في أبريل الجاري، طالت قرارات الإغلاق الإداري سلسلة محلات “بلبن”، التي تأسست في الإسكندرية عام 2021 وتوسعت سريعًا لتصبح إحدى أبرز العلامات التجارية في قطاع الحلويات بمصر. وشمل القرار نحو 110 فرعًا موزعة على عدة محافظات، من بينها القاهرة والجيزة والغربية، إلى جانب إغلاق سلاسل أخرى، منها: “عم شلتت” للفطائر، “كرم الشام” للشاورما، و”كنافة وبسبوسة”.
وجاءت هذه القرارات عقب إعلان الهيئة القومية لسلامة الغذاء عن تلقيها شكاوى من خلال البوابة الإلكترونية لمنظومة الشكاوى الحكومية الموحدة ووحدة الرصد التابعة لها، تفيد بحدوث حالات تسمم غذائي مرتبطة بمنتجات تلك المحلات. ووفق ما جاء في بيان الهيئة، فإن المخالفات شملت وجود بكتيريا ممرضة في بعض المنتجات، وتداول أغذية مجهولة المصدر، وسوء تخزين، فضلًا عن عدم استيفاء التراخيص القانونية اللازمة.
في السياق ذاته، أصدرت وزارة الصحة المصرية بيانًا ذكرت فيه أن فرقها الرقابية نفذت 232 مرورًا تفتيشيًا على فروع ومصانع سلسلة “بلبن”، أسفر عن رصد كميات من الأغذية مجهولة المصدر وأخرى منتهية الصلاحية، إلى جانب 122 منشأة غير مرخصة. وأوضحت الوزارة أن نتائج فحص 437 عينة كشفت عن وجود نسب غير مطابقة للمواصفات القياسية واللوائح الفنية، ما استدعى إعدام 697 كجم من الأغذية و70 لترًا من المشروبات والعصائر لتغير خواصها الطبيعية. كما تم تحرير 387 محضرًا تضمنت مخالفات تتعلق بنقص في الاشتراطات الصحية أو غياب الشهادات الصحية للعاملين بالأغذية.
التحرك المصري جاء بعد أسابيع من إعلان السلطات الصحية السعودية تسجيل حالات تسمم غذائي بين مواطنين في الرياض، أعقبها صدور قرار بإغلاق كافة فروع “بلبن” داخل المملكة. وفي مصر، أعلنت الهيئة القومية لسلامة الغذاء تلقيها شكاوى عبر بوابة الشكاوى الحكومية الموحدة ووحدة الرصد التابعة لها، تفيد بوقوع حالات مشابهة بعد تناول منتجات من محلات “بلبن” وعدد من السلاسل المرتبطة بها.
إغلاق متاجر السلسلة خلال 72 ساعة، أثار التساؤلات حول ما إذا كانت هناك دوافع أخرى، مثل: التحقيقات المالية غير المعلنة أو ضغوط من جهات منافسة، لاسيما أنها قد سبقتها حملات إعلانية مثيرة للجدل، إذ أطلقت بلبن إعلانات استفزت علامات تجارية منافسة لها مثل: “العبد” و”وزير الحلو”، وردت عليها سلسلة متاجر “المالكي” بإعلان يسخر من “بلبن”، ويلمح إلى تورط السلسلة في غسيل الأموال، وإثر ذلك تقدمت شركة العبد للاستثمار والتصنيع وتجارة الحلوى، بشكوى رسمية إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ضد شركة “بلبن”، في مارس الماضي، مطالبةً بوقف الحملة الإعلانية الخاصة بكحك العيد، التي تتضمن إساءةً لمؤسسها، وفي مطلع إبريل الجاري، تقدمت إدارة شركة بلبن بالاعتذار لشركة العبد وجمهورها الذين أزعجهم الإعلان، وكانت “بلبن” قد واجهت في سبتمبر 2024، انتقادات بسبب أسماء بعض منتجاتها مثل: “لهاليبو يح يح وقشطوزة ومتشخلعة ومدلعة ومسخسخة”، التي اعتبرها البعض غير لائقة ومخالفة للذوق العام، وأطلقوا دعوات لمقاطعة منتجاتها.
