سكان العمرانية يواجهون قرارات إزالة دون إخطار رسمي أو بدائل سكنية

200 عقارًا في حي العمرانية مهددة بالإزالة دون إخطار رسمي أو تعويض واضح، وسط صدمة السكان وخوفهم من الإخلاء القسري، رغم امتلاك بعضهم عقود تصالح قانونية.
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

في حيّي العمرانية الشرقية والغربية بمحافظة الجيزة، يواجه السكان شبح قرارات إزالة تهدد مساكنهم التي عاشوا فيها لعقود. وفي ظل غياب البدائل السكنية والتعويضات العادلة، تتصاعد مخاوف الأهالي من مصير التهجير القسري، ما دفعهم إلى توجيه نداء عاجل إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، مطالبين بتدخله لوقف تنفيذ الإزالات، وضمان حلول تحفظ حقهم في البقاء أو توفر بدائل سكنية تليق بكرامتهم الإنسانية.

نداءات الاستغاثة جاءت بعد بدء لجان فنية في حصر وترقيم ما يُقدّر بنحو 200 عقار تمهيدًا للإزالة، في نطاق يمتد من أبراج المحمودية والزهراء وصولًا إلى الطريق الدائري الأوسطي، وذلك ضمن أعمال التمهيد لتنفيذ مراحل جديدة من مشروع امتداد محور كمال عامر. وقد أُبلغ بعض السكان شفهيًا بأن مغادرة منازلهم قد تتم خلال الأسابيع المقبلة، دون تلقي إخطار رسمي، وهو ما أثار القلق في أوساط الأهالي، خصوصًا في ظل غياب أي إعلان عن خطط للتعويض أو توفير بدائل سكنية، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، واعتمادهم الكامل على هذه المساكن كمصدر للاستقرار والمأوى.

“صُدمت لما قالوا 15 سم مخالفة” بهذه العبارة استهل بيتر جورج، أحد سكان المنطقة المتأثرة بخطة الامتداد الجديدة، حديثه عن تفاصيل ما جرى يوم السبت 10 مايو، حين زاره موظفون عرّفوا أنفسهم بأنهم من “هيئة المساحة”. طلبوا الدخول إلى شقته لإجراء قياسات، تمهيدًا لاستكمال مشروع يُنفذ في المنطقة.
يقول بيتر لـزاوية ثالثة: “كنت أظن أن المحور بعيد عن منطقتنا، لكن الموظف قال العكس: فيه امتداد جديد هيعدي من هنا، وهيتم إزالة عدد من العقارات، والقرار صادر من حي العمرانية”.
سأله بيتر عن حجم المخالفة في عقاره، فأجابه الموظف: “من 5 إلى 15 سم”. يتابع بيتر: “اتصدمت، معقول بيت يتهد علشان 15 سم؟!”.

ويشير إلى أن ممثلين عن الحي حضروا أيضًا، وكرروا نفس كلام موظفي الهيئة، كما وُضعت علامات على ثلاثة منازل تملكها عائلته، بالإضافة إلى منزل عائلة زوجته، بما يشير إلى إدراجها ضمن خطة الإزالة.

يقول إن الأهالي تواصلوا مع النائب إيهاب منصور، الذي أكد في البداية أنه لم يتلقَ إخطارًا رسميًا، لكنه حضر لاحقًا إلى الموقع، واستفسر من المسؤولين الميدانيين الذين أبلغوه أن أعمال الإزالة ستبدأ بعد عطلة العيد. أوضح النائب، في لقائه مع السكان، أن مشروع المحور الجديد يربط بين كمال عامر والبدرشين، مرورًا بالدائري والمنيب وحتى الطريق الأوسطي.

ويضيف بيتر أن المنطقة تضم أبراجًا سكنية مرتفعة، من بينها مبانٍ تملكها عائلته، يتراوح ارتفاعها بين ثمانية وتسعة طوابق، وقد سبق لسكانها أن تقدموا بطلبات تصالح قانونية في فترات فتحتها الدولة لذلك الغرض.

ويتابع: “نواب الدائرة رفضوا يخلونا نروح المحافظة ونتكلم مع المسؤولين. ولما قررنا نتحرك بشكل سلمي ونقف قدام بيوتنا بعد صلاة الجمعة، حسب اتفاق داخل جروب بيجمع المتضررين بالنواب على أحد وسائل التواصل، فوجئنا بانتشار عربيات أمن مركزي، كأن حد بلّغ عن التحرك”.

