الأبقار المستوردة تنتصر في خطاب السيسي… لكن على حساب من؟

دعا الرئيس المصري إلى استبدال الماشية المحلية بسلالات أجنبية أكثر إنتاجًا، في خطوة أثارت تحذيرات من خبراء بشأن نفوق الأبقار وتآكل السلالة البلدية وتهديد الأمن الغذائي.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

قبل أيام دعا الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى إطلاق برنامج وطني لإحلال رؤوس الماشية، الموجودة لدى المزارعين، واستبدالها بسلالات أكثر إنتاجية في اللحوم والألبان، بهدف تحسين دخل الأسر الريفية ودعم الاقتصاد الزراعي، مُقترحًا استبدال الدعم النقدي الشهري المقدم لبعض الأسر ضمن برنامج “تكافل وكرامة”، برأس ماشية منتجة .

التصريحات الرئاسية التي جاءت خلال فعاليات موسم حصاد القمح لعام 2025، أثارت عاصفة من الجدل؛ إذ أكد متخصصون في الثروة الحيوانية والطب البيطري، أن سلالات الماشية المستوردة تحتاج إلى تجهيزات خاصة ورعاية طبية دائمة وكميات أكبر من الأعلاف والعليقات، لا يستطيع الفلاح أو المُربي توفيرها، الأمر الذي يهدد بنفوقها، فيما حذّر خبراء من خطورة القضاء على السلالات المحلية باعتبارها مستودعًا جينيًا هو نتاج آلاف السنين من التفاعل والتكيف مع المناخ والبيئة في النطاق الجغرافي المصري ومقاومة الأمراض والظروف المناخية غير المثالية للإنتاج.

وسبق أن أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، في يناير عام 2019، عن استيراد أبقار عشار من الاتحاد الأوروبي، من سلالات عالية الإنتاجية للتربية المنزلية، كنوع من الدعم لصغار المربين والفلاحين، في إطار مبادرة مشروع النهوض بالثروة الحيوانية لزيادة إنتاج اللحوم والألبان وتحسين السلالات، وضمن مبادرة من البنك المركزي، تتيح للفلاحين وصغار المربين الحصول على قروض بسيطة لشراء رأس إلى ثلاث رؤوس من الأبقار الأوروبية، وسداد القرض على 4 سنوات.

 استجاب للمبادرة عدد من الفلاحين وصغار المربين في مصر، سعيًا منهم وراء زيادة إنتاج اللحوم والألبان، إلاّ أن العديد منهم عانوا على مدار السنوات القليلة الماضية من تكرار نفوق الأبقار في مزارعهم وإصابتها بالأمراض والالتهابات، نتيجة عدم قدرتها على التكيف مع الظروف البيئية والعوامل المناخية ونقص مناعتها للأمراض، مقارنة مع نظيرتها من السلالات المحلية، الأمر الذي كبدهم خسائر مادية كبيرة.

وتُظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن أعداد الماشية في مصر (أبقار – جاموس – أغنام – ماعز – جمال) سجلت إنخفاضًا منذ عام 2014 بنسبة 59.1%؛ إذ كانت تبلغ 18.6 مليون رأس آنذاك، لكنها انخفضت إلى 7.6 مليون رأس في عام 2023، وتزامنًا مع بدء تطبيق المبادرة حدث انخفاض مفاجئ في أعداد المواشي عام 2019 لتصل إلى 7.4 مليون رأس، بدلًا من 8.9 مليون عام 2018، وتراجعت الأعداد لأدنى مستوى لها عام 2020؛ إذ بلغ إجمالي رؤوس الماشية والأغنام 6 ملايين و500 ألفِ رأس، في ذلك العام.

