منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة عام 2014، أعلن في التاسع من ديسمبر من العام نفسه عن إطلاق إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد، وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد، في احتفال رسمي أقيم بمقر هيئة الرقابة الإدارية. جاءت هذه الاستراتيجية تطبيقًا للمادة (218) من الدستور المصري التي تلزم الدولة بمكافحة الفساد، وتنص صراحةً على ضرورة تنسيق الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة فيما بينها لتعزيز النزاهة والشفافية، وضمان حسن أداء الوظيفة العامة، والحفاظ على المال العام، بالإضافة إلى وضع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومتابعة تنفيذها بالشراكة مع الجهات المعنية الأخرى، وفقًا لما يحدده القانون.
وتتمحور الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد حول ثلاثة محاور رئيسية؛ أولها إصدار القوانين واللوائح التشريعية الداعمة لمكافحة الفساد، وثانيها تعزيز قدرات الجهات الرقابية والقضائية وتمكينها من تطبيق الاستراتيجية بكفاءة، وأخيرًا محور الإرادة السياسية التي تعد القوة المحركة والداعمة للمحورين السابقين، باعتبارها الشرط الأساسي لنجاح جهود مكافحة الفساد. وقد تميزت المرحلة الحالية في مصر بتوفر هذه الإرادة على مستوى القيادة السياسية بشكل واضح، تجسد في الالتزام بعدم التستر على أي فساد أو فاسدين مهما كانت مناصبهم أو مواقعهم، مما أسهم في توفير المناخ المناسب لمكافحة الفساد.
وعقب إطلاق هذه الاستراتيجية، تأسست في عام 2017 «الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد» التابعة لهيئة الرقابة الإدارية، وهي مؤسسة متخصصة تتولى تنظيم دورات تدريبية سنوية وفق برامج وخطط معتمدة، مخصصة لأعضاء الهيئة، إضافةً إلى عقد المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش التي تستهدف نشر ثقافة النزاهة والشفافية، وزيادة الوعي العام بمخاطر الفساد وطرق مكافحته.
نوصي للقراءة: كيف تسلل الفساد إلى المتحف المصري الكبير؟
تراجع في مؤشر الفساد بعد عقد من الإستراتيجية الوطنية
بعد مرور عشر سنوات على إطلاق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وسبع سنوات من تأسيس الأكاديمية الوطنية المتخصصة في هذا المجال، احتلت مصر المرتبة 130 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2024، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، والذي يرصد مدى انتشار الفساد وغياب الشفافية. ويعكس هذا التصنيف تراجعًا كبيرًا مقارنة بعام 2023 الذي كانت مصر تحتل فيه المركز 108، لتعود بذلك إلى نفس المرتبة التي احتلتها سابقًا عام 2022. وقد حصلت مصر في المؤشر الحالي على 30 نقطة من أصل 100 نقطة، في تراجع واضح مقارنة بالعام الماضي الذي سجلت فيه 35 نقطة.
يعتمد مؤشر مدركات الفساد على عدد من التقارير التي تصدرها بنوك ومؤسسات دولية بارزة مثل البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي، والتي تُقيّم المخاطر والتحديات المتعلقة بالفساد في مختلف الدول. ويرصد المؤشر ظواهر محددة تشمل: الرشوة، تحويل الأموال العامة لأغراض خاصة، استغلال المسؤولين مناصبهم دون محاسبة، ضعف قدرة الحكومات على مواجهة الفساد، البيروقراطية المفرطة، المحسوبية والواسطة في التعيينات الحكومية، غياب القوانين التي تلزم المسؤولين بالإفصاح عن ممتلكاتهم وتضارب المصالح، ضعف حماية المبلغين عن الفساد، استيلاء مجموعات المصالح الضيقة على مفاصل الدولة، وغياب حرية الوصول إلى المعلومات العامة. في المقابل، لا يشمل المؤشر قضايا أخرى مثل: تجارب المواطنين الشخصية مع الفساد، الاحتيال الضريبي، التدفقات المالية غير الشرعية، ممارسات تبييض الأموال، فساد القطاع الخاص، والأسواق غير الرسمية.