يختم شهادته قائلًا: “إحنا مش ضد التطوير، لكن مش منطقي التعامل مع الناس بالشكل ده. كان لازم يحصل تفاوض مسبق على التعويض، وتكون فيه شفافية قبل ما يتاخد أي قرار سواء بمسح أو إزالة. المطلوب بديل واضح وعادل”.

محمد حسن، أحد سكان حي العمرانية، يواجه واقعًا مشابهًا. يسكن في منزل عائلي مكوّن من ثلاثة طوابق مع أشقائه وأسرهم. يقول لـزاوية ثالثة إنه أوقف أعمال الترميم في شقته فور سماعه بخطة الإزالة المحتملة، رغم أنه كان قد استأجر شقة مؤقتة خارج الحي بسبب الترميم.

يوضح: “ماحدش كلّمنا بشكل رسمي عن تعويض أو بديل. البيت ده مش مجرد سكن، ده مأوى ليا ولأسرتي، وأنا واخد جزء من الدور الأرضي عامله مشروع صغير بعيش منه”.

ويضيف أن غياب أي تواصل رسمي مع السكان خلق حالة من القلق وعدم اليقين. ويشدد: “إحنا مش ضد التطوير، بس مش من حق أي جهة تزيل البيوت من غير ما توضح للناس هيروحوا فين. إحنا بنطالب بحقنا في مأوى بديل، مش فلوس. الأسعار دلوقتي بقت خيالية، والفلوس مش هتكون تعويض عادل. عايزين عقار مقابل عقار، ومحل مقابل محل. غير كده يبقى معناه تشريد كامل لينا ولأسرنا”.

ينص الدستور المصري، في مادته (78)، على التزام الدولة بتوفير المسكن الملائم والآمن والصحي للمواطنين، بما يحفظ الكرامة ويحقق العدالة الاجتماعية، في إطار خطة وطنية للإسكان تُراعي الخصوصية البيئية، وتكفل البنية الأساسية والتخطيط العمراني السليم.
وتكفل المادة (35) صون الملكية الخاصة، وتمنع نزعها إلا للمنفعة العامة، مقابل تعويض عادل يُدفع مقدمًا وفقًا للقانون.
أما المادة (63)، فتحظر التهجير القسري التعسفي بجميع صوره، وتعتبر مخالفته جريمة لا تسقط بالتقادم.

كذلك تنص المادة 11 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي صدقت عليه مصر في 1982، على حق كل فرد في مستوى معيشي كافٍ، يشمل السكن، وتُلزم الدول باتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذا الحق.

نوصي للقراءة: حق الانتفاع يُسحق بالجرافات: ما وراء إزالات قرية الفردوس ببورسعيد

مشروع امتداد لمحور كمال عامر

يُعد امتداد محور الفريق كمال عامر واحدًا من أبرز المشروعات المرورية في محافظة الجيزة، وتهدف الحكومة من خلاله إلى ربط شمال الجيزة بجنوبها، وتخفيف الضغط المروري عبر ربط المدينة بالمحاور الرئيسية المؤدية إلى القاهرة. يمتد المحور من الطريق الدائري في المنيب جنوبًا حتى الوراق شمالًا، وصولًا إلى محور “تحيا مصر” في روض الفرج، ويمر عبر عدد من المحاور الحيوية مثل 26 يوليو، جامعة الدول العربية، صفط اللبن، فيصل، الهرم، إضافة إلى شوارع مستشفى الصدر، الثلاثيني، وخاتم المرسلين.

وفي هذا الإطار، نشرت “الوقائع المصرية” في عددها رقم 241 بتاريخ 31 أكتوبر 2024، قرار وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية رقم 1102 لسنة 2024، بشأن نزع ملكية عدد من الأراضي بمحافظة الجيزة لصالح تنفيذ امتداد المحور، المعروف سابقًا باسم “محور ترعة الزمر”. القرار استند إلى الدستور، وقانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، وقانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة رقم 10 لسنة 1990، إلى جانب قرار رئيس الجمهورية رقم 279 لسنة 2018 الذي فوّض بعض الاختصاصات إلى رئيس مجلس الوزراء.