وخلال السنوات العشر الأخيرة انخفض متوسط نصيب الفرد من الألبان، إذ كان يبلغ 61.9 كيلو جرام في عام 2014، لكنه تراجع إلى 51.8 كيلو جرام في عام 2023، بنسبة إنخفاض قدرها 16.3%، وكان متوسط نصيب الفرد من اللحوم الحمراء في عام 2014، قد بلغ 10.8 كيلو جرام، وارتفع في عام 2015 إلى 13.6 كيلو جرام، إلاّ أنه تراجع على مدار السنوات التالية ليصل إلى 7.9 كيلو جرام في عام 2023، بنسبة انخفاض قدرها 27% مقارنةً بعام 2014، ونسبة 42% مقارنة بـ 2015، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

 

نوصي للقراءة: أزمة غذائية حادة في مصر: كيف تُثقل أخطاء الإصلاح الاقتصادي صحة المصريين؟


السلالات المحلية هي مستودع جيني

تُصنّف سلالات الماشية إلى ماشية الحليب وماشية اللحم والماشية ثنائية الغرض، وتضم سلالات أبقار الحليب كلٍ من: الهولشتين، أشهر أنواع الأبقار المنتجة للحليب، وهي سلالة هولندية ألمانية، والهولشتين الحمراء والبيضاء، والتي تنتمي إلى الولايات المتحدة وكندا وتتحمل درجات الحرارة المرتفعة، وتتحلى بنظام مناعةٍ قوي ضد الأمراض، وأبقار جيرسي، أصغر سلالات الأبقار حجماً، وأصلها جزيرة جيرسي البريطانية، وتمتاز بمقدرتها على العيش في الطقس الدافئ والبارد، واحتواء حليبها على نسبةٍ عالية من الدهون، وهناك الأبقار السويسرية البنية التي تنحدر من جبال الألب في سويسرا، وهي من أقدم سلالات الألبان في العالم، ويتميز حليبها بنسبة البروتين والدهون العالية، وبقرة غوينسري التي تمتاز بلونها الذهبي وحليبها المحتوي على البيتا كاروتين، أحد مصادر فيتامين أ، إضافة إلى أبقار إيرشاير، التي تنتمي إلى جنوب غرب اسكتلندا، التي تتميّز بدهنها الأبيض وتحتوي على تركيبة حليب متوسطة إلى عالية، وعائد حليب متوسط إلى العالي.

ومن أشهر سلالات الأبقار المنتجة للحوم، حول العالم، “أبردين أنجس” التي تربى عادةً في المناطق ذات الأمطار الغزيرة وتستطيع التأقلم مع أنواع متعددة من الظروف البيئية، وتمتاز بلونها الأسود، وتشتهر بإنتاجها للعجول، وتتشابه مع سلالة الأنجس الأحمر التي تم تطويرها من عجول حمراء، أُنتجت من أبقار من سلالة الأبردين ـ أنْجس، إضافة إلى أبقار البراهمان التي تعيش في المناخات الحارة الرطبة، التي تعيش في الهند، وهناك سلالة الشارلاي، التي نشأت في فرنسا، وتمتاز بأحجامها الهائلة، وسرعة نمو عجولها، وكذلك بقرة هيريفورد، وأصلها من إنجلترا، وتتميز بإنتاج العجول، وتستطيع تحمل ارتفاع درجات الحرارة، وتحتاج إلى عناية أقل، وسلالة أبقار ليموزين الفرنسية، والتي تمتاز بكثافة عضلاتها ولحومها قليلة الدهون.

وهناك أيضًا سلالة الديفون الإنجليزية، والجالوي والهايلاند الأسكتلندية، وسلالات المين ـ أنج والسيلارز والتارنتيز الفرنسية، وسلالات أخرى مثل: الجلبفيه من ألمانيا، والفرزيان من أيرلندا والشيانينا والمارشجينا والروماجنولا من إيطاليا، والبُنسمارا والدريكنسبيرجر من جنوب إفريقيا، وجميعها تستخدم في إنتاج اللحوم.