في هذا الإطار، يرى زهدي الشامي، الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن مصر رغم وضعها إستراتيجية وطنية وإنشاء أكاديمية لمكافحة الفساد، فإن هناك منظومة من التشريعات والممارسات التي تقنن غياب الشفافية، وتخلق مناخًا يعزز انتشار الفساد. وأوضح في تصريح إلى «زاوية ثالثة» أن البداية الفعلية لتقنين هذا المناخ بدأت مع إصدار قانون تحصين العقود الحكومية في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، والذي جعل تعاقدات الحكومة محصنة قانونيًا من الطعن أمام القضاء، وهو ما أتاح تنفيذ عقود تضرّ بالمال العام مثلما حدث في قضية مجموعة «عمر أفندي». وأشار الشامي في تصريح إلى زاوية ثالثة، إلى أن هذا القانون حرم المواطنين والرأي العام من التدخل قضائيًا ضد أي تعاقد حكومي مشبوه، بينما كانت العقود في السابق قابلة للإبطال قضائيًا، كما حدث بالفعل في قضايا خصخصة شهيرة مثل «طنطا للكتان» و«عمر أفندي». ورغم المحاولات القضائية للطعن في دستورية القانون، فإنها لم تحقق أي نتائج إيجابية.
وبحسب الشامي، يأتي أيضًا في هذا السياق قانون المناقصات والمزايدات الحكومية، الذي منح الحكومة صلاحيات واسعة في تجاوز الطرح العلني للمناقصات، والاستعانة بالأمر المباشر في معظم الأعمال الحكومية، الأمر الذي يهدر ملايين الجنيهات ويضعف الرقابة على الأموال العامة بشكل كبير. وأضاف الشامي أن الصندوق السيادي المصري، الذي يرأسه رئيس الجمهورية، يُدير تريليونات الجنيهات من أصول الدولة في غياب كامل للشفافية والرقابة، واصفًا إياه بـ«الصندوق الأسود» الذي يمثّل الباب الخلفي والملكي للخصخصة دون رقابة فعلية أو محاسبة حقيقية، مما يؤدي إلى زيادة المخاطر ويفتح المجال واسعًا أمام الفساد.
ويختتم الشامي حديثه بالتأكيد على أن مثل هذه الممارسات التشريعية والتنفيذية أدت إلى اتساع نطاق إهدار المال العام، سواء من خلال رفع تكاليف مشروعات حكومية لا تحقق عائدًا حقيقيًا، أو عبر عمليات الخصخصة التي تتم بأسعار تقل كثيرًا عن القيمة السوقية للأصول، الأمر الذي ساهم في زيادة الديون وإبقاء مصر رهينة لشروط صندوق النقد الدولي.
بيئة خصبة للفساد
في 14 يناير 2023، وبعد 9 سنوات من الطعن على قانون تحصين العقود الحكومية، حكمت المحكمة الدستورية العليا، بدستورية قانون تحصين العقود الحكومية الصادر عام 2014. وينص القانون على قصر حق الطعن على العقود الحكومية على طرفي التعاقد فقط وأصحاب المصلحة المباشرة، وهو ما يمنع الطعن أمام القضاء على أشياء من قبيل عقود الخصخصة التي تمت في أوقات سابقة.
كان القانون قد أصدره الرئيس السابق عدلي منصور، ووصفه المركز المصري للحقوق الإقتصادية والإجتماعية، بأنه قانون يتسبب في إهدار حق المواطنين والعمال في كشف شبهات الفساد بتلك العقود والتي أضحت محصنة بسبب هذا القانون.
وأوضح تقرير المركز المصري أن المال العام وثروات مصر حق للمواطنين ولهم بالتبعية حق الرقابة عليها والحفاظ عليها، في الوقت الذي قررت الحكومة اغتصاب ذلك الحق من بين أيدي المصريين ومن بين أيدي السلطة القضائية وخاصة القضاء الإداري، الذي أصدر العديد من الأحكام ببطلان عقود الفساد وأعادت الكثير من الهيئات والشركات التي تم خصخصتها تحت ظروف أقل ما توصف به أنها مشبوهة.
يرى أكرم إسماعيل عضو اللجنة المركزية لحزب العيش والحرية -تحت التأسيس، أن الأزمة في مصر تتمثل في أن النظام بالكامل يساهم في خلق بيئة خصبة للفساد. يعود ذلك إلى التدخل المبالغ فيه للدولة في كافة الجوانب بشكل غير منطقي. حيث تمتلك السلطة سلطات واسعة جداً، وهذا يفتح الباب أمام الفساد، وتمتلك الأجهزة الحكومية صلاحيات كبيرة جداً. في المقابل، يفتقد الجهاز الإداري في مصر إلى الكفاءة، ويعاني من أجور ومرتبات منخفضة، مما يزيد من فرص انتشار الفساد.