وأشار القرار أيضًا إلى قرارات سابقة لرئيس مجلس الوزراء، أبرزها القرار رقم 2128 لسنة 2019، والقرار رقم 2665 لسنة 2021، اللذين صنّفا مشروع محور الفريق كمال عامر كأحد مشروعات المنفعة العامة. كما استند القرار إلى خطاب مديرية المساحة بمحافظة الجيزة رقم 353 بتاريخ 7 يوليو 2024، بشأن استصدار قرار بنزع ملكية بعض الأحواض التي لم تُودَع نماذجها بعد لدى مكتب الشهر العقاري المختص.

اللواء مهندس رئيس الجهاز المركزي للتعمير، أوصى في عرضه التنفيذي بأن المشروع يُمثّل مصلحة عامة تستوجب نزع الملكية ضمن المسار المخطط. ويُعتبر هذا القرار امتدادًا لسلسلة الإجراءات الحكومية الهادفة لتوسعة المحور، ما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والمجتمعية، في ظل تصاعد مخاوف سكان العمرانية الشرقية والغربية من احتمال التهجير القسري دون تعويض عادل أو بدائل واضحة.

من جانبه، أوضح إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ووكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، أن الإزالات الجارية في منطقة العمرانية ترتبط بمسار جديد مقترح يبلغ طوله نحو 17 كيلومترًا، يبدأ من محور كمال عامر، مرورًا بشارع الزهراء باتجاه المنيب، وينتهي عند الطريق الدائري الأوسطي.

وفي مقطع مصوّر، نفى النائب أن تكون الإزالات مرتبطة بإنشاء نزلة أو طالعة على الطريق الدائري، مشيرًا إلى أن هذه الإنشاءات تقع بعد الدائري من ناحية المنيب ولا تمت بصلة لحي العمرانية. وأكد أن الإزالات المخططة ترتبط بمشروع جديد جرى إبلاغهم به من قبل هيئة المساحة، وليست نتيجة أعمال إنشائية سابقة أو حالية.

وأوضح النائب أنه قام بجولة ميدانية على امتداد المسار المقترح بصحبة عدد من الأهالي المتضررين، لتحديد أثر المشروع على المناطق السكنية. وأشار إلى أنه خلال اللقاءات مع المسؤولين، طُرحت بدائل لمسار المحور، من بينها مسار قديم بمنطقة المريوطية، وآخر على طريق مصر-أسوان (الطريق الصحراوي المؤدي إلى الصعيد). ويجري حاليًا التواصل مع الجهات المعنية لدراسة تلك البدائل.

وقال النائب: “نهدف إلى تقليل التكلفة على الدولة ومنع الإزالات قدر المستطاع. المسؤولون أنفسهم لا يرغبون في دفع مليارات الجنيهات كتعويضات، لذلك نسعى للوصول إلى حل مشترك يخدم المصلحة العامة ويحمي حقوق السكان”.

 

نوصي للقراءة: أحلام تحت الأنقاض: ملاك “عمارات شرق الأوتوستراد” يدفعون الثمن مرتين

تعديلات سابقة وضغوط متواصلة لإلغاء الإزالات

وأشار النائب إلى أنه نجح في وقت سابق بالتدخل لتعديل مسار المشروع في عدد من المناطق، وهو ما حال دون تنفيذ قرارات إزالة بها، بينما لم يكن بالإمكان إجراء تعديل في مناطق أخرى، فتم تنفيذ قرارات الإزالة فيها.

وأضاف: “حتى الآن، تواصلت مباشرة مع 16 جهة ومسؤولًا بحثًا عن حلول واقعية وعادلة. وسأواصل هذا الجهد ولن نتوقف عن السعي لمنع أي إزالة أو ضرر يصيب الأهالي دون بدائل واضحة ومنصفة”.

وفي سياق متصل، تقدم النائب إيهاب منصور بطلب إحاطة موجّه إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزراء التنمية المحلية، والإسكان والمرافق، والنقل، والموارد المائية والري، بشأن ما وصفه بتجاوزات في تنفيذ الإزالات الجديدة بحي العمرانية، حيث فوجئ السكان في غضون 24 ساعة فقط، بوجود مسؤولين من هيئة المساحة يقومون بحصر وترقيم المنازل تمهيدًا لإزالتها، رغم انتهاء المشروع الأصلي منذ سنوات، وصدور قرارات نزع ملكية سابقة حينها.