 فيما تعد أشهر سلالات الأبقار ثنائية الغرض، بقرة سيمينتال السويسرية التي  تربى لإنتاج اللحم والحليب، والميرى جري الأسترالية، والبيفماستر والبرانجس والشاربري والسانتا جيرترودس الأمريكية، والدراوت ماستر الأسترالية، ومونتبليارد ونورمندي الفرنسية، فليكفيه الألمانية، وسلالة بونسمارا الجنوب أفريقية، وشورثورن البريطانية.

أما السلالات المصرية من الأبقار فتنقسم إلى: الأبقار الدمياطي، تعتبر أقل الأبقار حجمًا وإنتاجها من الحليب يعتبر مرتفعًا؛ إذ يبلغ 4000 رطل في العام ونسبة الدهن بها 5%، وهي تعد أبقار الحليب الأولى في مصر إلا إن عددها قليل، وهناك الأبقار المنوفي أو البلدي، هي أبقار العمل الأولى في مصر فهي أكبر حجمًا من الدمياطي وأقل إدرارًا للحليب، والأبقار الصعيدي، التي تعيش في الوجه القبلي وهي صغيرة الحجم ويعتقد أنها قابلة للتسمين، ويعد إدرارها للحليب جيدًا، وهناك الأبقار الصحراوي، وهي هزيلة ولا تصلح للعمل أو إنتاج الحليب، وتوجد أيضًا أبقار الهيرفورد الإنجليزية الأصل، المنتجة للحم الجيد، والتي نجحت تربيتها في مصر لكونها مقاومة لمرض السل وتصلح للعيش في البلاد الحارة، وتحتاج إلى تكاليف أقل، وتوجد بكثرة في محافظة الوادي الجديد.

وتظهر إحصائيات رسمية، أن نحو 92% من الأبقار في مصر تنتمي إلى سلالات محلية ضعيفة الإنتاج؛ إذ تنمو البقرة البلدي بمعدل يومي يتراوح بين 600 إلى 700 جرام فقط، بينما السلالات العالمية مثل: الهولشتاين وأنجوس قد يزداد وزنها بنحو 1.5 إلى 2 كجم يوميًا، ويتراوح إنتاج الأبقار المصرية من الألبان بين 5 و 30 كيلوجرامًا يوميًا لكل بقرة، تبعًا لنوع السلالة وطرق الرعاية، وهي تنتج كميات أقل من الأبقار الأجنبية مثل: سلالة “هولشتاين”، والتي قد يصل إنتاجها إلى 50 كيلوجرامًا يوميًا، وتنتج الأبقار الهجينة بين الأبقار المحلية والسلالات الأجنبية ما بين 25 إلى 50 كيلوجرامًا يوميًا.

ورغم ضعف إنتاجية السلالة المصرية من الأبقار إلاّ أن علماء يحذّرون من القضاء عليها واستبدالها بسلالات مستوردة؛ إذ يوضح استشاري التغذية والأعلاف د. محمد الشريف، الحاصل على الماجستير والدكتوراه في تغذية الحيوان، من جامعة مينيسوتا، بالولايات المتحدة الأمريكية، أن السلالات المحلية هي مستودع جيني أو تجميعة جينية، نتاج آلاف السنين من التفاعل والتكيف مع المناخ والبيئة في النطاق الجغرافي المصري ومقاومة الأمراض والظروف المناخية غير المثالية للإنتاج، مؤكدًا أنه يجب المحافظة عليها كأساس للتحسين الوراثي بالانتخاب والتهجين لرفع كفاءتها الإنتاجية، بطرق علمية وبرامج بحثية منظمة تحتاج إلى اعتمادات مالية ومرافق وإمكانيات بحثية كبيرة. 

