار والمتوسطين، حيث بات الكثيرون يضطرون للتخلي عن بعض قطع القطيع أو تقليل أوزان المواشي المعروضة للبيع لتقليل المصاريف الإجمالية.

ويضيف: “من جانب آخر، أثر ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في تكلفة نقل الأعلاف والماشية من المحافظات الريفية إلى أسواق المدن. فبسعر لتر مازوت تجاوز ٤ جنيهات في مارس ٢٠٢٥، أصبح سعر نقل حمولة علف واحدة يكلف المربي ما يزيد على ١٥٠٠ جنيهاً، مقارنة بأقل من ٧٠٠ جنيه قبل عام.”

شهدت أسعار اللحوم الحمراء في مصر ارتفاعًا تاريخيًا خلال العقد الأخير، حيث ارتفع سعر الكيلو الطازج بنسبة تقارب 365%، مرتفعًا من نحو 81 جنيهًا في عام 2014 إلى ما يقارب 377 جنيهًا في يونيو 2024، وفقًا لبيانات رسمية وتحليلات سوقية. وسجّل عام 2023 أكبر قفزة سنوية في أسعار اللحوم منذ عام 2014، إذ ارتفع سعر الكيلو من 170 جنيهًا في يوليو 2022 إلى 325 جنيهًا في يونيو 2023، بزيادة سنوية قياسية بلغت 91%، وهي النسبة الأعلى في عقد كامل. تواصل هذا التصاعد خلال عام 2024 واستقر عند متوسط يتراوح بين 370 إلى 400 جنيه للكيلو في الأسواق الحرة، مع تسجيل أسعار تتجاوز 500 جنيه في بعض المناطق الراقية بالقاهرة الكبرى في النصف الأول من عام 2025.

ويواجه تطوير الثروة الحيوانية في مصر، تحديات هيكلية عميقة تعيق تحقيق تنمية مستدامة وفعالة. فالقطاع يعاني من محدودية الموارد الطبيعية، خاصة نقص الأراضي الصالحة للرعي والمراعي، بالإضافة إلى شح المياه، وهو ما يحد من قدرة التوسع في الإنتاج الحيواني. كما أن المنافسة الشديدة بين زراعة المحاصيل الغذائية والإنتاج الحيواني على الموارد المتاحة تزيد من تعقيد المشكلات، مما يجعل القطاع عرضة لتأثيرات سلبية بسبب السياسات الزراعية التي تميل إلى تهميش الإنتاج الحيواني.

على الرغم من إطلاق مشروعات قومية ضخمة مثل مجمعات الإنتاج الحيواني المتكاملة، ومراكز التلقيح الصناعي، وبرامج التحسين الوراثي، فإن هذه المشروعات تواجه تحديات في تحقيق أهدافها كاملة، خاصة فيما يتعلق بإشراك صغار المربين الذين يشكلون الجزء الأكبر من القطاع. فارتفاع تكاليف الإنتاج، وغلاء الأعلاف، وصعوبة الحصول على التمويل المناسب، رغم وجود برامج تمويلية بفوائد مخفضة، لا تزال عوائق رئيسية أمام توسع وإنتاجية صغار المربين. كما أن الاعتماد الكبير على استيراد السلالات المحسنة ورؤوس الماشية يضع عبئاً اقتصادياً ويؤثر على الاستدامة، رغم محاولات تقليل الاستيراد تدريجياً. إضافة إلى ذلك، لا تزال هناك فجوات في تحديث البنية التحتية للقطاع، مثل المجازر ومصانع الألبان، رغم المشروعات الجديدة، مما يؤثر على جودة الإنتاج وكفاءته.

إن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر نجمت عنها ارتفاعات قياسية في أسعار الأضاحي خلال موسم عيد الأضحى ٢٠٢٥، بما فاق قدرة العديد من الأسر على شراء ذبيحة العيد بطريقة تقليدية، فقد ارتفع متوسط سعر الخروف المتوسط إلى نحو 20 ألف جنيهًا، ما سلط الضوء على عجز الأهالي عن تأمين نفقات الطعام والاحتفالات في المناسبات الدينية والاجتماعية الأخرى.

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search