النائب أبدى استنكاره لما وصفه بـ”التصرف غير المقبول”، معتبرًا أن تهديد السكان بإخلاء منازلهم في غضون شهر دون تمهيد أو تعويض كافٍ هو أمر مرفوض شكلاً وموضوعًا، وقد يؤدي إلى تداعيات نفسية جسيمة، لا سيما في ظل ما وصفه بـ”رعب وقلق شديدين” ساد المنطقة فور وصول أنباء التنفيذ.

ولفت إلى أن مشروع محور الفريق كمال عامر، الذي تم تنفيذه منذ سنوات، أقيم كطريق أرضي يفصل بين العمرانية الشرقية والغربية، ما تسبب في معاناة يومية لعدد كبير من السكان، خاصة كبار السن وذوي الإعاقة. ورغم موافقته على مقترح تركيب مصاعد كهربائية بكباري المشاة لتسهيل العبور، إلا أن تلك المصاعد لم تُشغّل حتى الآن.

وشدد النائب على أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتباطؤ صرف تعويضات نزع الملكية في مناطق عديدة بمحافظة الجيزة، تستوجب إعادة النظر في خطة التنفيذ، مقترحًا تنفيذ المشروع بطابقين لتقليل الإزالات، مع ضرورة إعلان قائمة العقارات المزمع إزالتها مسبقًا، حتى يتمكن السكان من ترتيب أوضاعهم الأسرية والتعليمية والاجتماعية.

واختتم منصور تصريحاته بالتشديد على أن الدستور المصري والقوانين المنظمة لنزع الملكية تضع آليات واضحة لضمان العدالة والشفافية، مشيرًا إلى أن المادة 78 من الدستور تنص صراحة على التزام الدولة بتوفير المسكن الملائم والآمن والصحي لكل مواطن، ومطالبًا الجهات الحكومية بالوفاء بهذه الالتزامات، حفاظًا على استقرار المجتمع وحماية لحقوق المواطنين.

 

نوصي للقراءة: جزيرة الوراق.. زاوية ثالثة توثق استخدام الرصاص الحي ضد الأهالي

عمليات الهدم وحقوق السكان 

تُدار عمليات الهدم في مصر وفقًا لقانون البناء رقم 119 لسنة 2008، الذي ينص على مجموعة من الضوابط والإجراءات المنظمة لقرارات الإزالة، بما يضمن التدرج القانوني واحترام حقوق الأفراد. وتنص المادة (94) من القانون على أن الجهات الإدارية المختصة، كالحي أو المحافظة، مخوّلة بإصدار قرار هدم لأي مبنى يُثبت مخالفته لشروط الترخيص، أو أُقيم بدون ترخيص قانوني. ويُلزم القانون هذه الجهات بإخطار المخالف رسميًا، ومنحه مهلة لتصحيح الوضع، أو اللجوء إلى التصالح وفقًا لما أقره مرسوم بقانون رقم 17 لسنة 2019 بشأن التصالح في مخالفات البناء وتقنين أوضاعها. ويُحظر تنفيذ قرار الهدم إلا بعد انتهاء المهلة القانونية، مع التشديد على تنفيذ الإزالة دون الإضرار بممتلكات الغير أو التسبب في أضرار غير ضرورية.

دستوريًا، يكفل الدستور المصري في مادته (78) للمواطنين الحق في السكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية. وتُلزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تُراعي الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية، وتنظم استخدام الأراضي ومدّها بالمرافق ضمن إطار تخطيط عمراني شامل. كما تتعهد الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة العشوائيات، تتضمن إعادة التخطيط، وتوفير البنية الأساسية والمرافق، وتحسين الصحة العامة، مع توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال أُطر زمنية محددة.

وتُصون المادة (35) الملكية الخاصة، مؤكدةً على حمايتها من الحراسة أو المصادرة إلا في حالات يحددها القانون وبحكم قضائي، كما تنص على أن نزع الملكية لا يكون إلا للمنفعة العامة، مقابل تعويض عادل يُدفع مسبقًا وفقًا للقانون. كما تُحظر المادة (63) التهجير القسري التعسفي بجميع صوره وأشكاله، وتعتبر مخالفته جريمة لا تسقط بالتقادم.