ويضيف خبير تغذية الحيوان، في تغريدة له عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي إكس، أن الدولة  تقوم بتشجيع وتحفيز زيادة استيراد أبقار من سلالات أجنبية عالية الإنتاجية، ولكنها تحتاج إلى حظائر حديثة تحاكي الظروف المناخية الملائمة في موطن استنباطها وإنتاجها، مجهزة بالعزل والتهوية والتبريد والهيجين والحلب الآلي والتلقيح الصناعي بسائل منوي مستورد باستمرار، ولذلك فهي مناسبة لكبار المنتجين، و غير مناسبة لتربيتها فرادى لدى صغار الفلاحين، نافيًا بشدة أن تكون الأبقار المستوردة بنفس تكلفة التغذية وتنتج لبن أو لحم أكثر، كما يكرر الرئيس، موضحًا أنه كلما زادت قدرتها الوراثية على إنتاج أكبر، كلما زادت احتياجاتها الغذائية وتكلفتها، وأيضًا تكلفة رعايتها ووقايتها من الأمراض وحساسيتها لاختلاف الظروف المناخية المصرية عن بيئتها الأصلية، فلا تحسن إنتاجي مجاني.

 

نوصي للقراءة: ارتفاع الأسعار يدفع المستهلكين إلى مغامرات خطيرة: بدائل رخيصة قد تُكلفهم حياتهم

اختلاف البيئات المناخية والوبائية والمراعي

تُبيّن د. شيرين علي زكي، رئيسة لجنة سلامة الغذاء بنقابة الأطباء البيطريين ورئيس مجلس إدارة نادي النيل الاجتماعي للأطباء البيطريين، أن السلالات البلدية المصرية مقاومة لبعض أنواع الأمراض المتوطنة أفريقيًا، بينما استيراد سلالات من بيئات مختلفة وتربيتها في البيئة المحلية يؤدي لحدوث فارق في معدل المناعة لديها، نتيجة اختلاف البيئات المناخية والوبائية والمراعي، مبينة أن إنتاج اللحوم والألبان الكبير لدى تلك السلالات يرتبط بتناولها لكميات كبيرة من الأعلاف والعليقات بنسب محددة للمواد التي تدخل في تكوينه، وتحتاج إلى مراعي مختلفة لا تتوفر في مصر، فيتم تعويض ذلك بكميات هائلة من الأعلاف، في حين تتم تربية السلالة المحلية في الزرائب وتتناول ما يقدمه لها الفلاح أو المربي.

تقول لزاوية ثالثة: “إذا كان الرئي�� يريد منح المربيين رؤوس ماشية تنتج كميات كبيرة من الألبان واللحوم فإنه يجب أن يوفر الأعلاف لهم بأسعار مدعمة، وإلاّ سيمثل إطعام تلك الماشية المستوردة “خراب بيوت” لا يقدر عليه الفلاح في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الأعلاف نتيجة لسعر صرف الدولار”، لافتة لكون مذاق لحوم السلالات البلدية الذي اعتاد عليه المستهلك المصري، يختلف عن مذاق السلالات المستوردة وإن تناولت نفس العليقة وتم ذبحها في مصر، رغم كون إنتاج اللحم لدى السلالة المحلية أقل بكثير من السلالات الأوروبية. 

وتوضح الطبيبة البيطرية أن هناك إمبراطوريات لإنتاج الألبان في مصر وشركات أجنبية في السوق المصري تعتمد على سلالات الأبقار المستوردة، وهي ناجحة في ذلك لكون معدلات الإنفاق لديها على الأعلاف والرعاية الصحية والتحصينات للماشية عالية للغاية، إضافة إلى قيامها بتصميم المزارع بطريقة تمتاز بالأمان الحيوي، تحول دون انتشار الأوبئة الموسمية، وتلجأ إلى أعلاف وعليقات وتراكيب تساعد على الإنتاجية الأعلى للألبان واللحوم، ولا يمكن بأي حال مقارنتها بإمكانيات الفلاح أو المربي البسيط الذي لا توجد لديه معرفة علمية للعناية بالماشية المستوردة ولا يوجد لديه طبيب بيطري مقيم بالمزرعة، بل يلجأ للعلاج بالوصفات البلدية في أغلب الأحوال قبل الاستعانة بالطب البيطري، وقد يهمل التحصينات مما يؤدي لحصول حالات نفوق للماشية لديه وتفشي للأمراض، لا سيما أن السلالات المستوردة يصعب عليها العيش في زريبة وتحتاج إلى حظائر بمواصفات معينة.