وبالتزامن واجهت سلسلة “بلبن” حملات إلكترونية، على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وX، تضمنت تشكيكًا في جودة المنتجات، سرعة انتشار الفروع، ومصادر التمويل؛ مما يثير التساؤلات حول دوافع هذه الحملات، وما إذا كانت مدفوعة بأطراف منافسة أو أسباب أخرى؛ ويظهر تحليل تلك الحملات، والذي أجرته “زاوية ثالثة”، أن خطاب تلك الحملات تركز على دعوات للمقاطعة، انتقادات لجودة المنتجات، وتساؤلات حول دوافع الإغلاقات، واتهامات مثل: غسيل الأموال أو التمويل المشبوه، مع تكرار ملحوظ لشائعات غسيل الأموال واتهامات التمويل، يشبه إلى حد ما أساليب الحملات الممنهجة التي تستخدم اتهامات غير مؤكدة لتشويه السمعة.
تشير الحملات السابقة التي واجهتها الشركة في 2024، بخصوص أسماء المنتجات، إلى نمط متكرر من الانتقادات ربما تكون مدعومة من جهات منافسة أو أطراف تسعى لتقويض نجاح السلسلة؛ إلا أننا لاحظنا التنوع في الحسابات الالكترونية؛ إذ جاءت المنشورات من حسابات فردية متنوعة، ما يعني عدم وجود دليل واضح على أنها تنتمي إلى مجموعة منظمة أو بوتات، وعدم وجود هاشتاغ موحد، على عكس الحملات الممنهجة التي غالبًا تستخدم هاشتاغات محددة لتوحيد الخطاب، مثل: حملات المقاطعة المنظمة، فالمنشورات لم تظهر وسمًا بارزًا سوى #بلبن ، مما يقلل من احتمالية التنسيق الممنهج.
وبدورها لعبت وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تضخيم الجدل؛ إذ ركزت عناوين مثل: “غلق بلبن”، دون الإشارة إلى سلاسل أخرى بنفس القدر، مما قد يعزز الشعور بحملة موجهة، كما ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في تضخيم ردود الفعل تجاه أسماء المنتجات، تقارير التسمم الغذائي، والاغلاقات الرسمية، التي أثارت غضبًا عامًا لدى كثير من المستهلكين، مدفوعين بمخاوف صحية، وانتقاد الأساليب التسويقية الرخيصة، مثل: تأخير الطلبات لخلق زحام مصطنع واستخدام أسماء منتجات تحمل إيحاءات جنسية، وتزامنت الإغلاقات، مع تداول شائعات، بشأن السلسلة تتهمها بغسيل الأموال، مما يشير إلى احتمال وجود جهات تسعى لاستغلال الأزمة للإضرار بالسلسلة، ربما بسبب نجاحها التجاري أو دوافع تنافسية، إلا أنه لا يمكن الجزم بشكل قاطع بأن الحملات كانت ممنهجة بالكامل، لأن جزءًا منها عكس استياءً شعبيًا حقيقيًا مدعومًا بتقارير رسمية.
نوصي للقراءة: كيف استغلّت “لجان إلكترونية” غزّة وذكرى 25 يناير في حملة دعائية مُنظّمة؟
اتهامات بالفساد المالي
تواجه سلسلة محلات “بلبن” والسلاسل الأخرى التابعة لها، اتهامًا بالتهرب الضريبي، إذ أعلن أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، الأربعاء، عن تورطها في مخالفات مبدئية، تشمل التهرب الضريبي وعدم إصدار فواتير أو استخدام البطاقات الائتمانية، مبينًا أنه وفقًا للتقارير تم رصد مخالفات مبدئية بقيمة 135 مليون جنيه.
فيما تتبع تقرير لمنصة “صحيح مصر”، مُلّاك السلسلة، وهم: الأخوان مؤمن وكريم عادل، وإسلام سلامة، عبر المصادر المفتوحة وقوائم الشركات (Companies House – LinkedIn – OCCRP)، ليكتشف أن مؤمن عادل، يحمل جنسية “سانت كيتس ونيفيس”، وهي دولة كاريبية معروفة بكونها ملاذًا ضريبيًا، تتيح لحاملي جنسيتها إخفاء هويتهم، والحصول على إعفاءات ضريبية، والحماية من إجراءات التقاضي المعقدة، مما يتيح له نقل ثروته خارج مصر دون دفع ضرائب.