على المستوى الدولي، تؤكد المادة (17) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق الأفراد في التمتع بملكية خاصة، وعدم جواز حرمانهم منها تعسفيًا. كما ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 11) على الحق في السكن الملائم، ويُلزم الدول باتخاذ تدابير تحمي السكان من الإخلاء القسري دون بدائل مناسبة وتعويض عادل. وتُشدد المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الإزالة القسرية (1997) على ضرورة الإشعار المسبق الكافي، ومشاركة السكان في اتخاذ القرار، وتوفير التعويض المناسب وإعادة الإسكان الملائم.

في هذا السياق، يقول المحامي ياسر سعد إن ما يجري في حي العمرانية من عمليات إزالة وإخلاء يتم “دون أي حديث عن التعويضات أو إجراءات قانونية مسبقة”، ما يُعد مخالفة صريحة للدستور المصري والقوانين المنظمة، وكذلك للاتفاقيات الدولية التي التزمت بها مصر.

ويضيف سعد، في حديثه إلى زاوية ثالثة، أن الإخلاء القسري من المساكن دون إشعار رسمي، أو منح فرصة قانونية للطعن أو المطالبة بحقوق السكن، يرقى إلى “جريمة” بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، الذي يُلزم الدول الأعضاء، ومنها مصر، بعدم المساس بحقوق الملكية أو السكن إلا للضرورة القصوى، وبموجب إجراءات قانونية واضحة ومحددة.

ويُشدّد سعد على أن المادة (35) من الدستور المصري تُقرّ بشكل صريح بأن الملكية الخاصة لا تُنزع إلا للمنفعة العامة، مع تقديم تعويض عادل، ويؤكد أن هذا النص يستوجب احترامه من قبل السلطات التنفيذية، خاصة في حالات نزع الملكية والهدم التي تؤثر على أسر بأكملها.

ويتطرق سعد إلى ما يعتبره إخلالًا بعدالة التنمية ضمن رؤية “مصر 2030″، موضحًا أن سياسات التطوير المتبعة تكرّس التفاوت الطبقي، حيث تُزال مساكن الفقراء لصالح توسعات في أحياء الأغنياء، ما يكرّس الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بدلًا من الحد منها. ويرى أن غياب الشفافية والمشاركة المجتمعية في اتخاذ قرارات الإزالة يفاقم الأزمة، داعيًا إلى ضرورة “توضيح أسباب الإزالة بشكل معلن، وإشراك السكان أنفسهم—ليس مجرد ممثلين عنهم—في حوار مجتمعي مباشر ومنسق مع الجهات التنفيذية”، لضمان الاحترام المتبادل وتفادي الانتهاكات.

ويُذكر أن قانون البناء الموحد لعام 2008 يضع شروطًا واضحة قبل تنفيذ الإزالة، منها تنظيم حوار مجتمعي مع المتضررين، وتقديم مبررات الإزالة والبدائل المتاحة، والعمل على الوصول إلى صيغة مرضية لجميع الأطراف. وفي حال تقرر نزع الملكية لصالح مرفق عام، يشترط القانون إخطار المتضررين رسميًا، وتقديم تعويضات عادلة، ومنحهم الحق في الطعن أمام المحكمة الإدارية المختصة. ولا يُنفذ قرار الهدم إلا بعد صدور حكم نهائي وتعويض المتضرر ماديًا قبل التنفيذ.

لكن، وفقًا للمحامي ياسر سعد، فإن ما يحدث في العمرانية ومناطق أخرى يُعد “إخلاءً قسريًا مخالفًا للدستور والقانون والمعايير الدولية”، ويستدعي المساءلة الفورية للمسؤولين عن تنفيذ هذه الإجراءات دون استيفاء شروطها القانونية.

تأتي أزمة العمرانية في سياق سلسلة متكررة من حالات الإزالة في عدد من المحافظات المصرية، حيث تبرر الحكومة هذه العمليات بضرورات التطوير العمراني والتنمية الشاملة. إلا أن هذه المبررات تصطدم بتساؤلات مشروعة حول مدى احترام حقوق السكان المتضررين، وضمان تعويضهم بشكل عادل، مع ضرورة إيجاد توازن فعلي بين مستهدفات التنمية وحقوق الأفراد.

إن التنمية الحقيقية، كما يؤكد سعد، لا يجب أن تتحقق على حساب المأوى والاستقرار، بل يجب أن تسعى لبناء واقع عمراني عادل وشامل، لا يُقصي أحدًا ولا يُشرّد أسرة، وتقوم على احترام حقوق الإنسان وليس تجاهلها.

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search