وفي حين أخفقت تجارب بعض الفلاحين وصغار مربي المواشي، في تربية الأبقار المستوردة، فإن كبرى شركات إنتاج الألبان في مصر تعتمد على سلالات مستوردة منها؛ إذ تمتلك شركة مزارع دينا، التابعة لمجموعة القلعة، قطيعًا كبيرًا من الأبقار، من سلالة الهولشتاين الأمريكي، وهي سلالة مشهورة بإنتاجها العالي من الحليب،  يصل إنتاجها إلى 80000 طن سنويًا، يبلغ عدد رؤوس القطيع لديها أكثر من 13,262 رأس، منها حوالي 7,291 بقرة حلابة، وتستهدف الشركة زيادة الإنتاج إلى 140,000 طن في عام 2025. 

بدورها تقوم شركة جهينة باستيراد سلالة أبقار الفريزيان هولشتين المنتجة للحليب، واستيراد سلالة السمينتال وهي سلالة ثنائية الغرض لإنتاج الألبان وإنتاج اللحم، لقدرتها كبيرة على تحمل الظروف البيئية الصعبة، وتطبق الشركة نظام مبتكر لتبريد الأبقار لمواجهة الظروف المناخية السائدة في المنطقة ودرجة الحرارة العالية والرطوبة المنخفضة، من خلال وضع مراوح كبيرة الحجم والطاقة مع وجود طلمبات لدفع المياه على الأبقار لتبريدها بحيث تكون المياه عبارة عن رذاذ فقط، ويساهم هذا النظام المبتكر للتبريد في إعطاء الأبقار كفاءة إنتاجية عالية، ويؤدي لثبات المعدلات الإنتاجية صيفاً وشتاءً، ولضمان خلو الأعلاف والألبان المنتجة من الأمراض، أنشأت الشركة معملًا لتحليل المواد الغذائية المقدمة للأبقار وتحليل الألبان المنتجة لمعرفة جودتها وتحليل الأمراض التي تصيب الأبقار ومعرفة العلاج والتحصينات الملائم.

فيما تقوم شركة لمار مصر  بتربية أبقار الهولشتاين، باعتبارها من أفضل أنواع الأبقار لإنتاج الحليب، وتوفر لها مزرعة بمنطقة النوبارية،  تزرع المحاصيل الزراعية لإطعامها، وتملك المزرعة أكثر من 10,000 بقرة، منها: أبقار هولشتاين، وتم تربيتها في حظائر خاصة واختيار أنواع محددة من المحاصيل الزراعية لضمان التغذية الجيدة لها، والحرص على تقديم رعاية صحية جيدة لها من خلال فحصها بشكل دوري وتوفير بيئة صحية ومريحة للأبقار.

 

نوصي للقراءة: الري بمياه الصرف الصحي يهدد الأمن الغذائي في القليوبية

التهجين بدلًا من الاستبدال

مؤخرًا أنشأت وزارة الزراعة 4 مراكز رئيسية للتلقيح الاصطناعي، في مصر، بمناطق “العامرية – سخا – العباسية – بني سويف”، و632 نقطة تلقيح إصطناعي بالوحدات البيطرية وتجهيزها بالأجهزة المطلوبة، جميعها تعمل على إنتاج السائل المنوي المستخدم في عمليات التلقيح الاصطناعي لتحسين السلالات المصرية بالخلط مع السلالات الأجنبية عالية الإنتاجية من اللحوم والألبان، والسلالات المصرية.