وتسمح الدولة المطلة على البحر الكاريبي بالحصول على الجنسية مقابل تبرع للحكومة بقيمة 250 ألف دولار، أو شراء عقار بقيمة 400 ألف دولار، وهي لا تفرض ضر��ئب على الدخل أو الثروة أو الميراث، كما أن جواز سفرها يسمح بدخول أكثر من 150 دولة دون تأشيرة، ويُفضّل من قبل البنوك العالمية لفتح الحسابات المصرفية، وسبق أن أُدرجت سانت كيتس في القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي عام 2018، ثم أُزيلت منها في فبراير 2020.
وكشف الصحفي المصري عبد الله أبو ضيف، عن وجود فروع ومقرات وهمية لشركة بلبن ونظام ضريبي مختلف للحماية، إذ تضم السجلات البريطانية مقرًا في لندن، باسم مؤمن عادل رمضان محمد عمار، مالك سلسلة بلبن، إلا أن هذا المقر وهمي ومخصص لهذا النوع من الشركات وتأجيره بـ30 دولار فقط في الساعة، لكن أوراق الشركة المسجلة في ويلز ببريطانيا حقيقية، وقد اعتمد في تسجيلها على جنسية سانت كيتس ونيفيس، باعتبارها إحدى دول الملاذات الضريبية المعروفة.
ويوضح المصري، في تدوينة له عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الأمر نفسه تكرر بالنسبة لشركات عدة في دبي وغيرها تحمل اسمه إلى جانب شركة آخرى في عمان، تحمل اسمه واسم شقيقه كريم عادل رمضان، وجميعها مسجلة باسم بلبن، مضيفًا أن مؤمن عادل سجل هذه الشركات بنظام الشخص الواحد للشركات، وهو نظام مختلف عن الفردي، يسمح بأن تُحسب الضريبة على أرباح الشركة فقط ليس على كامل دخل المالك الشخصي، ليصبح أقل عرضة للفحص الضريبي العشوائي، ويتيح له خصم التكاليف التشغيلية والمصروفات المرتبطة بالنشاط التجاري قبل احتساب الضريبة، مما قد يقلل من صافي الربح الخاضع للضريبة، كاشفًا عن أن جنسية سانت كيتس ونيفيس حصل عليها مؤمن، ـ نظير دفع 250 ألف دولار ـ، في نهاية ديسمبر 2024، بحسب بيانات تسجيل الشركة في ويلز البريطانية، أي قبل 45 يومًا فقط من بدء الأزمة التي بدأت من السعودية ثم امتدت إلى إغلاق فروعها في مصر.
ولاقت السلسلة مؤخرًا اتهامات غير رسمية، بالتورط في أنشطة غسيل أموال، استنادًا إلى توسعها غير المسبوق في مصر وخارجها خلال سنوات قليلة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية في مصر، وأبرزها ارتفاع التضخم وتكاليف التشغيل العالية، إلى جانب إطلاق السلسلة لحملات تسويقية مكلفة، إذ تقدم المحامي سمير صبري، ببلاغ إلى النائب العام وإدارة مكافحة جرائم غسيل الأموال ضد مؤمن عادل، مالك سلسلة “بلبن” وسلاسل أخرى مثل “وهمي” و”كرم الشام”، اتهمه خلاله بممارسة أنشطة تتعلق بغسيل الأموال، مستنداً إلى التوسع السريع للسلسلة، الحملات الدعائية الضخمة التي استهدفت المشاهير ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود شبهات حول مصادر التمويل.
ورغم الشكوك المتداولة بشأن تمويل السلسلة، إلا أنه لا توجد حتى الآن تقارير رسمية تؤكد وجود تحقيقات جنائية فعلية بتهمة غسيل الأموال، مما يجعل هذه الاتهامات في إطار الشائعات أو الافتراضات، وفي 18 أبريل 2025، ظهر مؤمن عادل، المدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة “بلبن”، في برنامج “الحكاية” مع الإعلامي عمرو أديب على قناة MBC مصر، للرد على الاتهامات، ونفى عادل بشكل قاطع أي تورط في غسيل الأموال أو تمويل مشبوه، مؤكداً أن الشركة تعمل بشفافية وتتعامل مع أكبر الموردين والشركات في مصر، والفروع تشهد إقبالاً كبيراً من العملاء، مما يبرر الأرباح التي تم تمويل التوسع بها، كما أن الشركة تساهم في تصدير الفواكه ومواد التعبئة والتغليف، مما يدر عملة صعبة لمصر.