ويضيف في حديثه الخاص لزاوية ثالثة، من ناحية أخرى، تكاد تكون معظم التعاملات الاقتصادية في مصر تحتوي على قدر من الفساد، نتيجة لغياب منظومة حكم شفافة وقادرة على منع الفساد. مشيرًا إلى أن الفساد أصبح وسيلة لإدارة الأعمال، وذلك نتيجة الصلاحيات الواسعة الممنوحة لأجهزة الدولة، بالإضافة إلى غياب إجراءات رشيدة تضمن النزاهة. وتابع هذا إلى جانب تعدد السلطات التي يمتلكها أفراد الدولة، مثل أمين الشرطة أو مهندس الحي أو الموظف الحكومي، مما يجعل بعضهم يستغل مناصبهم لتحقيق مصالح شخصية. كما أن هذا الامتداد يصل أيضاً إلى رجال الأعمال والشركات الكبرى.
صحيح أن الفساد موجود في جميع دول العالم، بما فيها الدول المتقدمة، ولكن ال��ارق هو أن هناك دولاً تعمل على بناء أنظمة لمواجهة الفساد، بينما في مصر تم تكريس الفساد ويثبت وجوده من خلال مجموعة من الممارسات، يقول إسماعيل.
يرى السياسي عضو العيش والحرية أن تدخل الجيش في العديد من الأنشطة الاقتصادية وزيادة استثماراته أدى إلى نشوء جهاز قوي داخل الدولة، يتمتع بنفوذ كبير واحتياطي ضخم من الثروات. هذا بجانب وجود قانون مناقصات معيب يثير العديد من التساؤلات حول شفافية العمليات الاقتصادية. بالإضافة إلى غياب برلمان حقيقي يناقش هذه المشروعات ويقيمها ويراقب الحكومة، فضلاً عن غياب المجالس المحلية المنتخبة التي يمكنها ضبط الأوضاع في الشوارع والأحياء. كل هذه العوامل، إلى جانب غياب الديمقراطية الشديد وتمركز السلطة، تساهم في فتح الباب أمام الفساد.
كما يرى أن الأجهزة الرقابية في مصر شهدت تراجعاً ملحوظاً في دورها. وأن دورها يظهر فقط عندما تقرر الدولة توجيه ضربة إلى بؤرة فساد، ولكن هذا لا يحدث بشكل مستقل تماماً، بل يعتمد على إرادة الأفراد الذين يتمتعون بنفوذ داخل النظام. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الأجهزة الرقابية في قوتها على كونها أجهزة قضائية، وليس كونها ممثلة لقطاعات من الشعب لها مصالح مباشرة، مثل المجالس المحلية أو البرلمان أو النقابات. هذه المؤسسات المنتخبة هي التي توفر الرقابة الفاعلة المرتبطة بمصالح المواطنين، حيث يقوم هؤلاء بانتخاب الأفراد المستقلين للمراقبة.
من الناحية الاقتصادية يقول إسماعيل أن الفساد يساهم في خلق موجة احتكارية شديدة، حيث يتمكن أصحاب النفوذ والسلطة فقط من تكوين ثروات، مما يؤدي إلى تدهور أوضاع الطبقات المتوسطة والدنيا، التي تعاني من ظروف معيشية شديدة القسوة. ويشير إلى أن المشروعات الصغيرة تواجه صعوبات يومية للاستمرار، وهناك نسبة كبيرة من الأنشطة الاقتصادية غير رسمية، تهرباً من دفع التكاليف الباهظة. وظهور القطاع غير الرسمي مرتبط في الأساس بأشكال الفساد، وهذا يؤدي إلى تأثيرات مباشرة على الاقتصاد والنمو الاجتماعي والاقتصادي، مما يخلق وضعاً اقتصادياً معقداً له تبعات اجتماعية وخيمة.
نوصي للقراءة: رشاوٍ وحقوق مهدرة.. 23 ألف قضية فساد عقاري في مصر
فساد ذو جذور تاريخية
نشرت الجريدة الرسمية في العدد رقم 6 في 8 فبراير عام 2007، قرار رئيس جمهورية مصر العربية حينذاك محمد حسني مبارك بشأن إنضمام مصر إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والموقعة بتاريخ 9 ديسمبر 2003. وتعتبر مصر من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقية.
تعليقًا على هذا تقول مها عبد الناصر النائبة بمجلس النواب المصري عن حزب المصري الديمقراطي، إن تراجع مصر في مؤشر مكافحة الفساد يؤثر سلباً على البلاد، لأن أي مستثمر ينظر إلى هذا المؤشر قبل اتخاذ قرار بالاستثمار في مصر. سواء كان المستثمر رجل أعمال في مجال الصناعة أو التجارة، فإن هذا المؤشر يُعتبر أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على قرارهم في اختيار الاستثمار من عدمه.