وتعد إنتاجية سلالات الأبقار المحلية من الألبان واللحوم أقل من نظيرتها الأوروبية، إذ يبلغ متوسط حجم إنتاج الألبان للبقرة البلدي نحو 8 كيلو من اللبن يوميًا، وتبلغ زيادة الوزن من 800 جرام إلى كيلو، بحسب ما يشرح د. أحمد شهاب الدين، مدير مركز التلقيح الصناعي ونقل الأجنة، إلى زاوية ثالثة، إلا أنه يشدد على ضرورة إحداث عملية أقلمة للمواشي المستوردة، وتوفير التبريد لها لحمايتها من الأجواء الحارة في الصيف، لتجنب حدوث نفوق لنسبة تبلغ 10% إلى 20% منها بسبب اختلاف البيئة، وعجز الفلاح عن توفير عنصر التبريد للماشية، أو أن يتم عوضًا عن ذلك إحضار السلالات الأوروبية من مزارع موجودة في مصر، مثل: جهينة ومزارع دينا وملكيز وكوبنهاجن، إلاّ أنه يلفت إلى أن تلك المزارع لا تمتلك ما يكفي لاستبدال السلالات المحلية من الماشية والتي تبلغ أعدادها نحو 3 ملايين رأس.

يقول لزاوية ثالثة: “في البداية نسأل المربي هل يريد إنتاج الألبان أم اللحوم؟ أم ثنائي الغرض؟، إذا كان يستهدف اللبن نقوم بتلقيح الأبقار لديه بالسائل المنوي لأبقار الهولشتاين التي يصل إنتاجها إلى 50 لتر يوميًا، ونقوم بخلط الأبقار البلدي بالسويسرية البنية وتعطي نتائج جيدة في معدلات تحويل اللحوم تصل إلى كيلو ونصف زيادة يوميًا، أما بالنسبة لثنائية الغرض فنقوم بتهجين الأبقار المحلية مع السيمينتال السويسرية، والمونتبليارد الفرنسية، وهي تعطي نحو 35 كيلو من اللبن يوميًا، ونسبة التحويل لديها 1.7 كيلو يوميًا، ولإنتاج اللحوم نقوم بتهجين البقرة البلدي مع سلالة أبردين أنجس أو الشارلاي، أبقار ليموزين، والتي تصل معدلات تحويل اللحم لديها إلى 2 كيلو يوميًا، وتتميز بمذاق طيب”.

ويؤكد شهاب الدين أن تخليط السلالات المحلية بالسلالات المستورة عبر التلقيح الصناعي، يعطي نتائج جيدة؛ إذ يزداد إنتاج الماشية المهجنة، من الألبان بنسبة 50%، وتكون لديها مناعة عالية من الأمراض ولديها تكيف مع الظروف البيئية، لاكتسابها الصفات من الأم، موضحًا أن سلالات الماشية المحلية بعضها مخلط كأبقار التي تمتاز باللونين الأبيض والأسود، أما الأبقار المصرية الخالصة فيكون لونها أصفر أو أحمر.

بدوره يوضح المهندس سامح سليمان، مدير مركز العامرية للتلقيح الاصطناعي، إلى زاوية ثالثة، أن السلالات الأوروبية تحتاج إلى رعاية خاصة وأقلمة للتكيف البيئي مع درجات الحرارة، لذا يكون التلقيح الاصطناعي خيارًا أفضل، لكونه يعطي هجينًا من الماشية لديه صفات وراثية قريبة من السلالات الأوروبية لكنها قادرة على التكيف من الأجواء المصرية، مُبينًا أن الوصول إلى هذه النتائج يحتاج إلى إنتاج ثلاثة أجيال من السلالات الهجينة على مدار 6 سنوات.