نوصي للقراءة: مكافحة الفساد في مصر: كيف تحوّلت الاستراتيجيات إلى حبرٍ على ورق؟

غياب الحوكمة وإدارة المخاطر
يعزي الخبير الاقتصادي د. أحمد شوقي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء، الانتشار الكبير لسلاسل محلات “بلبن”، في محافظات مصر والدول العربية، إلى زيادة معدلات الطلب الذي يساعد إداراتها على التوسع، لكن يفترض أن تكون هناك إدارة للمخاطر، تدرس المخاطر المحتملة عند التوسع ومشكلات التشغيل الإشكاليات المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية والشهادات الصحية، وإلا يصبح توسعها عشوائيًا قائم على زيادة الطلب فقط، ويؤدي غياب الحوكمة وإدارة المخاطر ومنظومة السلامة الصحية الخاصة بالغذاء، إلى سقوطها المفاجئ بمجرد تعرضها لمشكلة، مؤكدًا إلى زاوية ثالثة، أن السلسلة تمتلك إضافة للمحلات خطوط إنتاج مساعدة مثل: مزارع إنتاج الألبان، والفاكهة، و��طوط إنتاج العصائر، وخطوط للتصدير للخارج، وأنها خرجت عن النطاق المحلي لتصبح دولية، وكان عليها أن تحذو حذو الشركات الدولية في الاعتماد على الحوكمة وإدارة المخاطر.
ويستبعد الخبير وجود أي شبهة غسيل أموال تتورط بها الشركة، كما يشاع على مواقع التواصل الاجتماعي، مُبيناً أن كل جنيه يدخل أو يخرج من مصر، عبر القنوات الشرعية، يتعرض للرقابة عليه، ومباحث الأموال العامة والبنك المركزي لا يتهاونان في ذلك، لافتًا إلى أنه يفترض القيام بفحص ضريبي للشركة قبل اتهامها بالتهرب الضريبي، ويحق لها التقدم بنقض، وأن تتم إعادة الفحص، ويمكن عمل تسوية قبل وصول الأمر إلى ساحات القضاء، والحكم بالحجز على الحسابات البنكية للشركة، وهو ما لم يحدث في حالة “بلبن”.
وتستغرب د. سعاد الديب، رئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك، الانتشار الكبير والمفاجئ لسلاسل المحلات التجارية التابعة لسلسة “بلبن”، والتي تعتقد أن بعضها لم يخضع التراخيص ومطابقة المواصفات القياسية في مصر، المتعلقة بالصحة وسلامة الغذاء، مما جعلها تتعرض للغلق بعد حملات تفتيشية قامت بها هيئة سلامة الغذاء، أسفرت عن ضبط مخالفات صحية وإدارية ارتكبتها السلسلة، مشيرة إلى أن سوق صناعة المواد الغذائية في مصر يحتاج إلى مزيد من الضبط لحماية صحة المواطنين من المواد الغذائية الضارة بالصحة والمخالفة للمواصفات القياسية، مبينة إلى زاوية ثالثة، أن المطاعم والمحلات التجارية المخالفة عادة ما تتعرض للغرامة والإغلاق مؤقت لحين توفيق أوضاعها.
نوصي للقراءة: مصر الأكثر تضررًا من تضخم أسعار الغذاء.. لماذا؟
تدخل رئاسي لحل الأزمة
من جهتها وجّهت شركة “بـ لبن” استغاثة إلى رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، وأجهزة الدولة المعنية، إثر توقّف نشاط الشركة نتيجة إغلاق جميع فروعها البالغ عددها 110 فرعًا، إلى جانب ال��صانع والمنشآت التابعة لها، والتي يعمل بها 25 ألف مصري، معتبرة في بيان لها أنها كيان وطني نشأ بأيدي مصرية وكبر بدعم هذا الوطن، وانتشر في تسع دول عربية، وحقق خلال سنوات قليلة ما يمكن اعتباره نموذجًا مصريًا مشرفًا في قطاع الأغذية والمشروبات، يُثبت أن مصر قادرة على تصدير علامات استثمارية ناجحة تنطلق من الداخل وتصل إلى كل الوطن العربي.