وأضافت في تصريح إلى زاوية ثالثة أن المشكلة الحقيقية في مصر تكمن في أن الفساد أصبح مترسخاً منذ العهود السابقة، حتى أن المواطنين اعتادوا على أن الفساد هو القاعدة وليس الاستثناء. المؤشرات الأخيرة حول تراجع مصر في مكافحة الفساد تعكس غياب نية حقيقية لمواجهته، وأن ما يُقال عن مكافحة الفساد هو مجرد شعارات، دون وجود حلول حقيقية. رغم بعض القضايا التي تم الكشف عنها مؤخراً وأدت إلى إقالة بعض المسؤولين، إلا أن عدم الإعلان عنها بشكل مفصل لا يمنح المواطنين أو المستثمرين شعوراً بأن المحاسبة تشمل الجميع.
وعن دور البرلمان ترى عبد الناصر، أن لو كان البرلمان يضم معارضة أكبر، ربما كنا سنرى مطالبات أكثر وضوحاً في مكافحة الفساد، وكان بالإمكان أن تتم المراقبة بشكل أكثر فاعلية. كم ترى أن القضية هنا تتعلق بالممارسات وليس بالتشريعات، لأن من الناحية القانونية، كل ما يحدث خارج الإطار التشريعي هو مجرم. المشكلة الأكبر تكمن في الممارسات القديمة والاعتماد الكبير على التعاقدات بالأمر المباشر، وهو قانون قديم يفتح الباب أمام الفساد. ورغم أن هذه الصيغة قد تحل بعض الأزمات المرتبطة بالروتين والبيروقراطية، إلا أنها تظل محفوفة بمخاطر الفساد. وتابعت لا أستطيع القول بأن البرلمان لم يقم بدوره الرقابي كما يجب، ولكن كل ما نتمكن من فعله هو تقديم طلبات إحاطة واستجوابات.
وبسؤالها عن مصير طلبات الإحاطة التي قدمتها ومعها النائب فريدي البياضي بشأن تراجع مصر في مؤشر الفساد، أكدت النائبة مها عبد الناصر أنها لم تتم مناقشتها أو النظر فيها.
أما عن دور الأجهزة الرقابية ترى النائبة عن حزب المصري الديمقراطي، أنها فهي تقوم بعملها، ولكن من الضروري أن يكون دورها أكبر من مجرد إصدار التقارير. يجب أن يكون هناك محاسبة حقيقية وتحقيقات جدية في حالات الفساد. وينبغي التحقيق مع أي شخص يُشتبه في تورطه بالفساد لضمان محاسبة فعالة وشفافة.
وكانت النائبة مها عبد الناصر قد تقدمت بطلب إحاطة موجه إلى كل من رئيس الوزراء، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، بشأن تراجع مصر في الترتيب العالمي الخاص بمؤشر الشفافية الدولية في مكافحة الفساد.
وثمنت النائبة في طلبها انطلاق المرحلة الأولى من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في عام 2014 وحتى 2018 ثم إطلاق المرحلة الثانية في عام 2019 وحتى 2022، ولكننا في ظل هذا التراجع الذي جاء بمؤشر الشفافية الدولية نحتاج إلى أن نسأل الحكومة عن أسباب ذلك التراجع كما أننا نحتاج إلى كشف حساب يبين الأهداف التي تحققت من مرحلتي الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.
واختتمت بالمطالبة بالتحقيق الفوري من خلال كافة الأجهزة الرقابية لمعرفة ماذا تفعله الحكومة في سبيل المكافحة الحقيقية للفساد والعمل على تحقيق أهداف الاستراتيجية وفهم التحديات والعوائق التي تواجهها وتجعلها غير قادرة على مواجهة هذا الفساد.
غياب العدالة الإجتماعية
في حوار سابق أجرته منصة زاوية ثالثة مع فريدي البياضي النائب في مجلس النواب المصري عن الحزب المصري الديمقراطي، أكد على أن تراجع مصر إلى المركز 130 من أصل 180 دولة، بعدما كنا في المركز الــ 100، يعني أننا في أدنى درجات مكافحة الفساد، وهو التراجع الأكبر خلال 13 عامًا منذ انضمامنا إلى هذه المؤسسة في عام 2012. حينها كان لدينا درجة 32، ثم وصلنا إلى 37 درجة في عام 2014، وتراجعنا مؤخرًا إلى 30 درجة في آخر مؤشر صدر الشهر الماضي. هذا يثير العديد من علامات الاستفهام ويطلق ناقوس الخطر.