ويضيف أن الفلاح البسيط لا يستطيع توفير العناية الخاصة وكميات الأعلاف الكبيرة التي تحتاج إليها السلالات المستوردة، إذ يطعم الفلاح البرسيم والتبن (سيقان القمح المجففة) والردّة والذرة للماشية المحلية، بينما الأبقار المستوردة تصاب بالهزال والأمراض عندما تتلقى هذه التغذية غير الكافية، كما تكون المستوردة أكثر قابلية للإصابة بالحساسية والالتهابات، وتحتاج إلى ماكينات حلب صناعي كي لا يصاب الضرع بالضرر، كما أن مربي الماشية يحتاج إلى التدريب على الطريقة الصحيحة لتربية السلالات المستوردة والعناية بها.

 

نوصي للقراءة: مصر الأكثر تضررًا من تضخم أسعار الغذاء.. لماذا؟

الحاجة إلى توفير الأعلاف

يرى د. محمد فتحي سالم، أستاذ علم الوراثة، والمستشار السابق بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، أن تربية المواشي في القرى تختلف عن التربية النظامية لها في المزارع التابعة للشركات الكبيرة، والتي توفر الرعاية البيطرية الفائقة والتغذية العلاجية الجيدة، وهو الأمر الذي لا يتوفر لدى الفلاحين وصغار المربين، كما أن الأبقار الأوروبية لديها حساسية تجاه الحرارة ولكونها تنتج أضعاف كميات اللبن التي تنتجها السلالة المصرية فإنها تحتاج إلى تناول كميات أعلاف أكبر، لافتًا إلى إمكانية تطبيق تجربة البرازيل التي اعتمدت على التلقيح الصناعي في الريف، وتقسيم الماشية إلى ماشية الألبان وماشية اللحوم والماشية ثنائية الغرض.

ويؤكد المستشار السابق للفاو أن مصر لا تمتلك كمية الأعلاف اللازمة لتربية الماشية المستوردة، وأن الأمر يتطلب أن تعمل الحكومة على توفير الأعلاف عالية التركيز من البروتين بأسعار رخيصة، بتكنولوجيا مصرية ودون الحاجة إلى الاستيراد؛ إذ تنفق الدولة نحو استيراد الذرة الصفراء وفول الصويا نحو 6.8 مليار دولار، وفي حين ينتج الفدان في مصر نحو 50 إلى 60 طن علف، بينما يمكن أن ينتج 200 طن علف إذا تم استخدام التكنولوجيا المتطورة، وبالتالي يمكن استقدام السلالات الأوروبية التي تتطلب كميات أعلاف كبيرة.

وخلال السنوات الخمسة الماضية عمِدت وزارة الزراعة إلى تنفيذ برامج دعم لصغار المزارعين والمربين بهدف زيادة الإنتاج المحلي وسد الفجوة من اللحوم الحمراء وتقليل الإستيراد من الخارج، معتمدة على محاور تتمثل في إنشاء قاعدة بيانات، التوسع في المشروع القومي للبتلو، تبني سياسة تحسين السلالات ورفع مستوى انتاجية السلالات المصرية، توفير الرعاية البيطرية اللازمة للحفاظ على الصحة الحيوانية، تطوير مراكز تجميع الألبان.

وطبقًا لوزارة الزراعة فقد بلغ إجمالي المستفيدين من صغار المزارعين، من مشروع المشروع القومي للبتلو حوالي 42 ألف مستفيد بمعظم محافظات الجمهورية بعدد رؤوس ‏تصل إلى  475 ألف رأس، وبإجمالي تمويل تجاوز 7.3 مليار جنيه بسعر فائدة مدعومة تصل إلى 5%.