وفي حين انتقد البعض البيان لعدم تقديمه اعتذارًا أو توضيحًا بشأن المخالفات الصحية، مع التركيز على محاولة الشركة استدرار التعاطف بدلاً من تحمل المسؤولية، واصفين إياه بأنه محاولة لتسويق الأزمة عبر استثارة العاطفة، مع تجاهل الشفافية والقانون؛ فإن البيان لاقى استجابة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي دعا إلى عقد اجتماع عاجل مع الجهات المختصة للالتزام الكامل بمعايير السلامة داخل السوق المصرية تحت إشراف كامل من الجهات المختصة، مع الالتزام بجميع اشتراطات السلامة والمعايير المنظمة للعمل داخل السوق المصرية، مما دفع بالشركة لإطلاق بيان شكر للرئيس، معتبرة أن سرعة الاستجابة تعكس مدى جدية الدولة المصرية، في تحقيق التوازن بين تطبيق القانون، والحفاظ على الكيانات الوطنية الجادة التي نشأت في هذا الوطن، وتشغل أبناءه، وتُصدّر اسمه إلى الخارج بفخر، مؤكدة التزامها الكامل بكل ما يصدر عن الجهات الرقابية، واستعدادها المستمر لتصحيح أي ملاحظات، والعمل بكل شفافية وتعاون لتقديم منتج يليق بالمستهلك المصري.
وعقب ذلك كشفت وزارة الصحة عن تواصلها مع مالكي سلسلة بلبن والمحلات التابعة لها، لعقد اجتماع تنسيقي لإيضاح الإجراءات التصحيحية والوقائية المطلوب اتخاذها نحو إعادة النشاط في حال توفيق وتصحيح الأوضاع في أقرب وقت.
يرى المحامي الحقوقي مالك عدلي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن طريقة تعامل السلطات مع أزمة سلسلة محلات “بلبن” تثير تساؤلات قانونية وإجرائية، إذ يفترض – بحسب رأيه – أنه في حال ثبوت قيام شركة بإنتاج مواد غذائية ضارة أو مخالفة للمواصفات أو تحتوي على مكونات محظورة، فإن ذلك يُصنّف ضمن جرائم الغش التجاري التي تُحال إلى القضاء، سواء بوصفها جنحة أو جناية، لا أن تُدار إداريًا عبر قرارات إغلاق مباشرة من الجهات التنفيذية. ويضيف أن القواعد المعمول بها تقضي بأن تكون المحاكم هي الجهة المختصة بإصدار أحكام الغلق والغرامة، عقب عرض المخالفات في محاضر موثقة وتحقيقات رسمية. ويشير إلى أن المعتاد في مثل هذه الحالات أن تتعامل الحكومة بنهج التيسير على المستثمرين، وتُترك القضايا لمسارها القضائي دون تدخل مباشر من السلطات السياسية.
وفي تصريح إلى “زاوية ثالثة”، يقول عدلي: “قرارات الغلق الإداري يجب أن تُعرض على المحكمة، والقضاء هو من يملك الكلمة الفصل في قضايا تتعلق بصحة المواطنين. وعند تحرير محضر، يفترض أن توجد أحراز، وإجراءات تحقيق، وأن تُحال القضية إلى المحكمة، وليس أن تُدار عبر تفاهمات مع جهات حكومية أو اجتماعات سياسية. أما مسألة وجود عمالة متضررة، فإن مسؤولية الحكومة هنا أن تتحفظ على أصول الشركة، وتعيد تشغيلها مؤقتًا لحساب العمال، وتُصرف أجورهم، لحين توفيق الشركة لأوضاعها”.
ويعتبر عدلي أن ما جرى يعكس أزمة ثقة بين المواطنين والحكومة، موضحًا: “استيقظ الناس ليجدوا سلسلة تمتلك 110 فروع وتضم 25 ألف عامل أُغلقت دفعة واحدة، دون إعلان واضح أو شفاف للأسباب، ما استدعى تدخلاً مباشرًا من رئيس الجمهورية عقب استغاثة أطلقتها الشركة، وهو ما يُظهر خللاً في آلية اتخاذ القرار وتنفيذه”.