وأضاف في حواره لزاوية ثالثة أن الفساد مثل السرطان الذي يأكل في جسد الوطن، وإذا لم نتمكن من استئصاله، فقد يقضي علينا جميعًا في وقت قريب. يجب التدخل فورًا، لأن هذا يؤثر على العديد من القطاعات، بما في ذلك سمعة البلد، وجذب الاستثمار الأجنبي، وثقة المستثمرين، والاقتصاد بشكل عام. كما يؤثر على ثقة المواطن في حكومته، مما يدفع البعض إلى التهرب من دفع الضرائب، إذ يرون غياب الشفافية وأن أموالهم لن تُصرف بطريقة صحيحة.
وأوضح أن هذا المؤشر أيضًا يُظهر غياب العدالة الاجتماعية، حيث توجد مرتبات ضخمة تُصرف في القطاع الحكومي، بينما آخرون لا يحصلون حتى على الحد الأدنى للأجور. هناك أيضًا أزمة في تعيين المعلمين بدعوى عدم وجود إمكانية مالية، فضلًا عن أن هذا المؤشر يشير إلى وجود فساد في سياسات الحكومة نفسها. مشيرًا إلى أن الموضوع خطير للغاية، و يجب تفعيل دور الأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، الرقابة الإدارية، وجهاز مكافحة التهرب الضريبي. حيث هذه الأجهزة تعمل بكفاءة، لكن تقاريرها غالبًا ما تُهمل ولا يتم الاستفادة منها.
الجدير بالذكر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أًصدر في 28 مارس عام 2016، قراراً بعزل المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك استنادًا للقانون رقم 89 لسنة 201، الذي أجاز لرئيس الجمهورية عزل رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والجهات الرقابية من مناصبهم في حالات عدة. وقد فتح هذا القرار نقاشًا حول مدى دستوريته ودستورية القانون المذكور، بالإضافة إلى تساؤلات حول جدية مكافحة الفساد في مصر.
وأعلن المستشار هشام جنينة في ديسمبر 2015، أن الجهاز المركزي للمحاسبات قام بدراسة عن “تحليل تكاليف الفساد بالتطبيق على بعض القطاعات في مصر”، وأن تكلفة الفساد في السنوات الأربع الأخيرة (2012-2015) في مصر تجاوزت الـ600 مليار جنيه. وأثار حديث جنينة غضب مؤسسات الدولة. وأمرت رئاسة الجمهورية بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول هذه التصريحات. وأعلنت اللجنة في يناير 2016 تقريراً وصفت فيه تصريحات جنينة ب”التضخيم والتضليل” في حجم وقيمة الفساد، وأن التقرير فاقد للمصداقية بسبب احتوائه على وقائع حدثت منذ عشر سنوات. كما أعابت اللجنة على التقرير إغفاله “المتعمد” لما تم اتخاذه من قرارات حيال ملاحظات تم ادراجها في تقارير سابقة وإحالة بعض هذه الحالات للنيابة العامة أو النيابة الادارية. كما وصفت اللجنة التقرير بأنه أساء توظيف الأرقام والسياسات بشكل يظهر الإيجابيات بشكل سلبي. وبناء على التقرير بدأت نيابة أمن الدولة العليا التحقيق في بلاغات مقدمة تتهم رئيس الجهاز بتعمد نشر أخبار لها تأثير سلبي على الاقتصاد القومي، كما حظرت النشر في القضية. وقد استدعت النيابة المستشار جنينة للتحقيق معه في القضية في نفس يوم عزله من منصبه.
وفي أغسطس عام 2020، قررت محكمة جنح القاهرة الجديدة، بقبول استئناف هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات شكلاً فى قضية الدراسة والتي عرفت إعلاميًا بالتصريحات المسيئة للدولة، ، ورفضه موضوعاً، وتأييد الحكم السابق بحبسه سنة وغرامة 20 ألف جنيه، وإيقاف التنفيذ لمدة 3 سنوات، وذلك بموجب المادة 102 مكرر من قانون العقوبات، التي تعاقب بالحبس “مدة يحددها القاضى، بحد أقصى 5 سنوات، وغرامة تتراوح بين 50 و200 جنيه.
والجهاز المركزي للمحاسبات هو “هيئة تتولى الرقابة على أموال الدولة، والأشخاص الاعتبارية العامة، والجهات الأخرى التي يحددها القانون، ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة والموازنات المستقلة، ومراجعة حساباتها الختامية.”