 

نوصي للقراءة: الكاسافا في مصر: فرص أضاعتها البيروقراطية وطريق لسد الفجوة الغذائية

الحاجة لخطة بعيدة المدى

 يشير د. أحمد فتحي نعيم، استشاري الثروة الحيوانية والداجنة، إلى ضرورة مواكبة الزيادة السكانية والتي تتطلب زيادة استهلاك كميات الألبان واللحوم، عبر دراسة مصر بأكملها وليس منطقة واحدة، واستغلال الأماكن الصحراوية والواحات في تربية الإبل، وتربية السلالات المستوردة التي تتحمل درجات الحرارة العالية، كالأنواع البرازيلية، في صعيد مصر، وموضحًا أن الخلط ما بين السلالات بدأ في مصر منذ سنة 1940 إلا أن مصر لم تنجح إلى الآن في تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم والألبان، بسبب الأمراض ودرجات الحرارة العالية، واستهداف زيادة الإنتاج بصرف النظر عن المناعة وعدم وضح السلالة المناسبة في المكان المناسب، مؤكدًا أن  مصر كدولة تدار في الإنتاج الحيواني بشكل خاطئ، لعدم وجود خطة طويلة المدى وكون تثبيت سلالة الجين تحتاج إلى 20 سنة على الأقل، وبالتالي لا يمكن عمل تطوير بشكل سريع.

يقول لزاوية ثالثة: “إن تكلفة الإنتاج الحيواني في مصر 80% منها تغذية، لذا يجب حل مشكلة الأعلاف وكسر احتكارها في السوق المصري، ونحن نحتاج إلى خطة طويلة المدى للتطوير الوراثي للسلالات في مصر وحل مشكلة الأعلاف، وزيادة الرقابة على الموانئ والتصدي لمحتكري إستيراد الذرة والفول الصويا، والذين يتحكمون في أسعارها، وحل مشكلات التسمين والقضاء على مركزية التحصينات والتي تتم نقلها من القاهرة للمحافظات بطريقة غير آمنة وغير علمية، مما يجعل كفاءة التحصينات مرتبطة بكفاءة المُحصّن، عبر إنشاء فروع للمصل واللقاح في المحافظات، وبذلك سيتم حل مشكلات الإنتاج الحيواني بشكل عام”

ويقترح الخبير أن تتوسع الدولة في تربية أغنام البرقي والأغنام  المتحملة لدرجات الحرارة، في الواحات، واستغلال السيول في صحراء سيناء والصعيد في زراعة مراعي طبيعية لتربية الماشية، وألا تترك الأمر فقط لعمل المستثمرين بشكل فردي أو للفلاحين ومربي الماشية في القرى، موضحًا أن السلالات المحلية من الماشية تمتاز بمناعتها العالية رغم ضعف إنتاجيتها، والأمر على النقيض مع السلالات المستورد، وللتغلب على تلك الإشكالية يجب اتباع أسلوب الخلط بين السلالات، عبر التلقيح الاصطناعي.

وفي ضوء التحديات البيئية والاقتصادية التي تحيط بالإنتاج الحيواني في مصر، لا يبدو أن الرهان على السلالات الأجنبية عالية الإنتاجية، يمكن أن ينجح دون توفير البنية التحتية الملائمة والدعم الفني والمالي الكافي؛ فبينما تسعى الدولة إلى تعظيم العائد الاقتصادي من الثروة الحيوانية وتحسين دخل الأسر الريفية، فإن الخبراء يحذرون من تجاهل الخصائص البيئية المحلية وواقع المربين البسطاء، والذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، منها نفوق الماشية المستوردة وخسائر فادحة لصغار الفلاحين، وتآكل السلالات البلدية التي تمثل كنزًا جينيًا لا يعوّض.

وبينما تنجح الشركات الكبرى بفضل إمكانياتها الضخمة في تربية السلالات الأجنبية، لا يزال الفلاح الصغير يفتقر إلى الدعم الفني والتقني اللازم لخوض التجربة ذاتها، ومن هنا، يبرز خيار التهجين المدروس كحل علمي وعملي، يحافظ على السلالات المحلية ويحسّن إنتاجيتها تدريجيًا، بدلًا من استبدالها كليًا بسلالات مستوردة قد لا تحتمل الأجواء المصرية، ولا يقدر على تكاليفها المُربي البسيط.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search