من جهة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد شوقي أن تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة والسماح للشركة بإعادة تصحيح أوضاعها يُمثّل، من زاويته، رسالة إيجابية للمستثمرين. ويوضح أن “هذا التدخل يبعث برسالة طمأنة بأن أي أزمة استثمارية قابلة للحل على أعلى المستويات، بينما كان غياب مثل هذا التدخل سيُفسَّر كرسالة طاردة لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية”.
نوصي للقراءة: لماذا تعطي مصر الأولويّة للمستثمر الأجنبيّ؟
البرلمان يناقش تراخيص المحلات
بالتزامن مع حالة الجدل المجتمعي بشأن إغلاق سلسلة محلات بلبن، أعلنت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، الأربعاء، عزمها عقد جلسة في البرلمان، خلال الأيام المقبلة، لبحث إشكاليات تراخيص المحلات التجارية في ضوء قانون المحال العامة، وتذكير الجهات المعنية بضرورة الإسراع في إصدار التراخيص وأكواد الحماية المدنية، للتيسير على المواطنين ولكي تحصل الدولة على مستحقاتها من رسوم وضرائب.
وطبقًا للقانون فإنه يجب على كل من يرغب في فتح محل تجاري في مصر الحصول على ترخيص، وتتضمن العقوبات على تشغيل محل بدون ترخيص الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة، بالإضافة إلى الغرامة وإغلاق المحل على نفقة المخالف، تشمل المستندات المطلوبة صورة من بطاقة الرقم القومي أو جواز السفر.
ويحدد قانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 رسوم ترخيص المحلات وفق لعدد من المعايير منها، نوع النشاط وموقع المحل ومساحته، ومدى انتشار النشاط في المنطقة وعدد المحلات بها.
ويُرجع الدكتور عادل عامر، الخبير القانوني ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، في تصريح إلى زاوية ثالثة، انتشار فروع غير مرخصة لسلسلة “بلبن” إلى اعتمادها على النظام القديم لتراخيص المحلات، الذي كان يتيح لصاحب النشاط التجاري، بعد ترخيص الفرع الرئيسي، افتتاح فروع جديدة في مختلف المحافظات، دون الحاجة إلى تراخيص إضافية، طالما كان يمتلك سجلًا تجاريًا وبطاقة ضريبية. غير أن القانون الجديد للمحال العامة الصادر عام 2019 غيّر هذا الوضع، حيث نصّ على ضرورة الرجوع إلى اللجنة العليا لتراخيص المحال العامة قبل افتتاح أي فرع جديد، والحصول منها على موافقة مسبقة بناءً على فحص الطلب المقدم من الشركة المالكة.
ويُوضح عامر أن المواصفات الغذائية في مصر محكومة بضوابط صارمة، تتولى الهيئة القومية لسلامة الغذاء مسؤولية تطبيقها، بصفتها الجهة القانونية المنوط بها تحديد المعايير الفنية ومواصفات الجودة ومنح التراخيص للمنتجات الغذائية. وفي حال مخالفة هذه المعايير، يحق للهيئة التدخل الفوري لوقف النشاط إلى حين توفيق الأوضاع.
ويُعزي عامر تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في أزمة “بلبن” إلى البعد الاجتماعي المرتبط بالمسألة، نظرًا لما تمثله السلسلة من حجم عمالة يصل إلى نحو 25 ألف عامل، معرضين لفقدان مصدر رزقهم في حال استمرار قرار الإغلاق.
في المقابل، يرى خبراء أن تدخل السلطة السياسية في هذا الملف، وإن حمل رسائل طمأنة للمستثمرين ومحاولة لتيسير العقبات أمامهم، إلا أنه تجاوز المسارات القانونية والإدارية المعتادة، وهو ما يثير تساؤلات حول استقلالية الجهات الرقابية وجدوى أدوات إنفاذ القانون في حالات مشابهة.
وتُختَتم هذه الأزمة بما تحمله من مؤشرات بأنها لا تتعلق فقط بشركة واحدة، بل تمثل اختبارًا حقيقيًا لمنظومة الرقابة الغذائية في مصر، وتفتح بابًا واسعًا لمراجعة شاملة لآليات الترخيص، والتفتيش، والمحاسبة، بما يضمن صون صحة المواطنين دون التضحية بثقة المستثمر أو حقوق العمال.